Advertisement

مقالات لبنان24

هولوكست ترامب.. ومحارق الشعبويّة الأميركيّة الجديدة!

جمال دملج

|
Lebanon 24
23-02-2017 | 11:32
A-
A+
Doc-P-275380-6367055152360000561280x960.jpg
Doc-P-275380-6367055152360000561280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
إذا كان من المقدَّر للأميركيّين أن يصمتوا أمام قضيّة السيّدة غوادالوب غارسيا دي رويس التي تمّ فصلها مؤخّرًا عن ابنتيها المراهقتين وترحيلها من أريزونا إلى المكسيك بسبب قيامها باستخدام رقم ضمانٍ اجتماعيٍّ مزوّرٍ لكي تتمكّن من الحصول على عملٍ تكسب رزقها منه، تمامًا مثلما صمتوا عام 2008 أمام قضيّة عدم ترحيل عمّة الرئيس السابق باراك أوباما من بوسطن إلى كينيا بسبب إقامتها بشكلٍ مخالِفٍ لقوانين الهجرة في الولايات المتّحدة، فإنّ ذلك لا بدّ من أن يكشف حجم المعايير المزدوَجة الذي جرت العادة على أن يستبدّ بسلوكهم لدى التعاطي مع المسائل المتعلِّقة بتطبيق نُظُمهم القيميّة التي لا يكفّون عن الترويج لها تحت راية "الحلم الأميركيّ"، وبالتالي، فإنّه لا بدّ من أن يؤشّر أيضًا على أنّ الرئيس دونالد ترامب عازمٌ على المضيّ قدُمًا حتّى نهاية الشوط في تنفيذ سياساته المتّسمة بالعنصريّة ضدّ المهاجرين الأجانب، من دون مراعاة ما قد ينجم عنها من حالاتٍ إنسانيّةٍ مؤلمةٍ، مثل التسبّب بتشتيت عائلاتٍ بأكملها، على غرار ما حدث في حالة السيّدة دي رويس الآنفة الذكر. لا شكّ في أنّ خططَ التهجير القسريّ الموضوعةَ في أجندة الرئيس ترامب للمرحلة المقبلة ما زالت تُنذر يومًا بعد يومٍ بعواقبَ وخيمةٍ من شأنها الارتدادُ على أصحابها وتهديدُ الاستقرار العالميّ في آنٍ معًا، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الإجراءات المتعلِّقة بضبط الهجرة والحدّ منها لم تعد مقتصرةً على استهداف المكسيكيّين عن طريق ترحيلهم وبناء جدارٍ فاصلٍ على طول حدودهم مع الولايات المتّحدة وحسب، بل طالت أيضًا رعايا سبع دولٍ مسلمةٍ، أو ذاتِ غالبيّةٍ سكّانيّةٍ إسلاميّةٍ، بحجّة مكافحة الإرهاب، على رغم أنّ القاصي والداني يدرك تمام الإدراك أنّ أسباب تفاقم مشكلة الهجرة المكسيكيّة لا تعود إلى تدفّق هؤلاء المهاجرين بقدر ما تعود إلى جشع أصحاب رؤوس الأموال الأميركيّين الذين راحوا يشجّعونهم على الهجرة ويستغلّونهم في إطار ما يُعرف بـظاهرة العمالة الرخيصة المجرَّدة من أيّ حقوقٍ قانونيّةٍ، تمامًا مثلما هو الحال عليه في أسباب تفاقم مشكلة الإرهاب الإسلاميّ التي لم يكن ليُقدَّر لها بلوغ هذا الحدّ من الخطورة لولا قيام الإدارات الأميركيّة المتعاقبة على البيت الأبيض بافتعالها وتسويقها منذ سبعينيّات القرن الماضي ولغاية اليوم، وذلك تحت تأثيرات بارانويا العداء للشيوعيّة الإلحاديّة التي يُفترض أن ينطبق عليها، إسلاميًّا، نظام حدّ السيف، الأمر الذي يعني في المحصّلة النهائيّة، وبكلّ بساطةٍ، أنّ المشكلتين نجمتا في الأساس عن سوء تصرّفٍ وتقديرٍ في الأداء الرسميّ الأميركيّ، علمًا أنّ الفارق الوحيد بين الحالتين المكسيكيّة والإسلاميّة يتمثّل في أنّ الفقر وحده هو الذي ساهم في استدراج المكسيكيّين إلى فخّ الجشع الأميركيّ، بينما الفقر والجهل اجتمعا معًا لاستدراج الإسلاميّين إلى شِراك ذلك الفخّ. الدرس الفيتناميّ! في هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أبناء جيلي ممّن قُدِّر لهم الاحتكاك بشكلٍ مباشِرٍ مع عشرات المستشرقين الشيوعيّين الفيتناميّين يعرفون تمام المعرفة أنّ الجُمَل المفيدة التي جرت العادة على أن تُجسِّد الفعل والفاعل والمفعول به في المناهج المخصَّصة للراغبين منهم في تعلّم اللغة العربيّة، خلال العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين، غالبًا ما كانت تقوم إمّا على: "قَتَلَ الفيتناميُّ أميركيًّا"، وإمّا على: "قَتَلَ العربيُّ إسرائيليًّا"، وذلك للتعبير عن وهجِ وعنفوانِ زمنٍ ثوريٍّ جميلٍ أوشك اليوم على الانقراض، ولا سيّما أنّ أبناء جيلي يعرفون أيضًا أنّنا نشأنا وتربّينا معًا وفقًا لمناهجَ وقواعدَ تعليميّةٍ لطالما أبقت العلاقة بين الفاعل والمفعول به جامدةً ومحصورةً ضمن نطاق أهل البيت الواحد على شاكلة: "ضَرَبَ زيدٌ عَمْرا"، من دون إفساح المجال أمام الغرباء للدخول على خطّ هذه العلاقة، سواءٌ كانوا من الأصدقاء أم من الأعداء، تيمّنًا بما فعله المستشرقون الفيتناميّون، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الجُمَل المستخدَمة في أدبيّات الخطاب العروبيّ والإسلاميّ في الوقت الراهن، بكافّة أبعادها الاستسلاميّة والاستزلاميّة والانبطاحيّة، لم تعُد غيرَ مفيدةٍ وممنوعةً من الصرف في بازارات الصراع العربيّ – الإسرائيليّ وحسب، بل أصبحت تشبه "دود الخلّ" الذي يكاد ينخر أبجديّة لغة الضاد حتّى الحرف الأخير، تمامًا مثلما يكاد يقلب قواعد هذه اللغة رأسًا على عقب. وإذا كان ما تقدّم لغاية الآن يندرج في سياق المثل القائل: "شرّ البليّة ما يُضحِك"، فإنّ ما يمكن أن يندرج في سياق "المضحِك المبكي" على إيقاعه، يتمثّل في أنّ نزعة الشحن الطائفيّ والمذهبيّ التي تستبدّ بأدبيّات الخطاب العروبيّ والإسلاميّ في الوقت الراهن، هي التي أصبحت تشكّل "دود الخلّ" المتفشّي في جسد هذه الأمّة، وهي التي أفسحت المجال أمام الأصدقاء والأعداء للاصطياد في مياه "ضَرَبَ زيدٌ عَمْرا" العكِرة، وهي التي ما زالت تَحول دون تركيبِ جملةٍ عربيّةٍ – إسلاميّةٍ مفيدةٍ يمكن أن يُصافح فيها زيدٌ عَمْرا، عوضًا عن أن يضربه، بما يضمن إتمامَ المصالحةِ وإعادةَ اللُحمةِ بين أهل البيت الواحد، وبالتالي، بما يؤهّل أهل هذا البيت الواحد للوقوف معًا في وجه الضربات الآتية لا محالة في ضوء نزعات دونالد ترامب الشعبويّة المتهوّرة. الهولوكست الجديدة! على هذا الأساس، يبدو الهامش بين الفاعل والمفعول به في هذه الأيّام أضيق بكثيرٍ قياسًا بما كان عليه الحال في أيّ وقت مضى، ولا سيّما أنّ النماذج التي بدأت تُوضَع في الإعلام الغربيّ لسيناريوهات عمليّات التهجير القسريّ التي يُتوقَّع أن يتعرّض لها العرب والمسلمون، سواءٌ في بلاد العمّ سام أم في بلادهم الأصليّة، تشي بأنّها نماذجُ مستوحاةٌ من سيناريوهات عمليّات تهجير اليهود وإبادتهم على أيدي النازيّين إبان الحرب العالميّة الثانيّة، ولكن من دون محارق هذه المرّة، نظرًا لأنّ الندم يُحرِق أكثر من أيّ فرنٍ في الحالة العربيّة الراهنة. وإذا كان من شأن النهج الشعبويّ الذي يتبنّاه الرئيس ترامب حاليًّا أن يعزّز في المقابل نزعة التطرّف لدى حركات الإسلام السياسيّ في الغرب، بحيث تصبح مجبرةً على الاحتماء بأيديولوجيات جماعاتٍ متشدِّدةٍ هربًا من واقعٍ عدائيٍّ يتحوّل كلّ يومٍ إلى تهديدٍ وجوديٍّ لمعتقداتها، فإنّ الجنوح إلى مثل هذا الخيار هو الذي يشكّل الآن مكمن الفخّ المنصوب لها على الطريق إلى الهولوكست الإسلاميّة المرتقبة.. وربّما التوبة هنا عن خطيئة الإرهاب توازي عند الله تقوى الصلاة إليه.. وما أحوجنا في هذه الأيّام إلى جملةٍ فيتناميّةٍ مفيدةٍ تُكتب بالعربيّة، وتعلّمنا أنّه شتّان ما بين شجاعة الحرب وما بين جُبن الإرهاب، وشتّان ما بين المعايير الموحَّدة وما بين المعايير المزدوَجة، وشتّان ما بين قضيّة السيّدة المكسيكيّة المرحَّلة وما بين قضيّة عمّة أوباما غير المرحَّلة.. والله والخير دائمًا من وراء القصد.
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك