Advertisement

صحافة أجنبية

مئة عام من الهواجس

Lebanon 24
21-01-2017 | 20:12
A-
A+
Doc-P-260221-6367055047308572241280x960.jpg
Doc-P-260221-6367055047308572241280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
«الهواجس»، عبارة كـأنها باتت من صُلب المصطلحات الفكرية والسياسية والاجتماعية والطائفية السائدة. دائماً وعلى امتداد الصراعات التي صنعتها الوصايات والاحتلالات على امتداد نصف قرن، كانت هذه العبارة تفسّر حالات «ذهانية» أو نفسية، تقارب أحياناً الأمراض النفسية أو الحالات الشيزوفرانية، تنتقل كالعدوى، على ألسنة السياسيين، وحتى المحللين والصحافيين والناس، من طرف إلى طرف. كأنها تأتي قبل أو بعد مواقف «أبوكاليبسية» تبشر بنهاية هذه الطائفة أو تلك. وهذا ما يحيلنا على مختلف الأدوار التي لعبتها الأطراف على بعضها، متكئة على وجود ما هو أكبر منها. نتذكر انه في السبعينات، وتحديداً في منتصفاتها، جرت محاولات (أو هكذا بدا) ومن ضمن وقائع الفرقاء المتصارعة، لقلب الأمور أو لنزع مواقع، من هذه الطائفة أو تلك، اعتبرت مصيرية في دوافعها وانقلابية في تغيير أدوارها... فكان للأحزاب المسيحية أن تجهر بهواجسها «الوجودية» ازاء ما رأت انه يتهدد من تُمثل: نزع «الامتيازات! (وإن وهمية أو اجرائية) منها، هاجس العودة إلى ما قبل الاستقلال، وتوزيع المناصب والأدوار ورد الفعل، جاء ممن اصطفوا وراء منظمة التحرير فركبوا وجودها المسلح لتغيير المعادلات «الميثاقية» أو الدستورية: الأحزاب المسيحية اطلقت أبواق الخطر على الوجود المسيحي، مقابل ما كانت تستخدمه القوى الداخلية الأخرى، لنيل «حقوقها«... هنا تتضارب «الهواجس» من طرف يخشى أن تقتلع منه أدواره المرسومة، وآخر يسعى إلى التعويض عن حرمانه، وافتئات وجوده. انها المخاوف التاريخية تتفجر وتتهافت وتحطم كل ما بُني في لبنان على امتداد عقود طويلة. سموها هنا «المارونية السياسية» المهيمنة على مفاصل الدولة. وهناك الحقوق المشروعة المذهبية لاسترداد ما فقدته. هنا بالذات، ومن خلال هذه الفجوات أو «الجروح» كان لهذه الهواجس ان تكون ممراً، لقوى خارجية، تدعي حماية هذا الطرف أو ذاك. ولاعبو الهواجس كانوا آنئذ، وفي تلك الفترات المترجرجة، وجود المقاومة الفلسطينية ثم النظام السوري...فإسرائيل، وأخيراً ما يسمى «الشيعية السياسية«. فمن قلب الصراعات (سواء افتعلت أو تنامت بطبائعها وغرائزها) تسلل من كان له ان يتسلل ويبلور معاني «الهاجس» على قياس مصالحه وهنا، ومن هذه المواجهات السياسية – المذهبية، دمرت الدولة والجيش، والحدود والمؤسسات وانقلب الجميع على الجميع؛ وتفتتت الأرض والأمكنة والأزمنة، فطٌيّفت ومُذهبت بين شوارع وأزقة وطنية او انعزالية... الغاء كل ما يمت إلى التاريخ والجغرافيا والشرعية. الكل، تحت وطأة هذه «الهواجس» وجد من يُعينه على «غلبة» الآخر. الكل ضد الكل. ليشرعن التقسيم والقتل على الهوية وليطالب بمن يشاء للمحافظة على مؤسساته أو للمطالبة بحقوقه الفئوية... خراب «الهواجس» المصيرية وغياب أدنى حدود الانتماء إلى «الكل» و»المجموع» واختيار الجزء. وكل جزء بات شعباً مستقلاً لغيره الخارجي حتى بات لبنان بابل اللاعبين من كل الجهات: لا لبنان إذاً. حلت هواجس الجزء محل لقاء الكل: معارك مصير أو «يا قاتل او مقتول» معارك الناس والموت المجاني والدمار الذاتي والانتحار الجماعي. ذلك أن الهاجس مسألة تتحول فيها المعطيات من عقلانية إلى غريزية. فالخوف يعطب العقول ويفتح الأذهان على ما يُطيحها والتوازن على ما يحطمه. [ الجلجلة وهكذا كان لهذا المصطلح ان يرافقنا على طول الجلجلة التي عشنا ونعيش منذ ما يقارب نصف القرن. انها لحظات الضعف والهشاشة مفاتيح هذه الأزمات وأشكالها وتراكماتها ونوافلها ومزاربها... فعندما لاذ هذا الفريق بالمقاومة الفلسطينية فليبدد «هواجسه» القديمة، وعندما تقدم نظام حافظ الأسد لإنقاذ المسيحيين (نتذكر خطبته الشهيرة)، فلكي يجد، تحت هول الهواجس، موطئاً للدخول إلى لبنان. تصادمت التبعيات والوصايات لتفتح الدرب، إلى أطراف خارجية أخرى كالقذافي وصدام حسين وسواهم ليعثروا على مواقع يصفون فيها حساباتهم وصراعاتهم مع بعضهم... وهنا كان لإسرائيل ان تنخرط في لعبة البدائل والاستعارات: غزو لبنان «لإنقاذ« المسيحيين من هواجسهم ورد «حقوقهم» ولهذا سماه بعضهم «جيش الإنقاذ» ... وصار للبنان مطارح لم تعد له: «حراس التقسيم» إلى درجة كاد لبنان يفقد اسمه ولقبه لتتصدر بدله «شعوب» مذهبية، لكل منها كانتونه. فدرجت مجازات «الهواجس» واستُنسبت، فبات كل فريق شعباً بأمه وأبيه: الشعب الماروني، الشعب السني، الشعب الدرزي...» الشعب الوطني» الشعب «الانعزالي» ، «الشعب المقاوم»، «الشعب العميل»... افترق الشعب إلى منصات وادارات مدنية، وجيوش خاصة... وتهجير ونزوح، وتدمير مدن... فليدمر كل فريق «أرض الآخر» وهكذا تتأمن شروط التخلص من «الهواجس»... كأنما صار القتل والتهجير والتخريب نوعاً من التطهير «النفسي»... وصولاً إلى التطهير العرقي... [ المسميات لكن الأدوار بحكم اللاعبين تتغير ومعها «الهويات» و»المسميات» والنزاعات والألقاب والمفارقات وعندما كان للنظام السوري ان يثبت وصايته عمد إلى اللعبة القديمة، تغيير المواصفات، وتفسيخ العلاقات والوشائج ليكتسب شرعية وجود: انقاذ لبنان من هواجس ابنائه.. وانهاء الحرب وتبديل التحالفات. وانتقلت الهواجس كالهواء مع أفرقاء آخرين: الموارنة والسنة. صاروا، ضمن «استراتيجية» حافظ الأسد على مدارات مهمة، لاغية، منفية: أي تأسيس «هواجس» بين طرفين تصارعا باسمهما. وتغيير المعادلات يعني تغذية الهواجس وقضاياها ورغائبها المفقودة. اسرائيل في الجنوب، والوصاية السورية في البقية: احتلالان على أرض واحدة. ومن هنا نزوح نحو الهجرة أو الرفض، أو خسارة الرهان... لكن إذا كانت المقاومة الفلسطينية لها مداها «العربي» (ليبيا، العراق) فحافظ الأسد له مداه (بعد الغزو الصهيوني) اسرائيل: كماشة معدنية تطبق من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. لكن لعبة التراكم لا بد من أن تكون مفتوحة: فها هي إيران «بمقاومتها» المذهبية الخاصة تريد دوراً بتبديد «هواجس» الشيعة، وترسيخ دورها بهم. لا مقاومة وطنية إذاً، ولا مقاومة فلسطينية. ولا مقاومة «أصحاب امتيازات» ولا مقاومة مظلومين: هناك معادلات جديدة تقوم على نقل قرار الحرب والسلم من يد المنظمة الفلسطينية (فتح لاند) إلى إيران وسوريا في الجنوب اللبناني. ذهبت المقاومات «القديمة» (عروبية – علمانية) وحلت محلها مقاومة مذهبية صرف. صافية بمكوناتها كما هي إيران والنظام السوري... وعلى امتداد هذه المراحل كان للهواجس ان تُغيّر سُحنها ووجوهها. فالأطراف الطازجة أحلت «هواجسها» بالهيمنة والسيطرة تعويضاً عن «تهميشها» التاريخي، لكن هذا خلق هواجس أخرى عند الجميع وتحديداً عند الأحزاب والحركات والمقاومات الطائفية: تحت شعار نما وترعرع ونضج: تحويل الصراع بين السنة والشيعة ولهذا امتداداته العربية وابعد منها.. من «مورنة» لبنان، إلى «اسلمته» فإلى «شيعنته» لتمثل الرؤوس التي ركبت «الهواجس» المصنوعة، أو المتفجرة على امتداد الحروب. اليوم، حزب الله المقاوم (السابق) يتجاوز هموم اقرانه الطائفيين، من مطالب (هواجس) محددة، داخلية، إلى ما هو أعم وأشمل: الطموح إلى السيطرة على كل لبنان، ليكون ممراً لإيران، وقاعدة لها تنطلق منها لمحاربة الدول العربية وشعوبها. لتنتقل الهواجس وتتضاعف إلى خارج البلد: إلى سوريا، العراق، اليمن، البحرين، وحتى السعودية والخليج. و»الهواجس» التي كان يُفصّلها اللبنانيون على مقاساتهم غزت العالم العربي: صارت إيران هاجسهم لتبتكر إيران هاجساً مضاداً بالسيطرة والتخريب والتدمير، أي كل ما حلمت به اسرائيل بفعله في المنطقة: من «إسرائيل الكبرى» إلى «الهلال الصهيوني»: لقاء المَصَبّين، لم تعدُ اسرائيل هاجس العرب وحدها بل إيران، ثم، وفي الحرب السورية روسيا أيضاً. فرهانات «الهواجس» يكابدها العرب وتستمرئها إيران.... [ لعبة الحزب... وإذا عدنا إلى لبنان «حزب الله» وسلاحه نجد أن هذا الأخير يلعب في بلده لعبة إيران + اسرائيل في العالم العربي: انقلاب عنيف، أو تحويل بطيء لتغيير النظام. ومن الطبيعي، هنا، أن تنبعث كل الهواجس القديمة عند الأطراف اللبنانية المعارضة، والديموقراطية والسيادية والاستقلالية. فها هي تنضم إلى هواجس «عروبتها» ولبنانيتها، أي ما فرقها في السابق. لكن اللعبة في هذا البلد، كأنها باتت ثانوية ازاء ما تشهده المنطقة من حروب، ومن ظواهر أصولية وارهابية وتحولات فكرية وسياسية... لم يعد لبنان «أولوية» في أجندة العالم لكن متروك لمصيره تحت يافطة حمايته مما يجري حوله تحت «مظلة» دولية. فليترك هكذا في انتظار غودو. و»غودو» هو «حزب الله« الذي حمل سلاحه المذهبي وراح يجاهد لحماية مقام السيدة زينب في سوريا. فغرق في الوحول والدماء والهزيمة. و»غودو» الجدير بأحلامه «الاستعمارية» ها هو يستفرس البلد: ميليشياته أقوى من الدولة. دويلته اغنى من الدولة. تمدده يتسلل إلى المراكز السياسية والوظيفية الأساسية، سيادته الخارجية الإيرانية تصوب على كل ما هو سني عربي، وكل ما هو دستوري وبرلماني وحكومي.. وسياسي في لبنان. فالدولة مأسورة والكانتون حر يحاول أن يرسم حتى سياسة لبنان الخارجية، ويمارس نوعاً من الارهاب الاعلامي والمادي والغزو على الطريقة الشارونية (7 أيار). اذاً بات معظم اللبنانيين يعيشون هاجس هذه الهيمنة وتأثيرها على الحياة الديموقراطية والاقتصادية والسياسية بأهدافها الجماعية والنقابية والحزبية. هنا بالتحديد تبلور أكثر فأكثر مصطلح الهاجس في بلد صغير: طاول كل مسألة ثانوية أو مصيرية حتى صار اللبناني كائناً مهجوساً يتطير من كل تغيير ويأمل بكل تحول ويعاني مراتب عديدة من الهواجس: من الأزمة الاقتصادية وهل تصمد الليرة أم تنهار؟ ازمة البطالة التي باتت الهجرة مخرجاً للشباب ومسألة السياحة التي خربها «حزب الله« بتخريب علاقة لبنان بالعرب ودول الخليج والعالم. وحتى أزمة الكهرباء صارت هاجساً وصولاً إلى «علة» المياه وانقطاعها وتقنينها وتلوث البيئة والمجاري وصولاً إلى النفايات، والأمن والفساد الحكومي والوظيفي... [ المهجوسون صرنا نعيش بامتياز كل انواع «الهواجس»: صرنا «مهجوسين» بفوبيا هنا، او بشيزوفرانيا هناك، أو بعجز هنالك او بغضب، أو بمظاهرات، أو بتجمعات. أهي مترتبات اليأس: ربما؟ الخوف؟ ربما عدم الثقة؟ وها هو قانون الانتخابات يتوّج هذه المشاعر. موسم جديد من الوساوس «المصيرية» الكل يريد تغييره والكل خائف من عدم تغييره. وبدلاً من ان يكون خطوة لتجديد الديموقراطية والحياة السياسية، ها هو يصبح هاجساً. فالقانون النسبي «هاجس» بعض الأقليات والأكثري هاجس والأرثوذكسي أكثر من هاجس. ولبنان دائرة واحدة: هاجس التوتاليتارية وقانون «الستين» يلعنه الجميع... ليعيدوه إلى الواجهة. لعبة المصير تعود إلى الأذهان، ككل مناسبة.. واذا حذف وتم اختيار قانون ما؛ فان هواجس أخرى تنتظرنا: هل ستجري الانتخابات في موعدها؟ واذا جرت كيف ستتألف الحكومة؟ وما مصير سلاح حزب الله وكانتونه ووجوده المسلح العدواني في سوريا؟ انها النغمة التي عرفناها على طول السنوات الفائتة: هل سينتخب رئيس للجمهورية أم سيبقى الفراغ. هل ستتألف حكومة، أم يجرجر تأليفها.. سنوات! وننتظر أيضاً «هواجس» أخرى لا تقل اهمية تتراوح بين أزمات الداخل وما يجري في الخارج بأحاسيس «موسوسة» خائفة: ماذا لو ربح بشار الأسد وإيران وهل سيرتدان على لبنان وماذا سيفعل بوتين وماذا سيكون اثر ما يفعل علينا؟ وماذا يعني لنا إذا قام حلف بين بوتين وترامب وما ارتداداته علينا؟ ماذا اذا فاز اليمين المتطرف المؤيد لبشار الأسد وترامب في فرنسا؟ ماذا ستفعل ايران اذا انتزعت منها «مكاسب» غزوها سوريا فهل ستستفرد لبنان تعويضاً لها عن سوريا... أو العراق؟ ماذا ستفعل بالنازحين السوريين اذا عرقل بشار الأسد عودتهم إلى بلادهم. فنحن بلاد بات محكوماً علينا ان ترافقنا «الهواجس» من كل نوع ورتبة. ليس فقط في هذا القرن بل من القرن التاسع عشر وتحديداً من تواريخ مثل 1860... مئة عام من «الهواجس» المكدسة على عقولنا ونفوسنا وأجسادنا ووطننا. مئة عام من الاحتلالات والانتدابات والوصايات وما تنتجه من خراب ومخاوف وذل... وحروب! مع هذا هناك من يسأل: لماذا بات «الهاجس» طبيعة ثانية وثالثة ورابعة في لبنان؟ إسألوا التاريخ! (بول شاوول - المستقبل)
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك