Advertisement

مقالات لبنان24

احتجاجاتُ المعارضة الروسيّة.. بالوناتُ اختبارٍ أم كراتُ ثلج؟

جمال دملج

|
Lebanon 24
28-03-2017 | 03:11
A-
A+
Doc-P-289971-6367055256366421761280x960.jpg
Doc-P-289971-6367055256366421761280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
وكأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة اعتادت على أن تتعامل مع روسيا على طريقة "حليمة التي تعُود دائمًا إلى ممارسة عادتها القديمة"، بغضّ النظر عمّا إذا كانت هويّة إدارتها السياسيّة ديمقراطيّةً أو جمهوريّةً صِرفةً على غرار كافّة الإدارات السابقة، أم إذا كانت لا هويّةَ تقليديّةً محدَّدةً لها على شاكلة إدارة الرئيس دونالد ترامب الحاليّة، الأمر الذي تجلّى البارحة بوضوحٍ في سياق ما أدلى به السكرتير الصحافيّ للبيت الأبيض شون سبايسر من تصريحاتٍ حول حركة الاحتجاجات الشعبيّة المناوئة للفساد التي شهدتها شوارع العاصمة موسكو وغيرها من مدن الشرق الروسيّ نهار أوّل من أمس الأحد، وخصوصًا عندما قال إنّ بلاده "تدين بشدّةٍ عمليّات اعتقال مئات المتظاهرين السلميّين في مختلف أنحاء روسيا"، واصفًا إجراءات القمع بأنّها "إهانة للقيم الديمقراطيّة الأساسيّة"، ومشدِّدًا على أنّ "الناس في كلّ مكانٍ يستحقّون حكوماتٍ تعمل بشفافيّةٍ وتخضع للمساءلة"، فضلًا عن "القدرة على ممارسة حقوقهم من دون خوفٍ من التعرّض للانتقام"، وهي التصريحات التي تبدو كافيةً في الوقت الحاليّ لكي تقطع ما بين الشكّ وما بين اليقين في مجال الدلالة على أنّ الآمال المعلَّقة على ما سُمِّي بـ "شهر العسل الموعود" بين واشنطن وموسكو تكاد تذهب أدراج الرياح. لا شكّ في أنّ حركة الاحتجاجات التي كان عضو مجلس تنسيق المعارضة الروسيّة أليكسي نافالني قد دعا أنصاره للقيام بها على خلفيّة ما أُشيع عن ضلوع رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف بالإشراف على "امبراطوريّةٍ عقاريّةٍ" عبر شبكةٍ من المنظّمات غير الحكوميّة لم تكن أكثر أو أقلّ من هديّةٍ هبطت من السماء على الليبراليّين الأميركيّين الذين لا يزالون يرفضون بشدّةٍ مبدأ التسليم بأفكار الرئيس ترامب المتعلِّقة بضرورة الانفتاح على روسيا، تمامًا مثلما كان نبأ إلقاءِ القبض على نافالني وإصدارِ حكمٍ بحقّه بالسجن لمدّة خمسة عشر يومًا بمثابةِ هديّةٍ إضافيّةٍ لأولئك الليبراليّين من السماء أيضًا، ولا سيّما أنّ الشواهد التاريخيّة أثبتت خلال السنوات السبع عشرة الماضية أنّهم لم يفوّتوا أيّ فرصةٍ سانحةٍ في مجال ممارسة طقوس "الحرتقة" على إدارة الرئيس فلاديمير بوتين، بما تقتضيه أصول الدعاية الإعلاميّة الموجَّهة في الحروب الباردة والساخنة على حدٍّ سواء، الأمر الذي يبدو أنّه يتكرّر للتوّ على إيقاع تصريحات شون سبايسر الأخيرة. وإذا كان المتحدّث الرئاسيّ الروسيّ ديمتري بيسكوف قد حاول الالتفاف على تلك التصريحات الأميركيّة عن طريق إعادة تدوير الاسطوانة التقليديّة القائلة بأنّ "الكرملين يحترم المواطَنةَ والحقَّ في التعبير ما عدا أولئك الذين يرتكبون أفعالًا غيرَ قانونيّةٍ"، وذلك في إشارةٍ إلى أنّ تظاهراتِ يوم الأحد الاحتجاجيَّةَ لم تكن مرخّصةً من جانب السلطات الرسميّة المختصّة، فإنّ تلك الاسطوانة لم تكن كافيةً بالتأكيد للالتفاف على ما تمّ التداول به من صورٍ صادمةٍ لعمليّات القمع التي تعرّض لها المحتجّون على أيدي قوّات الأمن، ولا سيّما أنّ هذه العمليّات لم يسبق لارتفاع حدّتها مثيلٌ قياسًا بأساليب التعاطي مع تحرّكاتٍ شعبيّةٍ معارِضةٍ مماثلةٍ جرت في السابق، الأمر الذي يشي بأنّ ثمّة قطبةً مخفيّةً جعلت إدارة الرئيس بوتين تستشعر خطرًا حقيقيًّا داهمًا عليها بالفعل هذه المرّة. ولكن إلى أيّ مدى يا ترى يمكن أن يصل حجم التهديد الفعليّ الذي من شأنه أن ينجم عن هذا الخطر؟ سؤالٌ.. أغلب الظنّ أنّ الإجابة عنه تستوجب التذكير بأنّ حركة الاحتجاجات الأخيرة ضدّ الفساد في روسيا، وإنْ كانت في الأصل عبارةً عن نموذجٍ مستحدثٍ لسيناريو سبق وأن استخدمه مجلس تنسيق المعارضة عام 2011، أي قبل سنةٍ كاملةٍ من موعد الانتخابات الرئاسيّة وقتذاك، تمامًا مثلما هو الحال عليه في الوقت الحاليّ إذا وضعنا في الحسبان أنّ موعد الانتخابات الرئاسيّة المقبلة محدَّدٌ عام 2018، أي بعد سنةٍ كاملةٍ من الآن، إلّا أنّ العلامة الفارقة بين عاميْ 2011 و2017، تتمثّل في أنّ المزيد من عوامل اشتعال الغضب في الشارع الروسيّ أُضيفَت بشكلٍ تلقائيٍّ خلال السنوات الستّ الماضية على مزاج الناس، سواءٌ على خلفيّة تداعيات الأزمة الأوكرانيّة وما خلّفته العقوبات الأميركيّة – الأوروبيّة المفروضة بسببها من بصماتٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ سلبيّةٍ على حياتهم، أم جرّاء استمرارهم في دفع التكلفة الباهظة للحرب على الإرهاب في سوريا التي لا يلوح في الأفق حتّى الآن أيّ أملٍ باقتراب موعد فضّ أزمتها وإيصالها إلى خواتيمها السعيدة، وهو الغضب الذي لا بدّ من أن يصل إلى ذروته عندما يدرك المواطن الروسيّ العاديّ أنّ لعبة الارتصافات الإقليميّة التي شكّلتها القيادة السياسيّة في بلاده من أجل التمكّن من إدارة الأزمتين الأوكرانيّة والسوريّة والتحكّم بمفاصلهما كلّفتها خلال الأشهر الأربعة فقط حياة ستّةٍ من خيرة ديبلوماسيّيها، اثنان منهم قضوا اغتيالًا مثل أندريه كارلوف في أنقرة، وبيتر بولشيكوف داخل شقّته في موسكو، والأربعة الآخرون قضوا في ظروف غامضةٍ وهم أندريه مالانن في أثينا، وألكسندر كاداكن في نيودلهي، وسيرغي كريفوف وفيتالي تشوركين في نيويورك. وإذا ما أضفنا إلى هؤلاء الضحايا السائق المفضّل عند الرئيس بوتين الذي قضى في حادث اصطدامٍ بالسيّارات في جادّة كوتوزوفسكي في موسكو في شهر أيلول من العام الماضي، والرئيس السابق لجهاز المخابرات الروسيّة أوليغ إيروفينكين الذي قيل إنّه توفّي في شهر كانون الأوّل من العام نفسه في موسكو أيضًا جرّاء تعرّضه لنوبةٍ قلبيّةٍ، فإنّ خلاصة القول هنا تتمثّل في أنّ عوارض المرض السوفييتيّ بدأت تظهر بالفعل بشكلٍ واضحٍ بين أروقة قصر الكرملين، وأنّ ما شهدته العاصمة الروسيّة وغيرها من مدن الشرق نهار أوّل من أمس الأحد من تظاهراتٍ احتجاجيّةٍ يمكن أن تتحوّل هذه المرّة إلى كرة ثلجٍ ستكبَر من دون شكٍّ ولن تذوب مثلما حدث في احتجاجات عام 2011 التي وُصِفت وقتذاك بأنّها بداية "الربيع الروسيّ"، اللهمّ إلّا إذا حدثت "معجزةٌ بوتينيّةٌ" من شأنها إعادة "رقصة الدبّ" إلى إيقاعها الأصليّ، علمًا أنّ الملامح الأوّليّة لبداية "الزمن الترامبيّ" الجديد أصبحت كافيةً للتأكيد على أنّ زمن المعجزات قد ولّى، وأنّ "حليمة (الأميركيّة) عادت إلى ممارسة عادتها القديمة".. وما على الرئيس بوتين إلّا الاحتراس واليقين!
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك