Advertisement

مقالات لبنان24

مؤتمر ميونيخ: عيون الأوروبيّين على ترامب.. وقلوبهم مع بوتين!

جمال دملج

|
Lebanon 24
20-02-2017 | 01:35
A-
A+
Doc-P-273709-6367055140266017581280x960.jpg
Doc-P-273709-6367055140266017581280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
يبدو أنّ الرسائل التطمينيّة التي حملها نائب الرئيس الأميركيّ مايكل بنس في جعبته إلى مؤتمر ميونيخ للأمن والسياسات الدفاعيّة لم تسفر عن تحقيق الأهداف المرجوّة منها في مجال تبديد المخاوف الراهنة حيال مستقبل الشراكة التاريخيّة بين الولايات المتّحدة وبقيّة الدول الغربيّة المنضوية تحت لواء حلف شماليّ الأطلسيّ، ولا سيّما أنّ أصداء الموقف الشهير الذي عبّر عنه الرئيس دونالد ترامب لدى وصفه الناتو بأنّه "تحالفٌ عفا عليه الزمن" بقيت ماثلةً في الأذهان، ولدرجةٍ دفعت رئيس لجنة الشؤون الخارجيّة في البرلمان الأوروبيّ إلمار بروك إلى عدم التردّد في القول بتهكّمٍ ما مفاده إنّ بإمكان المسؤولين الأميركيّين "المجيء إلى هنا والحديث عن أهمّيّة العلاقات عبر (ضفّتيْ المحيط) الأطلسيّ وعن حلف الناتو، وهذا أمر جيّد، ولكنّنا لا نعرف ما الذي سيُنشَر على تويتر صباح الغد"، وذلك في إشارةٍ إلى ولع الرئيس ترامب بإصدار البيانات السياسيّة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، الأمر الذي يعني في المحصّلة النهائيّة، وبكلّ بساطةٍ، أنّ كافّة التأكيدات التي وردت في خطاب بنس حول التزام بلاده بدورها التقليديّ مع شركائها الغربيّين في إطار حلف الناتو، لم تكن كافيةً لإقناع غالبيّة المؤتمرين في ميونيخ بجدّيّة فحواها، وخصوصًا لدى تشديده على ما حرفيّته: "إنّ وعد الرئيس ترامب هو أنّنا سنقف بجانب أوروبا، اليوم وكلّ يوم، لأنّنا مرتبطون بنفس المثل العليا، الحرّيّة والديمقراطيّة والحقّ وسيادة القانون، ولدينا ماضٍ مشتركٌ وسيكون لدينا مستقبلٌ مشتركٌ، والولايات المتّحدة تريد صداقةً مع أوروبا ومع كافّة الأمم التي تحمّلت الكثير من أجل تحالفنا"، على حدّ تعبيره. وإذا كانت ردود الأفعال الأوّليّة على خطاب نائب الرئيس الأميركيّ قد أجمعت على اعتبار أنّ "ما سمعناه ليس مطَمئنًا، ولا توجد رؤية واضحة للكيفيّة التي سنعمل بها معًا في المستقبل"، حسب ما جاء على لسان الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجيّة في البرلمان الألمانيّ روبرخت بولنز، فإنّ ذلك لا بدّ من أن يشكّل دليلًا قاطعًا على فشل أوّل زيارةٍ رسميّةٍ يقوم بها أرفع مسؤولٍ أميركيٍّ في إدارة الرئيس ترامب لأوروبا، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ العديد من السياسيّين والديبلوماسيّين والمحلّلين الأوروبيّين المشاركين في فعاليّات المؤتمر، كانوا قد أجمعوا بدورهم على أنّه "إذا كانت هذه الزيارات تهدف إلى طمأنة أوروبا بأنّ أسس السياسة الخارجيّة الأميركيّة ما زالت كما هي، فإنّ هذه الزيارات لم تحقّق الهدف المنشود منها". وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى نقطةٍ قد تكون بالغة الأهميّة لإدراك السرّ الكامن وراء توفير هذا الإجماع غير المسبوق في النظرة الأوروبيّة المشترَكة حيال المخطّطات الأميركيّة المرتقبة في قارّتهم العجوز، وتتمثّل في أنّ تزامُن انعقاد الدورة الثالثة والخمسين لمؤتمر ميونيخ للأمن والسياسات الدفاعيّة على مدى الأيّام الثلاثة الماضية مع مرور أقلّ من أسبوعٍ على انتخاب مرشّح الحزب الاشتراكيّ الديمقراطيّ فرانك فالتر شتاينماير رئيسًا لألمانيا، يشي بأنّ ثمّة تحوّلاتٍ جذريّةً أصبحت على وشك تحديدِ نهجٍ جديدٍ لمسار العلاقات الثنائيّة بين بون وواشنطن، بما يضمن إعادة المياه إلى مجاريها بين بون وموسكو، ولا سيّما أنّ الرئيس المنتخَب يوم الأحد الماضي (12 شباط) هو الذي كان وراء فكرةِ تشكيلِ حلفٍ ألمانيٍّ – فرنسيٍّ – روسيٍّ لمواجهة تداعيات الحرب الأميركيّة – البريطانيّة على الإرهاب في أفغانستان عام 2001، ومن ثمّ على "أسلحة الدمار الشامل" في العراق عام 2003. وعلى رغم أنّ سدّة الرئاسة في ألمانيا تعتبر منصبًا شرفيًّا يُلزم من يشغله بممارسة مهامّه بعيدًا عن أيّ شكلٍ من أشكال التحيّز الحزبيّ، فإنّ انتخاب شتاينماير بأغلبيّةِ تسعمئةٍ وواحدٍ وثلاثين صوتًا من أصل ألفٍ ومئتين وتسعةٍ وثلاثين، بعدما حظي بتأييد كلٍّ من الحزب المسيحيّ الديمقراطيّ الذي تتزعّمه المستشارة أنجيلا ميركل وحزبيْ الخضر والديمقراطيّ الحرّ المعارضيْن، يشي بأنّ هذا المنصب الشرفيّ اكتسب للتوّ قيمةً مضافةً، ليس لأنّ الرئيس الجديد هو أحد أكثر الشخصيّات السياسيّة تمايزًا من حيث ارتفاع نسبة شعبيّته في الشارع المحلّيّ الألمانيّ وحسب، وإنّما لأنّ براغماتيّته المعروفة في طريقة تعاطيه مع الأزمات الدوليّة أثناء تولّيه حقيبة وزارة الخارجيّة، سواءٌ في حكومة المستشارة الحاليّة أم في حكومة سلفها غيرهارد شرودر، غالبًا ما ظلّت تشكّل صمّامَ أمانٍ لبلاده، وخصوصًا في أزمنة التحوّلات العالميّة الكبرى التي شهدتها سنوات القرن الحادي والعشرين. وإذا كانت تجلّيات هذه البراغماتيّة قد ظهرت في الأساس مع بداية الألفيّة الثالثة قبل سبعة عشر عامًا، إثر تسلّم الرئيس فلاديمير بوتين مقاليد الحكم في قصر الكرملين، فإنّ العمل على تشكيل الحلف الألمانيّ – الفرنسيّ – الروسيّ المذكور كان من دون أدنى شكٍّ أحدَ أبرزِ تجلّياتها، ليس لأنّه جاء تماشيًا مع دعوة الرئيس بوتين إلى إقامةِ عالمٍ متعدِّد الأقطاب وحسب، وإنّما لأنّ القمّة الثلاثيّة الشهيرة التي جمعت بين كلٍّ من الرئيسين بوتين وجاك شيراك والمستشار شرودر في مدينة سان بطرسبورغ يوم الثاني عشر من شهر نيسان عام 2003 كادت أن تؤدّي بالفعل إلى الحيلولة دون غزو العراق، لو لم يعتذر الأمين العامّ السابق للأمم المتّحدة كوفي عنان في اللحظة الأخيرة عن المشاركة فيها، الأمر الذي فُسِّر في حينه على أنّه "تقاعسٌ أمميٌّ" أفسح في المجال أمام إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لكي تضرب بالشرعيّة الدوليّة عرض الحائط، وبالتالي لكي تنفِّذ مخطّطاتها في بلاد الرافدين. على هذا الأساس، يصبح في الإمكان التسليم قطعًا بأنّ الرئيس شتاينماير حول أحد دعاة الانفتاح على روسيا في عهدها البوتينيّ من دون منازعٍ، الأمر الذي لا بدّ من أن يتأكّد بوضوحٍ إذا ما تَذكّرنا صلابته المعهودة في الإصرار على إبقاء الحوار معها مفتوحًا، حتّى في ظلّ العقوبات الأوروبيّة التي فُرضت عليها إثر اندلاع الأزمة الأوكرانيّة عام 2014. صلابةٌ.. سرعان ما أثبتت صوابيّتها بعدما قال شتاينماير نفسه في وقتٍ سابقٍ من العام الحاليّ "إنّ روسيا أثبتت بجدارةٍ واحترامٍ مكانتها على الساحة الدوليّة"، الأمر الذي لا بدّ من أن يعني الكثير في الأجندات الأوروبيّة، وخصوصًا في هذه الأوقات العصيبة التي يعيشها العالم على إيقاع مواقف ترامب البهلوانيّة وتغريداته العشوائيّة.. وعسى أن يعني أيّ شيءٍ أيضًا في هذا العالم العربيّ. (جمال دملج - كاتب متخصّص في الشؤون الروسيّة)
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك