Advertisement

مقالات لبنان24

الأزمة القطريّة.. وحسابات الربح والخسارة في الميزان الأميركيّ!

جمال دملج

|
Lebanon 24
25-06-2017 | 02:26
A-
A+
Doc-P-328284-6367055529554387771280x960.jpg
Doc-P-328284-6367055529554387771280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
بغضّ النظر عمّا إذا كان المرء متّفِقًا أم مختلِفًا مع تطلُّعات وأبعاد السياسات الخارجيّة القطريّة على الصعيدين المحلّيّ والإقليميّ، فإنّ مجرَّدَ نظرةٍ واحدةٍ بالعين المجرَّدة، وبتجرُّد، إلى مفاعيل الحصار الجوّيّ والبحريّ والبرّيّ المفروض من قِبَل الأقربين والأبعدين على هذه الإمارة الفتيّة والغنيّة منذ قرابة الثلاثةِ أسابيعٍ من الزمان، تكاد تكون كافيةً في هذه الأيّام، وحتّى إشعارٍ آخر، للدلالة على نجاح تلك السياسات في مجال احتواء الحصار وتجاوز انعكاساته والالتفاف عليه، ولا سيّما بعدما أصبح في حكم المؤكَّد لدى المتابعين لمسار العلاقات الخليجيّة – الخليجيّة، سواءٌ في السرّاء أم في الضرّاء، أنّ القيادة السياسيّة في الدوحة لم تكن لتُعلن عن رفضها المبكِّر لحزمة الشروط التي وضعتها السعوديّة والإمارات والبحرين ومصر بخصوص فضّ أزمة العلاقات المتأزِّمة معها، لولا إدراكها الكامل بأنّها تقف بالفعل فوق أرضٍ صلبةٍ، الأمر الذي كان كافيًا في الموازاة لحثّ الكثيرين من مؤيّديها على المضيّ قُدمًا في ترسيخ قناعتهم القائمة على الإيمان بأنّ هذا الحصار لن يُقدَّر له أن يحقِّق الأهداف المرجوَّة منه بأيّ شكلٍ من الأشكال. وإذا كان اثنان من أولئك المتابعين لا يمكن أن يختلفا في الرأي على أنّ لكلٍّ من الرئتين الإيرانيّة والتركيّة اللتين تنفَّس القطريّون من خلالهما مؤخَّرًا، ولا يزالون، الفضل الأكبر في ضمان استمرار نبض بلادهم قويًّا في خضمّ تداعيات الأزمة الراهنة، فإنّ الإجراءات العاجلة التي سارعت سلطات الإمارة إلى اتّخاذها بغية التغلُّب على تلك التداعيات، ساهمت بدورها في تقوية إيقاع ذلك النبض، وخصوصًا بعدما تمّت طمأنة المستثمرين الأجانب بالشكل الذي حفّزهم على الاحتفاظ بما يمتلكونه من أوراقٍ ماليّةٍ قطريّةٍ على خلفيّة إدراكهم الكامل لحجم الاحتياطيّ المتوفِّر في البلاد، علاوةً على فتحِ آفاقٍ جديدةٍ للمزيد من فرص الاستثمار أمام رعايا ستٍّ وثلاثينَ دولةً أجنبيّةً ممّن أصبح في إمكانهم عبور مطار الدوحة الدوليّ من دون حصولهم على تأشيرةِ دخولٍ مسبَقةٍ من القنصليّات القطريّة في بلادهم الأصليّة أو في أماكن إقامتهم في الخارج، وهي الإجراءات التي كان لها بالغ الأثر في دفع عددٍ من المراكز الدوليّة المتخصِّصة في مجال إدارة الأصول إلى عدم التردُّد في الإيحاء بأنّ النتائج العكسيّة لما يجري حاليًّا داخل الأسرة الخليجيّة من كرٍّ وفرٍّ لن تقتصر على مجرَّد الفشل في تحقيق الأهداف المرجوَّة من الحصار المفروض على قطر وحسب، بل يُتوقَّع أن تصل إلى الحدّ الذي يصبح معه الحصار بمثابة السحر الذي ينقلب على الساحر أيضًا. بين السعوديّة والإمارات هذا الكلام، وإنْ كان لا ينطوي على أيّ رغبةٍ في الانحياز لصالح طرفٍ ضدّ الآخَر في غمار الكرّ والفرّ الخليجيّ الآنف الذكر، ولكنّ أهميّة التداول به في الوقت الراهن تتمثّل في وجوب التذكير بحقيقةٍ تاريخيّةٍ مرَّةٍ خلاصتها أنّ الصراعات بين الأشقّاء غالبًا ما تؤدّي في نهاية المطاف إلى انفراط عقد العائلة، وربّما إلى انهيار البيت على رؤوس جميع سكّانه، الأمر الذي تكاد تظهر نذائره الأوّليّة في ضوء التحذيرات التي أطلقها محلّلون اقتصاديّون خلال الساعات القليلة الماضية من احتمال تعرُّض كلٍّ من الاقتصاديْن السعوديّ والإماراتيّ (على وجه الخصوص) لانتكاسةٍ حتميّةٍ إذا ما قُدِّر للأزمة أن تبقى مستعصيةً على الحلّ إلى أمدٍ طويلٍ، وهي التحذيرات التي بُنيت في الحالة السعوديّة على الارتفاع المضطرد لتكاليف الديون الحكوميّة في ظلّ اقتراب حجم العجز في الميزانيّة العامّة من خطّ المئتيْ مليارِ ريالٍ سعوديّ من جهةٍ، وكذلك في ظلّ استمرار تسديد التكلفة الباهظة لعمليّة "عاصفة الحزم" في اليمن بما يفوق طاقة المملكة من جهةٍ أخرى، بينما بُنيت في الحالة الإماراتيّة على مؤشِّرٍ أوّليٍّ واضحٍ يدلّ على أنّ تراجع نسبة الإقبال على السفر على متن شركة الخطوط الجوّيّة الإماراتيّة تسبَّب في إلزام هذه الشركة الرائدة بتعطيل عمل خمسٍ من طائراتها، بحسب ما نقلته مواقعُ إخباريّةٌ متنوِّعةٌ عن مصادرَ غربيّةٍ متخصِّصةٍ في متابعة حركة الطيران ورصدها في مطارات المنطقة. الرأي والرأي الآخر على هذا الأساس، يصبح في الإمكان تفهُّم سرّ اكتساب القطريّين المزيد من عناصر الوقاية الذاتيّة في مواجهة حزمة الشروط الآنفة الذكر التي فرضها عليهم الأقربون والأبعدون في الآونة الأخيرة، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار، وبالإضافة إلى كلّ ما تقدَّم، أنّ تركيا المعنيَّة بهذه الشروط سارعت إلى الردّ على لسان وزير دفاعها فكري إيشيك بالتأكيد على أنّ المطالبة بإغلاق القاعدة العسكريّة التركيّة في قطر ستكون تدخُّلًا في العلاقات الثنائيّة بين أنقرة والدوحة، تمامًا مثلما كان عليه الحال في إيران المعنيَّة بالشروط نفسها، والتي سارعت بدورها إلى الردّ على لسان أكثرَ من مسؤولٍ حكوميٍّ فيها بالتأكيد على أنّ مسألة الدعوة إلى تخفيض مستوى التمثيل الديبلوماسيّ بين طهران والدوحة هي شأنٌ ثنائيٌّ لا يحقُّ لغير الإيرانيّين والقطريّين التدخُّل فيه، الأمر الذي ينطبق أيضًا على "قناة الجزيرة الفضائيّة" التي سارعت من جهتها إلى إدانة البند المتعلِّق بوجوب إغلاقها، مستخدمةً في ذلك كلّ ما تبقّى لديها ممّا ملَكته أيمانها على مرّ تاريخها في مجال حرّيّة التعبير، واحترام شعار "الرأي والرأي الآخَر" الذي رفعَته منذ انطلاقتها قبل واحدٍ وعشرينَ عامًا، علمًا أنّ آباء المهنة ممّن واكبوا تأسيس "الجزيرة" عام 1996، وأنا من بينهم، يدركون اليوم أنّه شتّان ما بين "مرحلة التأسيس الليبراليّة" في زمان محمد جاسم العلي واسماعيل الأمين وصلاح نجم من جهةٍ، وما بين "مرحلة التسييس الإخوانجيّة" في زمان وضّاح خنفر ومَن جاء مِن بَعدِه وصولًا إلى زمان ياسر أبو هلالة من جهةٍ أخرى، وهما المرحلتان اللتان تتحمَّل السلطات القطريّة وحدها مسؤوليّة إيصالهما إلى هذا المستوى من الالتباس وعدم اليقين. الفرصة الأميركيّة وإذا كان ثمّة ما يحفِّز المرء على التضامن مهنيًّا مع "قناة الجزيرة" في هذه الأيّام، على رغم كافّة علّاتها، فإنّ مردّ ذلك يعود إلى أنّ بقيّة الفضائيّات التي حذت حذوِّها لاحقًا، والتي حاولت أن تقلِّدها في مجالات التغطيات الإخبارية، مثل "أبو ظبي" أو "العربيّة"، لم تكن علّاتها أقلّ ضررًا على صحّة المواطن العربيّ، وتحديدًا خلال المرحلة الممتدَّة ما بين غزو العراق عام 2003 وما بين بدء ثورات "ربيع العرب" عام 2011، ولا سيّما إذا أعدنا للذاكرة أنّ تلك الفضائيّات سرعان ما وقعت في فخّ الارتهان لمشيئة مؤسّساتٍ إعلاميّةٍ عالميّةٍ كبرى تعمل عادةً في الولايات المتّحدة، وفقًا لأجنداتٍ أميركيّةٍ – إسرائيليّةٍ، قبل أن تكون "الجزيرة" قد وقعت خلال مرحلة ما قبل العهد الإخوانجيّ في هذا الفخّ بعد.. وأغلب الظنّ أنّنا نعيش في هذه الأيّام وسط دوّامة الإرهاصات الناجمة عن تنافس الأشقّاء على كسب ودِّ ما تَعِد به الأجندات الأميركيّة ـ الإسرائيليّة في مشروع الشرق الأوسط الجديد.. وحسبي أنّ العرب سيبقون بمثابة مجرَّد تحصيل حاصلٍ في هذا المشروع، وأنّ ثرواتهم السياديّة ستبقى معرَّضةً للاستنزاف يومًا بعد يومٍ، طالما أنّ الإعلام العربيّ لم يتوصَّل إلى صياغة لغةٍ مشترَكةٍ للردّ على التحدِّيات التي تواجه الأمّة بعد، اللهمّ إلّا إذا صدق الرئيس دونالد ترامب في مسألة اعتزامه الدعوة إلى عقد قمّةٍ خليجيّةٍ في واشنطن من أجل تسوية الأزمة مع قطر.. فعندئذٍ، ووفقًا لتجاربَ عديدةٍ شهد عليها التاريخ في الماضي، سيُجمِع العرب على القول "شكرًا أميركا"، حتّى وإنْ كانوا خاسرين.. وما أجمل أن يربح العرب بعضهم البعض يومًا من دون أميركا، لكي يكون الأميركيّون وحدهم خاسرين!
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك