Advertisement

المرأة

ما فِيُن غير على تيابِك...

Lebanon 24
25-08-2016 | 23:30
A-
A+
Doc-P-195977-6367054226449078241280x960.jpg
Doc-P-195977-6367054226449078241280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
تعلّمنا منذ الصِغر في المدرسة، أنّ حرّيتنا تنتهي حين تبدأ حرّية الآخرين. ولكن يكفي إلقاء نظرة على العالم من حولنا، حتّى نلاحظ أنّ انفتاح البلدان وتقبُّلها للآخر مرتبط بحرّية المرأة بالدرجة الأولى. فرداءُ المرأة وحده كفيل بكشفِ هوية المجتمعات وانتماءاتها وعقائدها، ومدى انتشار الحرّية فيها.تمثّل المرأة الحلقة الأضعف في المجتمعات، وبناءً عليه، تخضع في لباسها لِما يُمليه عليها ذكور المجتمع وفقاً لمعتقداتهم. ففي المجتمعات الغربية تنشأ المرأة على فكرة أنّ استعراض جسدِها مقبول ومرحَّب به، فتراها تسترسِل في شراء الألبسة السكسي وارتدائها، وتَجعلها مرآةً لهوية مجتمعها العلماني. ملابسُها غير المحافظة تُعبّر عن تحرّرها من القيود الاجتماعية ومِن نظرة الآخرين لها، وتُظهرها حرّةً، إذ يحقّ لها ارتداء ما تريد. في المقابل، سَترُ جسد المرأة سِمة من سمات المجتمعات المحافظة، في الشرق كانت أم في الغرب... وهناك، يحاول أبوها وأخوها وزوجها وحتّى أمّها وباقي النساء المحيطات بها وصولاً إلى بعض الدول والأنظمة، أن يُملوا عليها ماذا تلبس وكيف تطلّ على المجتمع. والمجتمعات الشرقية تربط شرَفها وشرفَ عائلة الفتاة بإطلالتها وتصرّفاتها. ويَعتبر هذا الفِكر المتجذّر في محيطنا أنّ عرضَها لجسدها ليس عادياً، بل هدفُه إيقاظ الغرائز. هي مسؤولة عن مشاعر الذَكر الذي قد يُستثار لرؤيتها، ويصبح هو بدوره، كأبٍ أو زوج أو أخ، مسؤولاً ووَليّاً على إطلالتها. يتفرّغ هذا الولي لمراقبتها وفرضِ تصرّفاتها بالنصحِ أو الترغيب وصولاً إلى الترهيب، وهدفُه أن لا تقعَ في الخطيئة أو أن تُصبح خطيئة أحدِهم، فينهار شرفُ العائلة. في المقابل، يشيح المتزَمِّت نظرَه عن نفسه كونه رجلاً، فلا يحكم على تصرّفاته وحياته الشخصية التي تكون أحياناً مستفِزّة ومتفلّتة وربّما خارجة عن المنطق، ويصبّ اهتمامه عليها فقط. هاجسُه الأبَدي تقييمها، وكأنّ الحياة نَصَّبته حَكماً عليها. والتزَمُّت الاجتماعي غير مرتبط مباشرةً بالدين، بل هو وليدة فكرٍ ذكوريّ يَبني المجتمعَ مِن وجهة نظره الوحيدة ويَطمر المرأة في ظلمٍ يمتدّ من سطوة الأب إلى تحرّشات أساتذة المدرسة وبعض رجال الدين المحرومين... فالمجتمعات المتخلّفة مثلاً تهتمّ بطول تنّورةِ التلميذات إلى درجة تمنَعهم من رؤية المتحرّشين بهنّ... ورجال الدين يهتمّون بحشمة المرأة ولباسِها في الكنائس والأضرحة والأماكن المقدّسة ويرفعون الصوت عالياً حتى يشيحوا نظرَ الناس عن فحشهم وفخامة سياراتهم وعددِ مرافقيهم. الخلع مفروض لا تهدفُ المضايقات دائماً إلى حثّها على اللباس، بل أحياناً في سبيل دفعِها على العري... وغالباً ما يكون ذلك بهدف «تسليعِها» أو إرضاءً لشهواتٍ مريضة. وكم مِن مؤسسة في لبنان والعالم تفرض على الموظفات ارتداءَ التنّورة القصيرة مثلاً، وكم من معلِن أو صاحب وسيلة إعلامية يحدّد لها وضعيّات ومواقف تُبرزها رخيصةً حتى يتمكّنَ مِن تسويق منتجاته وإيصالها إلى الجمهور بشكل سريع. في سياق متّصل، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بخبَر منعِ البوركيني على الشواطئ في فرنسا. وعرفَ العالم "سيام" التي أجبرَها الأمن الفرنسي على دفعِ غرامةٍ مقابلَ جلوسِها على شاطئ مدينة "كان" الفرنسية وهي تضعُ على رأسها وشاحاً. هذه الحادثة قسَمت الناس حول العالم بين مؤيّد ورافض، إلّا أنّها كشفَت بوادر عن نيّة إجبار المرأة على الظهور بإطلالة علمانية بَحتة في المجتمعات الغربية. أمّا في المقلب الآخر من العالم فالتزامُ الحشمة مفروض، وأكثر مِن منطقة عربية تفرض على المواطنات والأجنبيات المقيمات فيها لباساً محتشماً أو حتّى قواعد صارمة في تغطية الجسد من أطراف الشعر حتّى الكاحل. في لبنان أمام هذه التجاذبات العالمية المثيرة للجدل، يبقى المجتمع اللبناني المختلط بأعراقه وأديانه واحةً معتدلة من الانفتاح والقدرة على تقبّلِ فكرِ الآخر كما هو بانتمائه وحرّيته وإطلالة نسائه. يكفي أن تقصدَ وسط المدينة في بيروت حتى ترى تلك التي ترتدي "الشورت" القصير والقميص "البروتيل" وتمشي بموازاة الفتاة المحجّبة. ويمكن للمرأة أن تقصد الشواطئ العامة في لبنان، فتتمدّد على الرمال بالبيكيني وجنبَها أخرى باللباس الشرعي، ولا واحدة منهما مرغَمة على ارتداء ما لا تريد ارتداءَه، كما أنّها غير مرغَمة على خلعِ ما لا تريد خَلعه. صحيح أنّ الأهل يَعمدون أحياناً على تكبيل المرأة ونصحِها أو حتى إجبارها على بعض الحشمة، ولكن لدى خروجها من أسوار منزلها تكون حرّةً إلى حدٍّ ما، وتصبح متمرّدةً في أحيان وغيرَ منضبطة مع ازدياد الضغوط. فجزء من حرّية المرأة يكون بمنحِها حقَّ ارتداء ما تشاء حيث تشاء، ما دام ذلك لا يضرّ أحداً، فتكون هي المسؤولة عن جسدها وعن كمّية ما تريد عرضَه أو سَترَه دون أن يحكم عليها الآخرون بنظراتهم وبمدى تقبُّلِهم لها أو عدمه. ويبقى السؤال: متى سيأتي يوم تَترك فيه المجتمعات للمرأة حرّية ارتداء ما تشاء؟ (سابين الحاج - الجمهورية)
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك