Advertisement

مقالات لبنان24

هل يصبح مبدأ "اِدفع أكثر" شعارًا لسياسات ترامب الخارجيّة؟

جمال دملج

|
Lebanon 24
28-05-2017 | 06:07
A-
A+
Doc-P-316678-6367055446156044601280x960.jpg
Doc-P-316678-6367055446156044601280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
على رغم كافّة التوجُّهات غير الواضحة التي اتّسمت بها سياسات الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب حيال العديد من القضايا الدوليّة والإقليميّة منذ دخوله إلى البيت الأبيض في مطلع العام الحاليّ، قياسًا بما كان قد عبَّر عنه من مواقفَ حيال القضايا نفسها أثناء حملته الانتخابيّة العام الماضي، وخصوصًا من جهة نظرته المتباينة إلى مستقبل علاقات الولايات المتّحدة مع كلٍّ من روسيا ودول حلف شماليّ الأطلسيّ والعالمين العربيّ والإسلاميّ، فإنّ الثابت الوحيد الذي يبدو أنّه بقي جليًّا ومستقرًّا في ظلّ هذا السلوك البهلوانيّ ما بين الأمس وما بين اليوم هو أنّ الملياردير الأشقر عازمٌ على الذهاب إلى أبعد الحدود في ترسيخ مبدأ "الغموض الاستراتيجيّ" كأساسٍ لأداء إدارته في شتّى المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة، اعتبارًا من الآن وحتّى إشعارٍ آخَر، ولا سيّما بعدما أصبح في حكم المؤكَّد أنّ كافّة تجلّيات ما أسفرت عنه جولته الخارجيّة الأولى من نتائج، سواءٌ في محطّاتها الشرق أوسطيّة أم في محطّاتها الأوروبيّة، سرعان ما أدّت إلى إطلاق ما يكفي من النذائر للدلالة على أنّ العالم أصبح على وشك مواجهة أيّامٍ عصيبةٍ، من أقصاه إلى أقصاه، إذا ما قُدِّر لمبدأ "الغموض الاستراتيجيّ" المذكور أن يترسَّخ بالفعل. لا شكّ في أنّ أخطر ما ظهر على خلفيّة قاعدة بيانات المحطّات الشرق أوسطيّة في جولة الرئيس الأميركيّ يمكن أن يتبلور في الوقت الراهن من خلال التداعيات المتفاعِلة باضطرادٍ على ثلاثةِ محاورَ أصبحت قابلةً للاشتعال أكثر من أيّ وقتٍ مضى، أوّلها إمكانيّة حدوث مواجهةٍ عسكريّةٍ خليجيّةٍ – إيرانيّةٍ مباشِرةٍ في المستقبل القريب، وثانيها احتمالات فرط عقد دول مجلس التعاون الخليجيّ بسبب استفحال الخلافات مؤخَّرًا ما بين المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة من جهةٍ وما بين دولة قطر من جهةٍ أخرى، وثالثها إرهاصات المساعي التي يبذلها الإسرائيليّون على قدمٍ وساقٍ من أجل التوصّل إلى تسويةٍ مع الفلسطينيّين على حساب حقِّهم المشروع في أن تكون القدس الشرقيّة عاصمةً لدولتهم العتيدة. وإذا كانت الرغبة في الحدّ ممّا يُسمّى بـ "النفوذ الإيرانيّ" في عددٍ من الدول العربيّة قد شكّلت على مرّ الزمان نقطة التقاءٍ بين التوجُّهات الأميركيّة والخليجيّة منذ انتصار الثورة الإسلاميّة في سبعينيّات القرن الماضي ولغاية يومنا الراهن، فإنّ كافّة تجارب الماضي، بما فيها الحرب العراقيّة – الإيرانيّة التي استغرقت قرابة الثماني سنوات، أثبتت في المحصّلة النهائيّة أنّ استخدام لغة التهديد والوعيد وغيرها من أساليب الحروب الاستنزافيّة الطويلة والعقوبات الاقتصاديّة المشبوهة لم تحُل دون إصرار الإيرانيّين، فرادى وجماعاتٍ، على التمسّك بحقّهم في الدفاع عن أرضهم في أوقات الشدّة، الأمر الذي يعني في إطار ما يعنيه أنّ العضلات التي استعرضها الرئيس ترامب في الشقّ الشرق أوسطيّ من جولته الأخيرة لن يجدي دول الإقليم نفعًا، اللهمّ إلّا إذا كان الغرض من وراء النفخ في تلك العضلات يستهدف إشعال نار الفتنةٍ السُنيّة – الشيعيّة التي لا يزال جمرها راكدًا تحت الرماد، بما يضمن إضافة بؤرِ توتُّرٍ وصراعاتٍ ومواجهاتٍ وحروبٍ جديدةٍ في المنطقة من محيطها إلى خليجها، تمامًا حسب ما يشي به التأجيج المستجدّ حديثًا للخلافات داخل الأسرة الخليجيّة الواحدة، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ تزامُن افتعال هذا التأجيج مع الإعلان عن اعتزام الولايات المتّحدة العمل على نقل قاعدتها العسكريّة من قطر إلى دولةٍ عربيّةٍ أخرى، حمل من الدلالات ما يكفي للتأكيد على أنّ الهدف الرئيسيّ وراء ذلك يتمثَّل في السعي إلى حثّ القطريّين على الانفتاح أكثر فأكثر على سوق السلاح الأميركيّ، وربّما حثّ الإيرانيّين أيضًا، تمامًا مثلما حدث مع السعوديّين قبل عدّة أيّامٍ، حتّى ولو استوجب الأمر إحراق المنطقة بحروبٍ عبثيّة لن يستفيد منها في المحصّلة النهائيّة سوى المشروع الإسرائيليّ الخاصّ بمواصلة عمليّات التهويد في القدس ومحيطها، وهو ما ظهرت مؤشِّراته قبل عدّة أيّامٍ أيضًا لدى إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن أنّ القدس لم تكن عاصمة على مرّ التاريخ إلّا لليهود وحدهم. على هذا الأساس، وفي ظلّ الانقسام المرشَّح لطول البقاء في الأوساط العربيّة والإسلاميّة، كان لا بدّ للرئيس ترامب من أن يجد الفرصة المناسِبة لاستعراض عضلاته في الشقّ الأوروبيّ من جولته، سواءٌ أمام قادة دول مجموعة السبع أم أمام دول الأسرة الأطلسيّة، وذلك بعدما تسلّح بصفقة القرن التي أبرمها بقيمةٍ تقارب الخمسمئةِ مليارِ دولارِ مع السعوديّين أثناء وجوده في الرياض، ولا سيّما أنّ فحوى كافّة المواقف التي عبّر عنها في كلٍّ من صقلية وبروكسيل، سرعان ما أُدرجت تحت عنوانٍ عريضٍ واحدٍ مؤدّاه أنّ على الأوروبيّين أن يدفعوا أكثر. من هنا، لم يكن مستغربًا أن يتراجع الرئيس ترامب عن الموقف الذي كان قد اعتبر فيه أثناء حملته الانتخابيّة أنّ حلف الناتو "عفا عليه الزمن" بمجرَّد أن يقرَّر القادة الأطلسيّون تسديد التزاماتهم الماليّة تجاه الحلف عن طريق رفع ميزانيّات بلادهم العسكريّة إلى نسبة اثنين في المئة من ناتجها المحلّيّ الإجماليّ، علمًا أنّ المؤشّرات المتوافرة حاليًّا تدلّ على أنّ الجشع الأميركيّ لن يتوقّف عند حدّ القبول بسقف هذه النسبة فقط، ولا سيّما أنّ سيّد البيت الأبيض سارع إلى القول في كلمةٍ ألقاها أمام العسكريّين الأميركيّين في قاعدة "سيغونيلا" في إيطاليا إنّ على الدول الأعضاء الأخرى دفع المزيد، مشيرًا إلى أنّ الحلف سيصبح عندئذٍ أقوى بكثير. من هنا أيضًا، يُصبح في الإمكان تفهُّم سرّ الأسباب التي أدّت إلى ازياد انعدام ثقة الأوروبيّين عمومًا، والبريطانيّين والفرنسيّين والألمان على وجه الخصوص، بما سمعوه من الرئيس القادم إليهم من الضفّة الأخرى للمحيط الأطلسيّ، الأمر الذي لا بدّ من أن يعزَّز بالتالي من إمكانيّة حصول انقساماتٍ حادّة في الرأي داخل الأسرة الأوروبيّة، على غرار الانقسامات العربيّة والإسلاميّة الراهنة، حيال طريقة التعاطي مع الإدارة الأميركيّة الحاليّة، بما من شأنه أن يعرِّض الاستقرار الأوروبيّ للمزيد من المخاطر بكلّ تأكيد. ولكن إذا كان أغرب ما قاله الرئيس ترامب أمام القادة الأطلسيّين في بروكسيل هو أنّ الحلف ينبغي أن يركِّز على "أزمات الإرهاب والهجرة والخطر الروسيّ"، على حدّ تعبيره، فإنّ زجّ اسم روسيا مع الإرهاب والهجرة لا بدّ من أن يدفع قصر الكرملين إلى الردّ سريعًا على مثل هذا الافتراء.. وأغلب الظنّ أنّ الردّ سيأتي هذه المرّة من واشنطن على لسان اثنين من أكثر مستشاري الرئيس الأميركيّ حضورًا وفاعليّة في قراراته، أي ابنته إيفانكا وصهره جاريد كوشنر، ولا سيّما بعدما لوحظ غيابهما اللافت عن قمّتيْ صقلية وبروكسيل مقارنةً مع حضورهما الطاغي في كلٍّ من الرياض والقدس وبيت لحم.. وممّا لا شكّ فيه هو أنّ لهذا الغياب الكثير من المعاني والدلالات التي ستظهر تباعًا خلال الأيّام القليلة المقبلة.. وإنّ غدًا لناظره قريب!
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك