Advertisement

مقالات لبنان24

سيناريو الخداع الأميركيّ من "لوكربي" إلى "11 سبتمبر"!

جمال دملج

|
Lebanon 24
29-09-2016 | 08:44
A-
A+
Doc-P-209135-6367054348308943101280x960.jpg
Doc-P-209135-6367054348308943101280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لم يكن مدير مكتب وكالة مكافحة المخدّرات في سفارة الولايات المتّحدة في جزيرة قبرص مايكل هارلي يعرف خلال ذلك النهار البعيد من عام 1986 أنّ ليستر كولمان الذي اتّصل به هاتفيًّا ليطلب منه موعدًا عاجلًا بحجّة أنّه مراسلٌ صحافيٌّ وصل للتوّ من واشنطن هو في الواقع عميلٌ متفرّغٌ في جهاز المخابرات العسكريّة الأميركيّة، تمامًا مثلما لم يكن كولمان يعرف أيضًا أنّ اتّصاله يومذاك سوف يؤهّله للكشف لاحقًا عن حقائقَ مذهلةٍ تُثبت أنّ العوامل التي أدّت إلى التسبّب بحادثة إسقاط طائرة الـ "بان أميركان" فوق بلدة لوكربي في سكوتلاندا عام 1988، نجمت في الأساس عن "تقصيرٍ استخباراتيٍّ أميركيٍّ فاضحٍ"، وأنّ هذا "التقصير" هو الذي أهّله في المحصّلة النهائيّة لتحديد هويّة الجاني الحقيقيّ! لا شكّ في أنّ استحضار تفاصيل هذه القضيّة القديمة التي كان كولمان قد فنّدها في كتابه الصادر عام 1994 تحت عنوان "في قبضة الأخطبوط" يكتسب أهمّيّة بالغة في الوقت الحاليّ، ولا سيّما بعد موافقة الكونغرس الأميركيّ على تفعيل "قانون العدالة ضدّ رعاة الإرهاب" الذي يسمح لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 بمقاضاة المملكة العربيّة السعوديّة في المحاكم الفيديراليّة الأميركيّة، على غرار ما فعلته سابقًا عائلات ضحايا حادثة لوكربي مع الجماهيريّة الليبيّة، ما أدّى وقتذاك إلى إلزام طرابلس الغرب بدفع تعويضاتٍ ماليّةٍ هائلةٍ، وذلك نظرًا لأنّ هذه الموافقة تشي بأنّ واشنطن عازمةٌ على تكرار السيناريو الليبيّ مع الرياض، على رغم كلّ العلّات التي شابته. بين هارلي والكسّار! يقول كولمان في كتابه إنّ المخابرات العسكريّة الأميركيّة استهدفت من وراء إيفاده إلى قبرص التحقّق من صدقيّة معلوماتٍ كانت قد تلقّتها عن أنّ عناصر وكالة مكافحة المخدّرات في نيقوسيا "يتجاوزون أطر الصلاحيّات التي تحدّدها لهم وظائفهم، وذلك من خلال إجراء اتّصالاتٍ مباشِرةٍ مع جماعاتٍ راديكاليّةٍ فلسطينيّةٍ"، الأمر الذي سرعان ما تمكّن من تأكيده، إثر اكتشافه أنّ مدير الوكالة مايكل هارلي ونائبه فرِد غانم، يتواصلان بشكلٍ دوريٍّ مع تاجر السلاح والمخدّرات السوريّ منذر الكسّار، قبل أن يكتشف لاحقًا أنّ الأمين العامّ للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامّة أحمد جبريل يتواصل بدوره بشكلٍ دوريٍّ مع الكسّار أيضًا، وأنّ الرجلين اجتمعا قبل أيّامٍ قليلةٍ من وقوع حادثة لوكربي التي أودت بحياة مئتين وسبعين ضحيّة. ويؤكّد كولمان أنّ العبوة التي فجّرت الطائرة المنكوبة فوق لوكربي كانت في الأصل حقيبة هيرويين مغطّاة أمنيًّا من قبل وكالة مكافحة المخدّرات الأميركيّة، قبل أن يتمّ استبدالها في مطار فرانكفورت، الأمر الذي كانت قد أشارت إليه مجلّة "تايم" الأميركيّة في عددها الصادر بتاريخ السابع والعشرين من شهر نيسان عام 1992، أي قبل صدور الكتاب بنحو عامين، وذلك عندما اتّهمت المجلّة منذر الكسّار بأنّه ساعد مجموعة أحمد جبريل على وضع الحقيبة الملأى بالمتفجرّات في طائرة الـ "بان أميركان"، بعد أن اتّفق الرجلان على ذلك خلال عشاءٍ جمعهما في مطعمٍ باريسيٍّ في خريف عام 1988، مشيرةً إلى أنّ الكسّار لعب حينذاك "لعبة مزدوجة"، إذ إنّه تعاون مع جبريل، ولكنّه أبلغ جهاتٍ أميركيّةً بالأمر، وموضحةً أنّ الكسّار أقام علاقاتٍ مع مجموعةٍ سرّيّةٍ أميركيّةٍ مرتبطةٍ بأجهزةٍ رسميّةٍ تاجرت بالمخدّرات والسلاح بهدف التغلغل في صفوف "منظّماتٍ إرهابيّةٍ"، والعمل على تأمين الإفراج عن الرهائن الأميركيّين في لبنان. اللافت هنا هو أنّه ما أن تمّ الإعلان عن موافقة الجماهيريّة الليبيّة عام 2003 على دفع تعويضاتٍ بقيمة مليارين وسبعمئةِ مليونِ دولارٍ لعائلات ضحايا حادثة إسقاط الطائرة المنكوبة، حتّى سارع وزير الخارجيّة الليبيّ وقتذاك عبد الرحمن شلقم إلى إطلاق موقفٍ مفاده أنّ تلك الموافقة لا تعني بالضرورة اعترافًا بأنّ بلاده تتحمّل مسؤوليّة التسبّب بالحادثة، موضحًا أنّ الغاية الأساسيّة من دفع التعويضات، تتمثّل في "شراء السلام" عن طريق إغلاق ملفّ القضيّة نهائيًّا، بما من شأنه أن يؤدّي حتمًا إلى رفع العقوبات الدوليّة التي كانت مفروضةً على ليبيا منذ عام 1992، وبالتالي إلى "فتح صفحةٍ جديدةٍ من العلاقات مع أميركا والغرب". هذا الموقف الذي تقاطع بالطبع مع ما أورده ليستر كولمان في كتابه، سواءٌ من جهة "الدور المشبوه الذي لعبه منذر الكسّار" في حادثة لوكربي، أم من جهة "التقصير الاستخباراتيّ الأميركيّ الفاضح" الذي أدّى إلى التسبّب بها، لم يأخذ خلال تلك المرحلة ما يستحقّه من الاهتمام، وذلك لأسبابٍ عديدةٍ، أهمّها أنّ "طبخة التعويضات" التي بلغت حصّة كلّ عائلةٍ من عائلات الضحايا منها عشرة ملايين دولار، كانت قد استوت على نارٍ هادئةٍ حينذاك، ووفقًا لجدولٍ زمنيٍّ محدّدٍ، نظرًا لأنّ الاتّفاق الذي أبرمته طرابلس مع بريطانيا والولايات المتّحدة بهذا الخصوص، نصّ على أن تدفع ليبيا أربعةَ ملايينِ دولارٍ بشكلٍ مبدئيٍّ لكلّ أسرةٍ بمجرّد رفع العقوبات الدوليّة المفروضة عليها، ويلي ذلك دفعة أخرى بالقيمة نفسها عندما تُسقط الولايات المتّحدة عقوباتها ضدّ طرابلس الغرب، ومن ثمّ دفعة أخيرة قدرها مليونا دولارٍ لكلّ أسرةٍ عندما تزيل واشنطن اسم ليبيا من قائمة الدول الراعية للإرهاب. علاوةً على ذلك، فإنّ ليستر كولمان الذي يملك كافّة مفاتيح القضيّة كان قد فرّ في مطلع التسعينيّات إلى السويد وحصل على حقّ اللجوء السياسيّ فيها، وذلك بعد أن باع ما بحوزته من معلوماتٍ إلى شركة "بان أميركان"، وتحديدًا بينما كانت الإدارة الأميركيّة تحاول التنصّل من تحمّل مسؤوليّة دفع التعويضات عن طريق إلقاء اللوم على نظام السلامة الأمنيّ لدى الشركة، وقبل أن توضَع هذه المعلومات على الرفّ في أعقاب اكتمال كافّة عناصر توجيه الاتّهام إلى ليبيا. أمّا منذر الكسّار، فقد ظلّ خلال تلك الفترة يعاني من أزماتِ توقيفه ومحاكمته بقضايا مختلفة، تارّة عام 1995 بتهمة إمداد المجموعات الفلسطينيّة التي اختطفت سفينة الركّاب الإيطاليّة "آكيلي لاورو" عام 1985 بأسلحةٍ هجوميّةٍ، وتارّة عام 2004 بتهمٍ تتعلّق بمبيعاتِ أسلحةٍ أرجنتينيّةٍ إلى الإكوادور وكرواتيا، قبل أن يتمّ توقيفه في إسبانيا عام 2006 ويُسلَّم إلى الولايات المتّحدة عام 2009، حيث حكم عليه بالسجن لمدّة ثلاثين عامًا إثر إدانته بالضلوع في "مؤامرةٍ تهدف إلى قتل أميركيّين في كولومبيا" عن طريق بيع أسلحةٍ بملايين الدولارات للقوّات المسلّحة الثوريّة الكولومبيّة (فارك). سيناريو الخداع المتجدِّد! وإذا كان ما تقدّم كافيًا بالتأكيد لتسليط الضوء على نوعيّة الحيل التي درجت العادة على أن تستخدمها الولايات المتّحدة في أوقات الشدّة، فإنّ ظهور مدير وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة جون برينان في مطلع شهر أيّار (مايو) الماضي في مقابلة مع محطّة "إن بي سي" بمناسبة الذكرى الخامسة لاغتيال أسامة بن لادن لا يخرج عن إطار تلك الحيل، ولا سيّما أنّه قال في المقابلة "إنّ نشر تقريرٍ كاملٍ عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر يمكن أن يُلحِق الضرر بالعلاقات بين الولايات المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة"، قبل أن يضيف قائلًا بطريقةٍ ماكرةٍ: "ولكنّ اللجنة المعنيّة فحصت جميع البيانات، وتوصّلت إلى استنتاجٍ قاطعٍ بأنّه ليست هناك أدلّة على أنّ الحكومة السعوديّة أو ممثّليها الرسميّين قدّموا مساعداتٍ ماليّةً لتنظيم القاعدة". فهل المقصود من وراء تبادل الأدوار بين السي آي إيه ومجلسيْ الشيوخ والنوّاب هو التلاعب بالكلمات والأعصاب؟ ربّما كان من الممكن القول إنّ الأمر ظلّ يسير على هذا النحو لغاية أوّل من أمس الثلاثاء، نظرًا لأنّ الرئيس باراك أوباما كان قد وعد بأنّه سيبذل قصارى جهده للحيلولة دون إقرار مشروع القانون، وذلك عن طريق استخدام حقّ النقض الرئاسيّ، علمًا أنّ المحامي جيمس كريندلر الذي يتولّى ملفّات هذه القضيّة، كان قد أكّد في مناسباتٍ عدّةٍ على أنّ "وقوف سيّد البيت الأبيض ضدّ تشريعٍ يحظى بتأييد الحزبين الجمهوريّ والديمقراطيّ، ويفتح المحاكم أمام ضحايا أسوأ هجومٍ إرهابيٍّ في تاريخ الولايات المتّحدة، سيكون ضربًا من ضروب الجنون". ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه في أعقاب ظهور ما بات مؤكّدًا عن عدم موافقة الكونغرس على "فيتو" أوباما للمرّة الأولى منذ بدء ولايته الرئاسيّة قبل ثماني سنواتٍ هو: إلى أيّ مدى يا ترى يمكن أن تستخدم الولايات المتّحدة أسلوب الابتزاز الممنهج مع المملكة العربيّة السعوديّة على خلفيّة هذا الواقع الجديد؟ لا شكّ في أنّ الإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن تفتح شهيّة الذاكرة لاستعادة مواقفَ ومشاهدَ قديمةٍ ومتجدّدةٍ، لا يمكن أن تصبّ في مصلحة الرواية الرسميّة الأميركيّة حول "هجمات سبتمبر" بأيّ شكلٍ من الأشكال. فبالإضافة إلى ما تقدّم ذكره عن الخشية من إقدام الولايات المتّحدة على تكرار سيناريو "حادثة لوكربي" مع السعوديّة، نظرًا لأنّ المحامي كريندلر هو نفسه الذي كان قد كسب ضدّ ليبيا معركة التعويضات لعائلات ضحايا تفجير طائرة الـ "بان أميركان" فوق سكوتلاندا، ثمّة ما يُغري اليوم بالعودة إلى ما جاء على لسان الأكاديميّ في جامعة العلوم العسكريّة الألمانيّة أوغست براديتو، عندما قال في مقابلةٍ نشرتها صحيفة "دي فيلت" اليوميّة بتاريخ التاسع عشر من أيلول عام 2001: "إنّ عمليّةً بحجم ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر ما كان لها أن تتمّ من دون مساهمةٍ فاعلةٍ من وكالةِ استخباراتٍ بالغةِ التطوّر والتقدّم في بلدٍ قد يكون هدفه جرّ حلف شماليّ الأطلسيّ إلى حربٍ ضدّ العالم الإسلاميّ"! على هذا الأساس، يصبح من السهل إدراك الأبعاد الحقيقيّة لفحوى تصريحات المتحدّث باسم البيت الأبيض جوش إرنست حول الموافقة على القانون الجديد الذي لا يختلف اثنان من العاقلين على أنّه يستهدف ابتزاز السعوديّة في هذه الأوقات الصعبة، وخصوصًا لدى إشارته إلى أنّ الرئيس أوباما "يشعر بمخاوفَ جدّيّةٍ من أنّ هذا التشريع من شأنه تعريض الولايات المتحدة للخطر في نظام المحاكم الأخرى في مختلف أنحاء العالم"، وهو ما تحدّث عنه أيضًا مدير وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة جون برينان وغيره من المسؤولين الأميركيّين، وكأنّهم أرادوا التعبير بهذا الكلام عن الخشية من أنّ السحر غالبًا ما ينقلب بشدّةٍ في نهاية المطاف على صنّاع تعاويذه الشرّيرة وطلاسمه المبهمة، عاجلًا أم آجلًا، ومهما طال الزمن! وهنا تبرز أهميّة إقدام القيادة السعوديّة على التسلّح بما يمكن أن يتيسّر أمامها من هوامشَ للمناورة، على غرار ما ذكرته مثلًا صحيفة الـ "برافدا" الروسيّة في عددها الصادر بتاريخ السابع من شباط (فبراير) العام الماضي، عن أنّ الرئيس فلاديمير بوتين يعتزم إطلاق ما لديه من أدلّةٍ تثبت تورّط السلطات الأميركيّة، بمن فيها وكالة المخابرات المركزيّة، في هجمات الحادي عشر من سبتمبر على كلٍّ من برجيْ مركز التجارة العالميّ في نيويورك ومقرّ وزارة الدفاع في واشنطن، عن طريق نشر ما بحوزة السلطات الروسيّة من صور الأقمار الصناعية التي تمّ التقاطها في ذلك اليوم التاريخيّ الرهيب. ومّما لا شكّ فيه هو أنّ الاستثمار في مثل هذا الهامش الهامّ سوف يُصيب، ولن يَخيب.. والخير من وراء القصد. جمال دملج - كاتب متخصّص في الشؤون الروسيّة
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك