Advertisement

مقالات لبنان24

هجوم لندن الإرهابيّ.. بين التساؤلات وعلامات الاستفهام!

جمال دملج

|
Lebanon 24
23-03-2017 | 12:50
A-
A+
Doc-P-288152-6367055243360509051280x960.jpg
Doc-P-288152-6367055243360509051280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لم يكن مستغربًا أن يتّجه خيار الشرطة البريطانيّة بعد مرور ساعاتٍ قليلةٍ فقط على الهجوم الذي وقع البارحة في منطقة ويستمنستر العريقة في العاصمة لندن صوب مدينة برمينغهام بالتحديد للقيام بأولى عمليّات المداهمة ضدّ أشخاصٍ يُشتبَه في ارتباطهم مع جماعاتٍ إرهابيّةٍ تقطن فيها، ولا سيّما أنّ أبناء الجاليات المسلمة هناك، وإنْ كانت نسبتهم لا تتجاوز العشرين في المئة من إجماليّ عدد السكّان، إلّا أنّهم ظلّوا على مرّ السنوات الطويلة الماضية مثارًا للريبة والشك في أوساط الأجهزة الأمنيّة، الأمر الذي استوجب وضع غالبيّتهم ضمن دوائر المتابعة والتقصّي والرصد، أكثر من غيرهم بكثيرٍ من الرعايا المسلمين الذين يعيشون في مدنٍ ومقاطعاتٍ بريطانيّةٍ أخرى، ولدرجةِ أنّ أوّل وحدةٍ استخباراتيّةٍ متخصّصةٍ في مجال التجسّس على النشاطات الإسلاميّة كانت قد تشكّلت في هذه المدينة، دون سواها، في مطلع تسعينيّات القرن الماضي، أي قبل انتشار ظاهرة ما يُسمّى "الإسلاموفوبيا" على خلفيّة هجمات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتّحدة الأميركيّة بنحو عقدٍ كاملٍ من الزمن. لا شكّ في أنّ أيّ زائرٍ لهذه المدينة لن يحتاج إلى أكثر من نظرةٍ واحدةٍ بالعين المجرَّدة لكي يكتشف كثافة الحضور الإسلاميّ فيها بمجرَّدِ خروجه من محطّة "نيو ستريت" للقطارات، وخصوصًا أنّ أصحاب اللحى الكثيفة والطويلة، ومعظمهم من الآسيويّين والأفارقة والعرب، لا بدّ من أن يصادفونه على مدى اتّجاهات شوارعها المختلفة، الأمر الذي كان من بين تجلّياته المضحكة والمبكية في آنٍ معًا أنّه أدّى ذات يومٍ إلى إطلاق العنان لخيال المحلّل الأميركيّ الشهير ستيفن إيمرسون، وذلك عندما أعلن خلال مقابلةٍ تلفزيونيّةٍ أجرتها معه شبكة "فوكس نيوز" الإخباريّة في شهر كانون الثاني عام 2015 أنّ برمينغهام تحوّلت إلى مدينةٍ إسلاميّةٍ تُطبَّق الشريعة فيها تحت إشراف عناصرَ من قوّات الشرطة "يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، قبل أن يعتذر في وقتٍ لاحقٍ عمّا قاله، جملةً وتفصيلًا، جرّاء حملات الانتقادات اللاذعة والساخرة والمحرِجة التي شنّها البريطانيّون ضدّه على مواقع التواصل الاجتماعيّ. وإذا كان تقديم الاعتذار هو أقلُّ واجبٍ تَحتَّم على إيمرسون القيام به للتكفير عن ذنب ادّعاءاته الباطلة بحقّ البرمينغهاميّين الأصليّين، ولا سيّما أنّ كثافة الحضور الإسلاميّ الآنفة الذكر في تلك المدينة لم تُسفِر في أيّ يومٍ من الأيّام عن إلغاء هويّتها الإنجليزيّة أو الأوروبيّة الصِرفة، سواءٌ من حيث تراثها العمرانيّ أم من حيث حاناتها ومقاهيها ومطاعمها الفرنسيّة والإيطاليّة واليونانيّة الفاخرة، فإنّ ذلك لا يعني بالضرورة عدم وجود خلايا إرهابيّةٍ متطرّفةٍ تستمدّ كلّ ما تحتاج إليه من ملاذاتٍ آمنةٍ خلف ستائر الحضور الإسلاميّ فيها، وإلّا لما كانت الشرطة البريطانيّة قد افتتحت موسم مداهماتها في أعقاب هجوم الأمس الإرهابيّ في منطقة ويستمنستر اللندنيّة من هناك. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء ما تقدَّم حتّى الآن هو: كيف تمكّن المتطرّفون الإرهابيّون يا ترى من التغلغل في أوساط أبناء الجاليات المسلمة في برمينغهام طالما يُفترض أنّ أوّل وحدةٍ استخباراتيّةٍ متخصّصةٍ في مجال التجسّس على نشاطاتهم ما زالت ترصدهم منذ مطلع تسعينيّات القرن الماضي ولغاية يومنا الراهن؟ سؤالٌ.. لا بدّ للإجابة عليه من أن تندرج في سياق ما يُسمّى "التفكير بعقليّة المؤامرة"، وخصوصًا إذا ما أضفنا إليه تساؤلًا آخرَ عن السرّ الكامن وراء تزامُن هجوم الأمس أثناء وجود رئيسة الوزراء البريطانيّة تيريزا ماي داخل مبنى مجلس العموم في لندن مع انعقاد المؤتمر الدوليّ الخاصّ بمكافحة الإرهاب على الضفّة الأخرى من المحيط الأطلسيّ في واشنطن؟ لا شكّ في أنّ لعلاماتِ الاستفهامِ حول هذا السرّ ما يبرّرها، تمامًا مثلما لعلاماتِ الاستفهامِ المرتسمة حول أهداف وأبعاد النسخة الأميركيّة من الحرب على الإرهاب ما يبرّرها أيضًا، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ ثمّة من يذهب على خلفيّة ما تستوجبه إيحاءات "التفكير بعقليّة المؤامرة"، وأنا من بينهم، إلى حدّ التأكيد على أنّ نمط العلاقات التي لا تبدو مستقرّةً في الوقت الحالي بين الولايات المتّحدة وبريطانيا العظمى، هو الذي يحمل في طيّاته الأسئلة والأجوبة على حدٍّ سواء. ولعلّ ما يعزّز صدقيّة هذا التأكيد هو أنّ روسيا التي امتنعت عن المشاركة في مؤتمر واشنطن، لأسبابٍ تتعلّق بتشكيكها المسبَق في نواياه، سارعت إلى التحذير من أنّ قوى الإرهاب أصبحت تتصرّف بوقاحةٍ ودهاءٍ أكثرَ من ذي قبل، موضحةً أنّ "محاربة التهديد الإرهابيّ يتطلّب توحيدًا حقيقيًّا لجهود أعضاء المجتمع الدوليّ"، حسب ما جاء في برقيّة التعزيّة التي أرسلها الرئيس فلاديمير بوتين لرئيسة الوزراء البريطانيّة تيريزا ماي نهار أمس الأربعاء. تحذيرٌ.. وإنْ كان المجتمع الدوليّ قد صمّ آذانه عنه منذ بداية الحرب الروسيّة على الإرهاب في سوريا يوم الثلاثين من شهر أيلول عام 2015، إلّا أنّ أصداءه لا بدّ من أن تواصل تردّداتها، يومًا بعد يومٍ، إلى أن يصل هذا المجتمع الدوليّ إلى مرحلة اليقين. وحتّى ذلك الحين، فإنّ أكثر ما يبدو واضحًا هو أنّ تنظيم "داعش" أعلن مسؤوليّته اليوم بصراحةٍ مطلقةٍ عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل ثلاثةِ أشخاصٍ وإصابة أربعين آخرين بجروحٍ أمام مبنى مجلس العموم البريطانيّ في ويستمنستر، تمامًا مثلما يبدو واضحًا أيضًا أنّ إجرامَ هذا التنظيم ووقاحته ودهاءه لن يتوقّف على طول خارطة العالم وعرضها عند أيّ حدّ، الأمر الذي يعني في سياق ما يعنيه أنّ نموذج مدينة برمينغهام سيبقى عُرضةً للاستنساخ المرّة تلو الأخرى على حساب المسلمين المعتدلين، سواءٌ في القارّة الأوروبيّة أم في غيرها من القارّات، اللهمّ إلّا إذا قدَّر الله يومًا، بقدرته وجلاله، أن ينزاح الخيط الأسود عن الخيط الأبيض عمّن يصنعون الإرهاب ويدّعون محاربته، وعمّن يحاربون الإرهاب حقًّا من أجل الحفاظ على ما تبقّى على هذا الكوكب من مقوّمات الحضارة الإنسانيّة، وخصوصًا في محافظة الرقّة السوريّة في هذه الأيّام.. وهنا يبقى المعنى حتمًا في قلب الشاعر، ويبقى الخير دائمًا من وراء القصد!
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك