Advertisement

مقالات لبنان24

الأميركيّون يعيدون شبح التقسيم مجدّدًا إلى أجواء المنطقة!

جمال دملج

|
Lebanon 24
30-07-2016 | 08:42
A-
A+
Doc-P-185664-6367054135125264331280x960.jpg
Doc-P-185664-6367054135125264331280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
عندما يعبّر مسؤول أميركيّ بمستوى رئيس وكالة المخابرات المركزيّة جون برينان عن خشيته من أنّ سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه في الماضي، ويعرب عن شكوكه في إمكانيّة بقائها موحّدة مثلما كان عليه الحال قبل اندلاع الأزمة عام 2011، فهل يعني ذلك أنّ الخطط الأميركيّة الخاصّة بتقسيم منطقة الشرق الأوسط، والجاهزة منذ سنواتٍ طويلةٍ، لم تعد تحتاج سوى إلى نفض الغبار عنها، والبدء بالتنفيذ؟ لا شكّ في أنّ هذا السؤال يحمل في طيّاته ما يكفي من النذائر لقرع نواقيس الخطر في كافّة دول الإقليم، باعتبار أنّ "موضة" التقسيم إذا ما قدِّر لها أن تصبح دارجةً بالفعل، فإنّها لن تبقى محصورةً بالتأكيد ضمن المساحة الجغرافيّة التي تتشكّل منها الجمهوريّة العربيّة السوريّة وحسب، بل ستشمل مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، علمًا أنّ الغايات المرجوّة من هذه المواقف التي أطلقها المسؤول الأميركيّ أثناء مشاركته اليوم في منتدى الأمن المنعقد في مدينة أسبين في ولاية كولورادو، كانت تتمثّل أساسًا في "تمرير" رسالةٍ بلهجةٍ انتقاديّةٍ إلى موسكو، مفادها أنّ واشنطن تعوّل على قيام الجانب الروسيّ بتنفيذ كافّة التزاماته بشأن تسوية الأزمة السوريّة، وعلى رأسها "تثبيت وقف إطلاق النار والحدّ من أعمال العنف". ولكن على رغم وضوح هذه الغايات، فإنّ ربط برينان فرص عودة الاستقرار إلى سوريا بمسألة خروج الرئيس بشّار الأسد من السلطة، وتشديده على هذه النقطة بالتحديد، قبل أن يقول إنّه لا يعرف ما إذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سوريا موحّدةً مرّةً أخرى، بدا وكأنّه يستهدف تهيئة الأجواء النفسيّة المناسِبة للشروع بطرح خرائط التقسيم بشكلٍ علنيٍّ، ولا سيّما أنّ تزامن إطلاقِ تصريحاتٍ على هذا النحو من الخطورة مع التسريبات التي روّجتها الدوائر الإعلاميّة الغربيّة خلال الأسبوع الحاليّ، والتي أرادت منها التذكير باجتماعٍ سابقٍ كان مهندس خطط التقسيم في الشرق الأوسط هنري كيسنجر قد عقده في شهر شباط الماضي مع الرئيس فلاديمير بوتين، بدا بدوره وكأنّه استهدف الإيحاء بأنّ روسيا راضية عن هذه الخطط، الأمر الذي من شأنه فتح باب الاحتمالات بشأن المستقبل السوريّ على مصراعيه. وبغضّ النظر عن مدى قُرب أو بُعد هذه المسألة عن الوقائع الملموسة التي يمكن البناء عليها من خلال رصد ومتابعة الجهد الديبلوماسيّ الروسيّ، وخصوصًا بعدما كان وزير الخارجيّة سيرغي لافروف قد وجّه نهار أمس الجمعة نداءً عاجلًا يدعو فيه كافّة أطراف النزاع في سوريا إلى العودة "سريعًا" إلى طاولة المفاوضات في جنيف، فإنّ شبح التفتيت والتقسيم، لا بدّ وأنّه عاد بالفعل ليخيّم مجدّدًا على أجواء المنطقة في ضوء تصريحات برينان الأخيرة. وإذا كان "المشروع الكيسنجريّ" بهذا الخصوص قد بدأ من جزيرة قبرص عام 1974، قبل أن ينتقل إلى لبنان في العام التالي ليخلّف وراءه ما خلّفه من ويلاتٍ ودمارٍ وخرابٍ على مدى السنوات الطويلة الماضية، فإنّ أخطر الخطط الموضوعة والمعتمَدة في الوقت الراهن لضمان استمراريّة هذا المشروع، هي تلك التي أعدّها الجنرال المتقاعد في الجيش الأميركيّ عن المحافظين الجدد رالف بيترز تحت عنوان: "خارطة حدود الدم"، والتي يعتبر فيها أنّ حدود أفريقيا والشرق الأوسط هي "أكثر الحدود الدوليّة تحكّميّة وعشوائيّة وتشوّهًا وظلمًا في العالم"، الأمر الذي تسبّب في تكريس "الجمود الثقافيّ واللامساواة واللاعدالة والتطرّف الدينيّ بين شعوب المنطقة"، على حدّ تعبيره. خطّةٌ.. يتوقّف فيها بيترز عند مشكلاتِ الأقليّاتِ في المنطقة، وما لحقها من "ظلمٍ فادحٍ" حين تمّ تقسيم الشرق الأوسط في بدايات القرن العشرين (اتّفاقية سايكس بيكو)، مشيرًا إلى هذه الأقليّات "بأنّها الجماعات أو الشعوب التي خُدعت حين تمّ التقسيم الأوّل"، وفي مقدّمتهم الأكراد والشيعة العرب ومسيحيّو الشرق الأوسط والبهائيّون والاسماعيليّون والنقشبنديّون، حيث يرى أنّ ثمّة كراهيّة شديدة بين الجماعات الدينيّة والإثنيّة في المنطقة تجاه بعضها البعض، وأنّه لذلك يجب أن يعاد تقسيم الشرق الأوسط انطلاقًا من تركيبته السكّانيّة غير المتجانسة والقائمة على الأديان والمذاهب والقوميّات والأقليّات، حتّى يعود السلام إليه! وربّما لو قمنا بإطلالة خاطفة على جغرافيّة العالم العربيّ من المشرق إلى المغرب، سواء قبل "ربيع العرب" أم في غمرة تداعياته، فإنّنا سنجد أنّ رالف بيترز يبدو على حقّ، ولا سيّما أنّ جميع الأقطار العربيّة تقريبًا مهدّدة حاليًّا بالانفصال، إمّا لاعتبارات إثنيّة وعرقيّة أو لاعتبارات دينيّة ومذهبيّة. ولكنّ المؤسف هو أنّ كافّة هذه الاعتبارات، راحت تتحوّل تدريجيًّا إلى قنابلَ موقوتةٍ تهدّد ببلقنةِ المنطقة بأسرها وتحويلها إلى دويلاتٍ وقبائلَ متناحرةٍ تخدم المصالح الغربيّة، طلبًا للحماية، عوضًا عن أن تكون مصدرَ ثراءٍ ودليلَ عافيةٍ على التنوّع.. وأغلب الظنّ أنّ هذا الفارق بالتحديد هو الذي يشكّل المحور الرئيسيّ للاختلافات في وجهات النظر بين واشنطن وموسكو حيال مستقبل المنطقة، وبالتالي بين سياسةٍ تقوم على "الغموض البنّاء" وأخرى تقوم على "الوضوح البنّاء".. وللحديث عن موقف روسيا من "خارطة حدود الدم" تتمّة! (جمال دملج - كاتب متخصّص في الشؤون الروسيّة)
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك