Advertisement

مقالات لبنان24

مسلمو روسيا.. صورةٌ مشرقةٌ في مواجهة ظلاميّة "داعش"!

جمال دملج

|
Lebanon 24
06-04-2017 | 11:47
A-
A+
Doc-P-294505-6367055287275978891280x960.jpg
Doc-P-294505-6367055287275978891280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لم تكد تتردّد عبر الأثير أصداء الشريط المصوَّر الذي توعّد فيه أحد قادة تنظيم "داعش" الإرهابيّ روسيا بأنهارٍ من الدماء ستُراق فوق أراضيها قريبًا جدًّا، حتّى سارعت دوائر الرصد والتحليل الاستخباراتيّة والإعلاميّة إلى وضع سيناريوهاتٍ تستهدف محاكاة مرحلة ما بعد هجوم نهار الاثنين الماضي على محطّة القطارات في مدينة سان بطرسبورغ، معتمِدةً في ذلك على الترويج لفرضيّةٍ مؤدّاها أنّ النتائج الحتميّة المرتقَبة للتدخّل العسكريّ الروسيّ في سوريا أوشكت على الخضوع لأسس المبدأ القائل بأنّ "السحر سينقلب على الساحر"، ولدرجةٍ وصلت في فجاجتها وشططها إلى حدّ الإيحاء بأنّ الروس مقبلون حتمًا على مواجهة جحيمٍ حقيقيٍّ لا مفرّ منه في عقر دارهم، تمامًا مثلما يشتهي "القائد الداعشيّ" في شريطه المصوَّر وأكثر، الأمر الذي بدا في المحصّلة النهائيّة وكأنّه يندرج في سياق الحملات الدعائيّة المغرضة التي لم تكفّ المنظومة الإعلاميّة الغربيّة، عن إطلاقها ضدّ روسيا، المرّة تلو الأخرى، منذ تسلُّم الرئيس فلاديمير بوتين مقاليد الحكم في قصر الكرملين قبل سبعة عشر عامًا ولغاية يومنا الراهن. ولكن إذا كانت العادة قد درجت في الماضي على أن تأخذ تلك الحملات أبعادًا سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة واجتماعيّة مختلفة، بما يضمن توفير عناصر الإثارة اللازمة لاستمرار ممارسة فنون الحرتقة التقليديّة الغربيّة في مجال التشكيك بقدرات روسيا وفاعليّتها في الداخل والخارج على حدٍّ سواء، فإنّ تركيز التصويب في الحملة الحاليّة على ما يمكن وصفه بـ "الخطر الإسلاميّ" المحدق بالمجتمع الروسيّ لا محالة، كان لا بدّ له من أن يحمل في طيّاته من الدلالات ما يكفي للتأكيد على وجود نوايا خبيثةٍ ومبيّتةٍ تستهدف تشويه الصورة المشرقة للعلاقات النمطيّة السائدة بين مختلف مكوِّنات ذلك المجتمع، عن طريق استخدام فزّاعة التطرّف والإرهاب باعتبارها مصدر التهديد الرئيسيّ لركائز أمنه واستقراره، سعيًا إلى ترويعه، وبالتالي إلى خلخلة أسس وحدته وتماسكه، ولا سيّما إذا وضعنا في الحسبان أنّ ثمّة ثمانيةً وعشرينَ مليونِ مسلمٍ يعيشون في الوقت الحاليّ بسلامٍ في روسيا، ويشكّلون أكبر أقليّةٍ دينيّةٍ فيها، أي ما نسبته حوالي عشرين في المئة من إجماليّ عدد السكّان، ولديهم أكثر من ستّةِ آلافِ مسجدٍ ومركزٍ دينيٍّ يُعنى بكافّة النشاطات التي يجيزها قانون حرّيّة الأديان الصادر في مطلع عقد التسعينيّات من القرن الماضي، بما في ذلك المسجد الكبير الذي كان الرئيس بوتين قد افتتحه بصحبة نظيريْه التركيّ رجب طيّب أردوغان والفلسطينيّ محمود عباس في موسكو يوم الثالث والعشرين من شهر أيلول عام 2015، أي قبل أسبوعٍ واحدٍ من شروعه في شنّ الحرب على الإرهاب في سوريا، وهو المسجد الذي ربّما كان من قبيل الصدفة أنّه شهد مؤخّرًا على افتتاح فعاليّات المسابقة الدوريّة لحفظ القرآن الكريم وتجويده، قبل أسبوعٍ واحدٍ أيضًا من وقوع عمليّة التفجير في محطّة قطارات مدينة سان بطرسبورغ نهار الاثنين الماضي، حيث ربّ صدفةٍ في حسابات الإرهابيّين، ومن يقفون وراءهم، ومن يخطّطون لعمليّاتهم، ومن يحدِّدون لهم ساعة الصفر، خيرٌ من ألف ميعاد! الاستثناء الشيشانيّ لا شكّ في أنّ ما تقدّم من هذا الكلام، وإنْ كان لا ينطوي على أيّ رغبةٍ في التسويق لأيّ فكرةٍ يمكن أن توحي بأنّ الساحة الروسيّة خاليةٌ تمامًا من الخلايا الإرهابيّة الصاحية والنائمة على حدٍّ سواء، إلّا أنّ البيت في القصيد منه، يتمثّل في ضرورة الإضاءة على أنّ لا فزّاعةً إرهابيّةً إسلاميّةً يمكن أن تنال من تماسك المجتمع الروسيّ وتعاضد أبنائه على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ولا من يحزنون، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ أحوال غالبيّة المسلمين الروس ظلّت تبدو طيلة السنوات الماضية على أحسن ما يرام، سواءٌ في أزمنة بروز التيّارات والحركات الانفصاليّة أم خلال المراحل اللاحقة التي تلتها، حتّى ولو كره الكارهون. وإذا كانت الحالة الشيشانيّة قد شكّلت استثناءً خاصًّا في العديد من محطّات التاريخ الروسيّ، بدءًا من قيام الشيخ الصوفيّ منصور أوشورم بإعلان "حرب الجهاد المقدَّس" على بلاط الإمبراطورة كاترين الثانية عام 1785، قبل أن يصل به الأمر عام 1787 إلى حدّ المشاركة في القتال إلى جانب العثمانيّين ضدّ القياصرة، مرورًا بما فعله أحفاده الشيشانيّون لاحقًا عندما دخلوا في معمعة الحرب العالميّة الثانية (1939 – 1945) لنصرة القوّات النازيّة الغازية على القوّات السوفييتيّة التي كانت تدافع عن تراب الوطن، ووصولًا إلى عام 1991 الذي شهد على سابقة الدعوة إلى انفصال الشيشان عن روسيا الاتّحاديّة التي رفع لواءها الجنرال المنشقّ جوهر دوداييف لدى الإعلان وقتذاك عن تفكّك الاتّحاد السوفييتيّ، فإنّ جميع تلك المحطّات، وعلى رغم كلّ ما اتّسمت به من صفات "الخيانات العظمى"، لم تشكّل في نهاية المطاف أيّ عائقٍ يُذكَر أمام اكتمال عمليّة اندماج المسلمين الروس في مجتمعاتهم، الأمر الذي يتجلّى بوضوحٍ من خلال المؤشّرات التي تدلّ على مشاركتهم الفاعلة في شتّى المجالات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة وغيرها، وكذلك من خلال وصول عددٍ كبيرٍ منهم إلى مراكزَ مرموقةٍ في الإدارات الرسميّة مثل الوزارات والبرلمان والمجالس المحلّيّة. ضريبة الحرب على هذا الأساس، يصبح في الإمكان القول، وبكلّ نزاهةٍ، إنّ الهدف الرئيسيّ الذي يقف وراء الترويج لمخاطر الوجود الإسلاميّ في روسيا لا يعدو في الوقت الحاليّ عن كونه مجرّد محاولةٍ لذرّ الرماد في العيون، أملًا في إحداثِ حالةِ إرباكٍ من شأنها أن تؤدّي بشكلٍ تلقائيٍّ إلى الحيلولة دون رؤية وإدراك أبعاد الإنجازات التي تمكّنت القوّات الروسيّة من تحقيقها في سياق مجريات حربها على الإرهاب في سوريا خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية، والتي كان آخرها استهداف عددٍ من مخازن صواريخ "تاو" المضادّة للدروع بغاراتٍ جوّيّةٍ مكثّفةٍ بالقرب من الحدود التركيّة شمال محافظة إدلب السوريّة، وذلك قبل يومٍ واحدٍ فقط من وقوع عمليّة التفجير في محطّة قطارات مدينة سان بطرسبورغ، مسقط رأس الرئيس بوتين، وأثناء وجوده فيها... ويا لهذه المصادفةِ الغريبةِ العجيبةِ! نموذج إسلاميّ نعم إنّها المصادفة الغريبة العجيبة التي لا بدّ لها من أن تدفع المصدومين بها في نهاية المطاف إلى طرح السؤال التالي: من أرسل صواريخ الـ "تاو" يا ترى إلى الإرهابيّين في سوريا لكي يخشى على تدميرها؟ سؤالٌ.. قد تقود الإجابة عنه إلى طرح أسئلةٍ أخرى لها أوّلٌ وليس لها آخِر، وخصوصًا حول هويّة الجهات التي لا تزال تسعى ما بين ضفّتيْ المحيط الأطلسيّ وما بين شواطىء الخليج العربيّ إلى زعزعة الاستقرار الداخليّ الروسيّ، بدءًا من دعم حركة جوهر دوداييف الانفصاليّة في بداية تسعينيّات القرن الماضي، مرورًا بدعم إرهاب القائديْن الشيشانيّ شامل باساييف والسعوديّ تامر بن صالح السويلم (ابن الخطّاب) في شمال القوقاز في نهاية تسعينيّات القرن نفسه، ووصولًا إلى مطلع الألفيّة الثالثة التي شهدت، بمشيئةٍ بوتينيّةٍ بحتةٍ، على هزيمة الفكر الأصوليّ – الإرهابيّ، حسب ما أسفرت عنه نتائج حرب الشيشان الثانية، ولا سيّما بعدما نجحت قوّات الأمن الروسيّة في تصفية أصحاب الأسماء الواردة أعلاه، علاوةً على غيرهم من أمثال عربي باراييف وأبو وليد الغامدي وأصلان ماسخادوف ودوكو عمروف، الأمر الذي سُجِّل في التاريخ باعتباره نصرًا حقيقيًّا على الإرهاب. وإذا كان هذا النصر قد كلّف الروس كثيرًا من الدماء التي سُفِكت جرّاء العمليّات الإرهابيّة التي استهدفتهم خلال مرحلة ما قبل "داعش"، فإنّ عزاءهم الوحيد يتمثّل في أنّهم تمكّنوا من المحافظة على تماسكهم في أوقات الشدّة، الأمر الذي تتكرّر مشهديّاته للتوّ في أعقاب تفجير سان بطرسبورع الأخير، حيث "داعش"، وما بعد بعد "داعش"، ومن يقف خلف "داعش" من المحيط الأطلسيّ إلى الخليج العربيّ، لن يكون في الروزنامة الروسيّة أكثر أو أقلّ من مجرَّدِ زوبعةٍ فارغةٍ في فنجان.. وللحديث عن الإسلام الروسيّ غير الإرهابيّ باعتباره نموذجًا يحتذى به للإسلام غير الروسيّ تتمّة.. والخير دائمًا من وراء القصد!
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك