Advertisement

مقالات لبنان24

دولة المساكنة لا المواطنة: قانون الانتخاب نموذجاً

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
27-06-2017 | 03:00
A-
A+
Doc-P-328972-6367055534909816861280x960.jpg
Doc-P-328972-6367055534909816861280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
من إيجابيات لقاء بعبدا التشاوري الأخير أنه أقرّ ولو بشكل غير مباشر بوجود أزمة عميقة تضرب جوانب الدولة، في الاقتصاد والسياحة وسوق العمل وغياب الأمن وانتشار الجريمة، وأنه أعلن في الوثيقة الصادرة عن المشاركين فيه المضي لاستكمال تنفيذ اتفاق الطائف طارحا ما يشبه الرؤية – البرنامج لمقاربة الأولويات الضرورية. المشكلة الحقيقة والأكثر حضوراً هي أن شكوكاً عميقة تبرز عند الحديث عن اهتمام السلطة، أي سلطة، في لبنان بجعل هموم المواطنين والطبقات الفقيرة والوسطى أولويات لعملها، تماماً كالشكوك التي تثيرها مقولة "استكمال" تطبيق الطائف لكثرة ما طرحت خلال العقدين الأخيرين، من دون السعي الجدّي لتحقيق هذا الأمر لأسباب عديدة داخلية وخارجية. المدخل المنطقي للتغيير في أي نظام سياسي هو قانون الانتخاب، خصوصاً في نظام طغت عليه منذ تأسيسه المسألة الطائفية على حساب المواطنة، فيما القانون الذي أنتجته هذه السلطة أبعد ما يكون عن تحقيق الاصلاح السياسي فضلاً عن تأمين عدالة التمثيل. لطالما عانى لبنان من الطائفية، وخصوصاً في الدستور الأول (1926)، ومن بعده في الميثاق الوطني (1943)، بوصفها علّة تمنع من تطوير نظام الحكم وتبقي المجتمع أسير هواجس الاختلاف ومخاوف الاندماج في رحاب المواطنة الكاملة والمتساوية. في دستور الطائف (1989 – 1990) لم يختلف الأمر، ورغم الاصلاح الكبير الذي حمله والمتمثل بإقرار المساواة بين المسيحيين والمسلمين، واعتبار الطائفية مؤقتة وصولاً إلى انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، بقيت الطائفية حاضرة بقوة، لكن استعيض بنص فُهم منه أنها ظرفية وأن النظام والمجتمع سائرون نحو الدولة المدنية، في ظل المواطنة المتساوية والعيش المشترك، لكن وعلى مرّ السنين وفي بحث كل أمر صغير أو كبير تثبت الطبقة السياسية أنها أكثر بعداً عن كل ما ذكر وأن الصيغة اللبنانية هي صيغة تكريس الطائفية عبر توافقات أركان السلطة، لأنها صيغة مساكنة لا مواطنة... وهو ما عكسه إقرار القانون الأخير الذي يروّج صانعوه لأقصى ايجابياته على أنها انتصار للتوافق!! المشكلة إذن تكمن في التباين الكبير بين النصوص الذي يجري إصدارها وبين ممارسات السلطة منذ العام 1990، يوم استبدل منطق أعوج يقوم على تقسيم السلطات والمناصب وفق معادلة 55 مقابل 45 أسّست إلى جانب أمور عدة لحرب أهلية، بمسلمات ثلاث هي: أنّ لبنان وطنٌ نهائي لأبنائه جميعاً، وهم لا يتطلعون لأي إطار آخر، وأنه لا اعتبار للعدد في التمثيل السياسي والوظيفي، فلا أكثرية ولا أقلية في الاعتبار الوطني والدستوري والقانوني، وأنّ الاعتبار الأعلى هو للعيش المشترك، فلا شرعية لأي أمر يُخِلُّ بالعيش المشترك بين سائر فئات الشعب اللبناني وبخاصةٍ عيش المسلمين مع المسيحيين... لكن الممارسة أبقت البلد والمجتمع أسير الهواجس الطائفية، ما انعكس حماية للفساد وتكلساً للإدارة وغياباً للرؤى الاصلاحية الشاملة... بل وتولدت ظاهرة الاستيلاء على كل شيء بدعوى غياب الحقوق. بالعودة إلى "وثيقة بعبدا 2017"، مطالبها (وهي مطالب الشعب كله من سنوات) مهمة، لكن على السلطة أن تنبري لتنفيذها، هذه هي مهمتها لا أن تنبري لتكرار ما هو معروف وواضح، ومن المطالب المحقة إقرار قانون حديث وعصري للانتخاب يفتح أبواب التغيير الحقيقي ولا يكون مفصلاً على قياس بعض من هم في الحكم. لكن القانون الجديد ظلمَ النسبية، بما هي نظامٌ متقدمٌ مطبَّق في دول كبرى فيها مواطنة ومساواة واحترام للقوانين ومحاسبة. ولا شيئ من ذلك له وجودٌ أو فعالية في لبنان! النسبية على الطريقة اللبنانية ما جعلت البلد دائرة انتخابية واحدة، بل قسمته 15 دائرة انتخابية وفق أشكال سعت إلى تجميع أكثريات طائفية في كل منطقة، واخترعت الصوت التفضيلي، الذي على الأغلب سيكون طائفياً في الممارسة إلى جانب شوائب أخرى جرى الحديث عنها والإشارة إليها سابقاً.. هكذا ضاع العنوان الوطني، وضاع الهم المشترك، وضاع البُعد الإصلاحي لمصلحة تسعير الخطاب الطائفي بحجة التمثيل الصحيح... ودائماً تحت عنوان "التوافق".
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك