Advertisement

مقالات لبنان24

"الجزيرة".. كما لم نعرفها من قبل! (1)

جمال دملج

|
Lebanon 24
16-07-2017 | 12:26
A-
A+
Doc-P-337249-6367055599675632031280x960.jpg
Doc-P-337249-6367055599675632031280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
بينما توشك الأزمة الخليجيّة على الدخول في شهرها الثاني من دون ظهور أيّ بارقةِ أملٍ من شأنها الإيحاء بإمكانيّة التوصُّل إلى فضّها على المدى المنظور، جاء السجال الحادّ الذي شهدته فعاليّات الدورة الثامنة والأربعين لمجلس وزراء الإعلام العرب داخل مقرّ جامعة الدول العربيّة في القاهرة نهار الأربعاء الماضي ليؤكِّد ما بات في حكم المؤكَّد عن أنّ أمَد هذه الأزمة سوف يطول، ولا سيّما بعدما تحوَّل توصيف "قناة الجزيرة الفضائيّة" ما بين الادّعاء بأنّها أداةٌ "للشرّ والفتنة" وما بين التأكيد على أنّها "تقول الحقيقة" إلى مادّةٍ دسمةٍ لشنِّ حملةِ اتّهاماتٍ وانتقاداتٍ متبادَلةٍ بين وزير الإعلام السعوديّ عوّاد العوّاد ونظيره البحرينيّ علي بن محمد الرميحي من جهةٍ، والمندوب القطريّ في الجامعة سيف بن مقدم البوعينين من جهةٍ أخرى، وهي الحملة التي سرعان ما أدّت بشكلٍ تلقائيٍّ إلى حقن الأثير العربيّ، الملتهب باضطرادٍ في هذه الأيّام، بالمزيد من لوازم الاشتعال. وإذا كان اثنان لا يختلفان على أنّ "الجزيرة" لم تكفّ عن إثارة الجدل تلو الآخَر منذ انطلاقتها عام 1996 ولغاية يومنا الراهن، سواءٌ في السرّاء أم في الضرّاء، فإنّ وجوب استحضار وقائع الظروف التي رافقت تكوُّن واكتمال فكرة تأسيسها في ظلّ استمرار الأزمة الخليجيّة الحاليّة، والآخِذة بالتفاقم يومًا بعد يومٍ، لا بدّ من أن يكتسب أهمّيّةً بالغةً لمعرفة حدود الهامش الفاصل بين الصحّ والخطأ في فضاءات الاتّهامات والانتقادات المتبادَلة الآنفة الذكر، وذلك بناءً على وجهةِ نظرٍ مهنيّةٍ بحتةٍ ومنزَّهةٍ عن خطايا الوقوع في فخّ سياسة المَحاور الناجِم عن اتّقاد نار الخلافات بين "الأشقّاء الخليجيّين"، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الكثير من التفاصيل المتعلِّقة بحيثيّات نشأة "الجزيرة" وتطوُّرها، وبأسباب التوجُّس المبكِّر منها، بقيت خارج نطاق التداول الإعلاميّ على مرّ السنوات الماضية، الأمر الذي ساهم في استمرار فتح باب التأويلات حول طبيعةِ هذه القناة وأهدافِها وأبعادِ سياساتها التحريريّة وغير التحريريّة على مصراعيه. الانقلاب.. وفكرة الـ "بي بي سي" على هذا الأساس، ينبغي القول أوّلًا إنّ حكاية "الجزيرة" من ألِفها إلى يائها، وباعتباري أحد شهود العيان عليها، كانت قد بدأت في الأصل عام 1995، أي قبل سنةٍ كاملةٍ من تاريخ انطلاقتها، وذلك عندما قرَّرت إدارة الأخبار في تلفزيون "بي بي سي – عربي" في لندن إيفاد الزميل عدنان الشريف إلى الدوحة، باعتباره كان مقيماً في السابق هناك، من أجل تغطية وقائع الانقلاب الذي قام به الشيخ حمد بن خليفة على عرش أبيه، وهي التغطية التي سرعان ما تمكَّن الزميل الشريف من تتويجها وقتذاك بإجراءِ مقابلةٍ حصريّةٍ خاصّةٍ مع الأمير الشابّ، ممّا أتاح له فرصةً ذهبيّةً لكي يعرض عليه مشروع استنساخ فكرة الـ "بي بي سي – عربي"، من حيث تمايزها اللافت في مجال ترسيخ مفاهيم حرّيّة التعبير وفقًا للمعايير المهنيّة الصِرفة، في مؤسّسةٍ إعلاميّةٍ مشابِهةٍ يبدأ منها مشوار عهده الجديد، الأمر الذي لم يتردَّد الشيخ حمد للحظةٍ واحدةٍ في التناغم معه والموافقة عليه. عقدة "أوربيت" كانت الخدمة التلفزيونيّة العربيّة في "الهيئة البريطانيّة للإرسال" العريقة قد انطلقت قبل ذلك التاريخ بقرابة عامٍ ونيّفٍ من الزمان، إثر التوقيع على عقدِ تمويلٍ بهذا الخصوص مع شركة "أوربيت" التي كان يملكها شقيقان من الأسرة المالكة السعودية، قبل أن يُصار إلى إلغائه لاحقًا على خلفيّة حدثين بارزين شهدتهما استديوهات الـ "بي بي سي – عربي" في مركز التلفزيون الكائن في منطقة "وايت سيتي" اللندنيّة، تمثَّل أوّلهما في استضافة زعيم المعارضة السعوديّة الدكتور عبد الله المسعري على الهواء مباشَرة خلال إحدى نشرات الأخبار المسائيّة، بينما تمثَّل الثاني في دبلجة مادّةٍ وثائقيّةٍ مصوَّرةٍ، من الإنجليزيّة إلى العربيّة، وعرضِها كاملةً تحت عنوان "انتهاكات حقوق الإنسان في السعوديّة" في حلقةٍ خاصّةٍ من برنامج "بانوراما" الشهير، علمًا أنّ العقد المذكور كان يُفترض أن يستمرّ لمدّةِ عشرِ سنواتٍ من الزمان، ناهيك عن أنّ هذه المدّة كانت قابلةً للتجديد. في هذا السياق، ولكي تتّضح الصورة أكثر، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ استضافة الدكتور المسعري في تلك النشرة الإخباريّة المسائيّة، وإنْ كانت قد تمّت أصلًا في خضمّ حملةٍ تضامنيّةٍ أطلقها ناشطون حقوقيّون بريطانيّون من أجل مناصرته في مواجهة قرار وزير الداخليّة البريطانيّ (في حينه) مالكوم ريفكيند القاضي بسحب حقّ اللجوء السياسيّ الممنوح له في المملكة المتّحدة، وبوجوب ترحيله إلى جمهوريّة الدومينيكان في البحر الكاريبيّ، بمعنى أنّها لم تكن موجَّهةً ضدّ السعوديّة كدولةٍ بقدْر ما كانت تستهدف الإضاءة على تداعيات حملة الحقوقيّين نفسها، ولكنّ ذلك لم يحُل في المحصّلة النهائيّة دون قيام شركة "أوربيت" بحجب إرسال النشرة الإخباريّة عبر شبكة أقمارها الصناعيّة طيلة الفترة الزمنيّة التي استغرقتها المقابلة مع الدكتور المسعري، الأمر الذي كان كافيًا لدفع الـ "بي بي سي – عربي" على ردّ الصاع صاعين عن طريق إلزام "أوربيت" أوّلًا بعدم تكرار محاولة حجب الإرسال مرّة أخرى تحت طائلة المسؤوليّة القانونيّة، وثانيًا عن طريق إيصال فحوى البرنامج الوثائقيّ الآنف الذكر كاملًا إلى منازل العرب الذين اعتادوا على متابعة إرسالها، خلال تلك المرحلة، من المحيط إلى الخليج. المعايير المهنيّة في الموازاة، لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى أنّ شركة "أوربيت" كانت بطبيعة الحال على درايةٍ تامّةٍ منذ البداية بأنّها مقبلةٌ على مواجهة أوقاتٍ عصيبةٍ مع "الهيئة البريطانيّة للإرسال"، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ شروط الانضمام إلى طاقم الخدمة العربيّة لدى التحضير لانطلاقتها كانت تستوجب نجاح المتقدِّم أوّلًا في الاختبار التحريريّ التقليديّ الذي لم يكن سهلًا على الإطلاق من حيث معاييره المهنيّة، وثانيًا، وهنا الأهمّ، في الإجابة بـ "نعم" عن سؤالٍ موحَّدٍ كان يُطرح على جميع الناجحين أثناء مقابلتهم المباشِرة لاحقًا مع مدير الخدمة العالميّة إيان ريتشاردسون ومفاده: "إذا كنتَ داخل غرفة الأخبار، وتلقّيتَ بيانًا عبر الفاكس من إحدى شركات تصنيع الويسكي في اسكوتلاندا يؤكِّد بالأرقام على أنّ أكبر سوقٍ لتسويق منتجات الشركة هي السوق السوداء في السعوديّة، فهل ستُحرِّر خبرًا بهذا الخصوص أم لا"؟ وأجزم بأنّ جميع المتقدِّمين الناجحين في الاختبار الذين أجابوا عن هذا السؤال بـ "لا"، تلقّوا في اليوم التالي رسائلَ اعتذارٍ عن عدم وجود أماكَن شاغرةٍ لهم في الخدمة التلفزيونيّة العربيّة، ولا سيّما أنّ العِبرة الأساسيّة هنا تتمثَّل في وجوب قيام المحرِّر بإعطاء الخبر حقَّه كاملًا، بغضّ النظر عن أيّ حسياسيّاتٍ من شأنها أن تترتَّب على بثِّه، نظرًا لأنّ مراعاة مثل هذه الحساسيّات في السياسات التحريريّة الخاصّة بأدبيّات الـ "بي بي سي" تُعتبَر انتقاصًا صارخًا للقيم وللمعايير المهنيّة، حتّى وإنْ كان المستهدَف في الخبر عرش صاحبة الجلالة الملكة إليزابيث الثانية في قصر باكينغهام العريق، طالما أنّ للخبر في المحصّلة النهائيّة مصدره الواضح والموثوق. وبناءً على ما تقدَّم، يمكن القول بكلّ أمانةٍ إنّ حكايةَ "الجزيرة" وأسبابَ التوجُّس المبكِّر منها بدأت على خلفيّة الالتزام بالمعايير المهنيّة عن طريق إسقاط نموذجٍ بريطانيٍّ عريقٍ على مشروعٍ إعلاميٍّ عربيٍّ حديث العهد، الأمر الذي اعتبره البعض نعمةً بينما اعتبره البعض الآخَر نقمةً.. وللحديث عن هذه الحكاية أكثر من تتمّةٍ.. وغدًا سأتطرَّق إلى العنصر الإسرائيليّ! (... يتبع)
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك