Advertisement

مقالات لبنان24

الجنوب اللبنانيّ.. بين سلام المنتصرين وسلام المهزومين!

جمال دملج

|
Lebanon 24
23-04-2017 | 14:06
A-
A+
Doc-P-302018-6367055337992852431280x960.jpg
Doc-P-302018-6367055337992852431280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
تمامًا مثلما تباينت المواقف والتقديرات حول المغزى الحقيقيّ للرسالة التي أراد "حزب الله" إيصالها إلى إسرائيل من خلال قيامه بتنظيم الجولة الأخيرة للصحافيّين في إطار ما اتُّفق على تسميته بـ"العراضة الإعلاميّة" عند تخوم المناطق الحدوديّة الجنوبيّة، وما إذا كانت الرسالة تستهدف مجرَّد التأكيد على اطمئنان الحزب بالنسبة إلى رسوخ معادلة "الردع الاستراتيجي" التي أرساها في تلك المناطق أم إنّها تحمل في طيّاتها نذائرَ حربٍ مرتقَبةٍ جديدة، فإنّ الزيارة التي سارع رئيس الوزراء سعد الحريري إلى القيام بها في اليوم التالي لمقرّ قيادة القوّات الدوليّة خضعت بدورها لمنوال التباين نفسه، وخصوصًا من جهة ما إذا كان الغرض منها يستهدف مجرَّد التأكيد على التزام الدولة اللبنانيّة بالقرار الأمميّ رقم 1701 أم إنّه يحمل في طيّاته رسائلَ مباشِرةٍ لإيران وحلفائها بأنّ الجنوب اللبنانيّ لن يتحوَّل مجدَّدًا إلى ساحةٍ للمواجهات العسكريّة إذا ما قُدِّر لأيِّ حربٍ بالوكالةِ ما بين الجمهوريّة الإسلاميّة وما بين الولايات المتّحدة الأميركيّة أن تندلع بالفعل، الأمر الذي كان لا بدّ له من أن يؤدّي في المحصّلة النهائيّة إلى إبقاء عمليّة التكهّن بشأن مستقبل الأوضاع على الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة رهنًا بالمزاجيّة المتقلِّبة للتساؤلات والاحتمالات، ولا سيّما في هذه الأوقات العصيبة التي يعلو فيها دويّ طبول الحروب الكبرى في العالم من أقصاه إلى أقصاه. وإذا كان أكثر ما بدا لافتًا على هامش "العراضة الإعلاميّة" قد تمثّل في نجاح "حزب الله" في إيصال رسالته من دون تشفيرٍ إلى الطرف الآخر من الحدود، سواءٌ من حيث اطمئنانه على قدراته الفائقة في مجال المحافظة على معادلة "الردع الاستراتيجيّ" أم من حيث ارتياحه لجهوزيّته القتاليّة الدائمة إذا ما أصبحت "الحرب المرتقَبة" بمثابةِ شرٍّ لا بدّ منه، فإنّ أكثر ما بدا لافتًا في المقابل كان قد تمثّل بدوره في إجماع كافّة وسائل الإعلام الإسرائيليّة على الالتزام بنشر قاعدة بيانات الرواية الرسميّة الصادرة عن الرقابة العسكريّة في تلّ أبيب من دون تحريفٍ، وذلك وفقًا لنزعةٍ ضمنيّةٍ استهدفت الإصرار على التقليل من أهمّيّة ما حدث وعدم التهويل به، خلافًا لما درجت عليه العادة في أيّ مناسَبةٍ مماثِلةٍ سابقة، الأمر الذي يشي بأنّ الدولة العبريّة اعتزمت التوجّه عن قصدٍ هذه المرّة إلى مواطنيها بلغةٍ مختلِفةٍ من شأنها أن تؤدّي إلى رفع معنويّاتهم في مواجهة احتمالات ما يمكن أن يندرج لاحقًا في سياق "الآتي الأعظم" إذا ما اندلعت الحرب هذه المرّة بالفعل، وهي اللغة التي لا يمكن أن تُترجَم في قواميس الحروب النفسيّة وأدبيّاتها إلّا بمعنى واحدٍ مفاده أنّ اضطرار الإسرائيليّين إلى استخدامها ليس أكثر أو أقلّ من تجسيدٍ منطقيٍّ لاعترافهم الضمنيّ بانتصارٍ معنويٍّ جديدٍ، لم يكلِّف عناء إطلاق أيّ رصاصةٍ واحدةٍ، لمحور المقاومة في لبنان. الهدنة الدائمة.. والسلام! أمّا بالنسبة إلى زيارة الرئيس الحريري للجنوب، وعلاوةً على ما عكسته خطوة اصطحابه لكلٍّ من وزير الدفاع يعقوب الصرّاف وقائد الجيش العماد جوزيف عون من دلالاتٍ رمزيّةٍ هامّةٍ في مجال التأكيد على تمسّك الشرعيّة اللبنانيّة بالقيام بكافّة واجباتها الوطنيّة هناك، بما يوحي بأنّ لا سلطةَ في الجنوب تعلو على سلطةِ الدولة، فإنّ أكثر ما بدا لافتًا في سياقها كان قد تجلّى أثناء المباحثات التي أُجريت يومذاك مع قائد "اليونيفيل" مايكل بيري، ليس بالضرورة من خلال تجديد التأكيد على التزام لبنان بتطبيق القرار رقم 1701 وحسب، وإنّما من خلال مطالبة الأمم المتّحدة بالعمل على تكريس "هدنةٍ دائمةٍ" على الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة أيضًا، وهي المطالَبة التي لا بدّ من أن تكتسب أهمّيّةً بالغةً إذا ما أخذنا في الاعتبار أنّها تزامَنت مع تطوّريْن بارزيْن اثنيْن، أحدهما يتعلَّق بتسريباتٍ استخباراتيّةٍ لا تزال محدودةَ التداول جدًّا في الأوساط الإعلاميّة ومفادها أنّ الحكومة الإسرائيليّة أوشكت على الدخول في مفاوضاتٍ غيرِ مباشِرةٍ، عن طريق إحدى دول أوروبا الشرقيّة، مع الحكومة اللبنانيّة، بما يضمن ترسيم الحدود البرّيّة والبحريّة بشكلٍ نهائيٍّ بين الدولتين، خدمةً لمصالحهما المشترَكة في مجال تمكين الدولة الوسيطة من البدء باستخراج النفط والغاز في الحقول المتوسّطيّة المتنازَع عليها، بينما يتعلَّق التطوُّر الآخر بما قاله منسِّق قوى الرابع عشر من آذار فارس سعيد من كلامٍ يوم أوّل من أمس الجمعة لقناة "روتانا خليجيّة" حول ضرورة أن يشكِّل المسيحيّون اللبنانيّون جِسرَ عبورٍ للسلام بين العرب والإسرائيليّين، وخصوصًا من جهة إشارته إلى أنّ الفرصة لم تضِع بعد للعب هذا الدور على أساس المبادرة العربيّة التي أقرّتها قمّة بيروت عام 2002. بين بعبدا والكرملين وإذا كان لا شيء موثَّقًا حتّى الآن حول ما إذا كانت كافّة التطوّرات الآنفة الذكر قد استجدَّت على الساحة الشرق أوسطيّة بمحض الصدفة أم بناءً على نقلاتٍ تكتيكيّةٍ مدروسة، سواءٌ من جهة تزامُن توقيت تنفيذ "العراضة الإعلاميّة" الأخيرة لحزب الله مع زيارة الرئيس سعد الحريري والوزير يعقوب الصرّاف والعماد جوزيف عون للجنوب اللبنانيّ، أم من جهة تزامُن توقيت إطلاق التسريبات الاستخباراتيّة حول المفاوضات المرتقَبة بشأن ضمان استخراج النفط والغاز الموعود مع إعلان فارس سعيد عن مواقفه اللافتة بخصوص جِسر السلام المفقود، فإنّ أكثر ما يبدو واضحًا وجليًّا في موازاة ذلك كلّه يتمثّل في البديهيّة القائلة بأنّ مفاعيل الانخراط العسكريّ الروسيّ، عبر البوّابة السوريّة، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تحمل في طيّاتها ما سوف يقتصر على هزيمة الإرهاب ومشتقّاته التكفيريّة الظلاميّة وحسب، وإنّما ما سوف يصل إلى حدّ تحقيق التسوية العادلة والشاملة للصراع العربيّ – الإسرائيليّ أيضًا، تمامًا مثلما يبدو واضحًا في موازاة ذلك أنّ قصر الكرملين يعوِّل كثيرًا على قصر بعبدا في هذا المجال، أكثر من غيره من القصور بكثير، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ أكثر المواقف العربيّة التي تحظى في الوقت الحاليّ باحترامٍ روسيٍّ لافتٍ هي تلك التي كان الرئيس اللبنانيّ العماد ميشال عون قد عبّر عنها في كلمته أمام قمّة البحر الميّت الأخيرة في الأردن، وهي الكلمة التي دفعت الموفد الرئاسيّ الروسيّ ميخائيل بوغدانوف إلى وصفها بأنّها الأكثر براغماتيّةً في مجال تشخيص الصراعات والمخاطر التي تعصف بالمنطقة وتهدِّد حاضرها ومستقبلها على حدٍّ سواء. سلام المنتصرين على هذا الأساس، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أيضًا أنّ موعد زيارة الرئيس عون لموسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين لم يعُد بالبعيد، يصبح في الإمكان وضع الرهان كاملًا على الدور المنوط بلبنان لعبُه في رسم ملامح التسويات المرتقَبة قريبًا جدًّا في المنطقة برمّتها، بما يضمن له استعادة دوره الرياديّ باعتباره الوطن – الرسالة وليس الوطن – صندوق البريد، وبالتالي بما يضمن للمنطقة استعادة استقرارها المهدَّد إقليمًا بعد إقليم، اللهمّ إلّا إذا لم يتمكّن اللبنانيّون من المحافظة على الحدّ الأدنى من مقوِّمات تماسكهم في مواجهة هذا الاستحقاق الكبير، وخصوصًا في مجال إدراك أهمّيّة التكافل والتكاتف فيما بينهم حول جدوى معادلة الجمع الحاليّة ما بين الشرعيّة وما بين المقاومة في الجنوب، بما أدّى إلى تسجيل انتصارهم اللافت في جولة الحرب النفسيّة الأخيرة على إسرائيل، ولا سيّما أنّ منطق التاريخ غالبًا ما ظلّ يعلِّمنا على مرِّ التاريخ أنّ القوّة لا يمكن مواجهتها إلّا بالقوّة أو بالخضوع، حيث النتيجة في الحالة الأولى ستؤدّي إلى اندلاع حربٍ حتميّةٍ تُسفِر إمّا عن النصر بشرفٍ وإمّا عن الهزيمة بشرفٍ أيضًا، بينما النتيجة في الحالة الثانية ستتراوح حتمًا ضمن فضاءات مراوغة الطرفين في المكابرة على بعضهما البعض بين الحرب واللا حرب، وبين السلم واللا سلم، وبين العنف واللا عنف، إلى أن يحين موعد دخولهما في مفاوضاتٍ مباشِرةٍ تضمن لكلّ صاحبِ قوّةٍ قوّته على مائدة الحلول والتسويات.. وما أشبه عنفوان حزب الله في هذه المقارَبة من العنفوان الروسيّ، وما أشبه عنفوان روسيا في المقارَبة نفسها من عنفوان مغزى تلازم الشرعيّة مع المقاومة في لبنان، اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى.. وعسى أن يدرك اللبنانيّون على اختلاف انتماءاتهم أهمّيّة هذه النعمة التي هبطت عليهم بقدرةٍ قادرٍ روسيٍّ من السماء، ولا سيّما إذا وضعنا في الحسبان أنّ حمائم السلام، سواءٌ بحربٍ أم من دون حربٍ، أصبحت آتيةً لا محالة.. ولكن شتّان ما بين سلام المهزومين وما بين سلام المنتصرين.. وهنا يكمن البيت في القصيد!
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك