Advertisement

مقالات لبنان24

"الجزيرة".. كما لم نعرفها من قبل! (2)

جمال دملج

|
Lebanon 24
16-07-2017 | 12:32
A-
A+
Doc-P-337250-6367055599680636801280x960.jpg
Doc-P-337250-6367055599680636801280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
إذا كانت التقديرات حول ظروف تزامُن التمهيد للإعلان عن الطلاق النهائيّ بين شركة "أوربيت" السعوديّة و"الهيئة البريطانيّة للإرسال" مع عودة الزميل عدنان الشريف من الدوحة حاملًا معه مشروع تأسيس "قناة الجزيرة الفضائيّة" ما زالت متباينةً لغاية يومنا الراهن بين وجوب إدراجها في خانة محاسِن الصُدَف أو في خانة مساوىء الصُدَف، فإنّ مردّ ذلك يعود بطبيعة الحال إلى التباين المتواصل في وجهات النظر حول ما إذا كانت الأرض العربيّة قادرةً على استيعاب تجربةِ استنساخِ نموذجٍ إعلاميٍّ رائدٍ، من حيث قدرته على ترسيخ مفاهيم حرّيّة التعبير والمعايير المهنيّة الصِرفة، على شاكلة الـ "بي بي سي – عربي" في عهدها الأوّل (1994 – 1996)، أم لا؟ على هذا الأساس، ونظرًا لأنّ أكثر من ثمانين في المئة من أفراد الطاقم التحريريّ والإداريّ والفنّيّ الذين قُدِّر لهم أن يشكِّلوا عصبَ انطلاقة "الجزيرة" وسرّ تألُّقها ونجاجها كانوا قد تتلمذوا وتأستذوا أصلًا في مدرسة الـ "بي بي سي"، سواءٌ أولئك الذين ينتمون إلى الجيل الإذاعيّ الأوّل من أمثال جميل عازر وسامي حدّاد وفيصل القاسم وعدنان الشريف، أم أولئك الذين التحقوا بركب ذلك الجيل في أعقاب إطلاق الخدمة التلفزيونيّة من أمثال اسماعيل الأمين وصلاح نجم وأحمد الشيخ وابراهيم هلال، يُصبح في الإمكان القول بكلّ أمانةٍ إنّ "الجزيرة" لم يكن ليُقدَّر لها أن تحتلّ مكانتها المرموقة، منذ البداية، على خارطة الإعلام العالميّ الناطق باللغة العربيّة، لولا قيام أفراد هذا الطاقم بإسقاط نماذج تجاربهم المهنيّة البريطانيّة الغنيّة على الأراضي القطريّة. العنصر الإسرائيليّ لا شكّ في أنّ إحدى أبرز المسائل التي كادت تشكَّل عقباتٍ حقيقيّةً أمام اكتمال نضوج المعايير المهنيّة عند بعض الزملاء العرب، ولو إلى حين، كانت قد تجلَّت لدى محاولتهم العمل على كسر "الحاجز النفسيّ" القائم ما بينهم وما بين الإسرائيليّين، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الـ "بي بي سي – عربي" كانت المحطّة التلفزيونيّة الأولى التي فتحت أثيرها لاستضافة مسؤولين سياسيّين وعسكريّين واقتصاديّين من الدولة العبريّة، ليس بالضرورة لأيّ اعتباراتٍ ترويجيّةٍ أو مصلحيّةٍ خاصّةٍ ومحدَّدةٍ ومسيَّسةٍ لصالح هذا الطرف أو ذاك، وإنّما لأنّ العناوين العريضة والفرعيّة خلال تلك المرحلة الممتدَّة بين عاميْ 1994 و1995 كانت تتركَّز بشكلٍ طبيعيٍّ وتلقائيٍّ على ما سُمّي في حينه "قطف ثمار السلام" في الشرق الأوسط بعد التوقيع على "اتّفاقيّة أوسلو" بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، الأمر الذي سرعان ما راح عددٌ من الزملاء العرب يتكيّفون معه على مضضٍ، استنادًا إلى المعيار المهنيّ القائل بوجوب إعطاء الخبر حقَّه كاملًا، حسب ما أشرتُ إليه في مقال الأمس عن حالة شركة تصنيع الويسكي الاسكوتلانديّ في "السوق السوداء" السعوديّة، بينما راح عددٌ آخَر منهم يتّهمون على خلفيّته البريطانيّين بالعمل وفقًا لأجنداتٍ إسرائيليّةٍ، علمًا أنّ تلك الاتّهامات ما لبثت أن أُسقِطت من الحسابات بعدما اتّضَح لاحقًا للجميع أنّ إدارة الـ "بي بي سي" رفضت عرضًا رسميًّا إسرائيليًّا بتمويل الخدمة التلفزيونيّة العربيّة بمجرَّد الإعلان عن فسخ عقدها مع شركة "أوربيت" السعوديّة. الحياد الإيجابيّ من هنا، ونظرًا لأنّ العنصر الإسرائيليّ ظلّ حاضِرًا بفاعليّةٍ في المعايير المهنيّة للنموذج الإعلاميّ البريطانيّ الذي تمّ إسقاطه في دولة قطر لدى انطلاقة "الجزيرة" عام 1996، وعلى رغم أنّ بعض الزملاء ممّن كانوا قد تكيّفوا مع ذلك العنصر أثناء وجودهم في لندن حاولوا شطبه من معاييرهم بمجرَّد وصولهم إلى الدوحة، على أساس أنّ استضافة مسؤولين إسرائيليّين عبر أثير محطّةٍ تلفزيونيّةٍ ناطقةٍ باللغة العربيّة وتتّخذ من دولةٍ أجنبيّةٍ مقرًّا لها لا يُفترض أن تستمرّ في محطّةٍ تلفزيونيّةٍ مماثلةٍ تتّخذ من دولةٍ عربيّةٍ مقرًّا لها، إلّا أنّ الجدل حول هذا الموضوع سرعان ما حُسِم لصالح إعطاء الخبر حقَّه كاملًا ومهما كلَّف الأمر، وهو الجدل الذي أجزمُ بأنّ السلطات الرسميّة القطريّة اتّخذت حياله موقف الحياد الإيجابيّ ولم تتدخَّل فيه لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ بأيّ شكلٍ من الأشكال. ولكي تتّضح الصورة أكثر حول حدود العلاقة التي كانت قائمةً منذ البداية ما بين إدارة "الجزيرة" من جهةٍ وما بين دولة قطر من جهةٍ أخرى، فإنّني لن أنسى ما حدث بعد مرور قرابة العامين على الانطلاقة عندما بعث الزميل طلال الحاج رسالة بواسطة الفاكس من واشنطن إلى قسم المراسلين في الدوحة يسأل فيها عن التوقيت الذي يُفترض أن يحقن فيه تقريره عبر الأقمار الصناعيّة في الغد حول زيارة الأمير الشيخ حمد بن خليفة للولايات المتّحدة ولقائه المرتقب في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركيّ (وقتذاك) بيل كلينتون، فإذا بالردّ يأتي في الحال بأنّ لا شيء مهمًّا في الزيارة يستوجب إعداد تقريرٍ خاصٍّ عنها، وبأنّ غرفة الأخبار ستكتفي بتحرير خبرٍ قصيرٍ إذا ما صدرت في أعقاب انتهاء لقاء البيت الأبيض أيّ تصريحاتٍ تستحقّ الإشارة إليها. ردٌّ، وإنْ شكَّل بحدّ ذاته سابقةً غريبةً وعجيبةً في تاريخ الإعلام العربيّ من حيث علاقة المموَّلين بالمموِّلين، ولكنّ المغزى الأساسيّ فيه يتمثَّل في أنّه جسَّد بوضوحٍ نموذج الـ "بي بي سي" القائم على المعايير المهنيّة الخاصّة بوجوب إعطاء الخبر حقّه كاملًا، وهو الخبر الذي استوجبت ظروف زيارة الشيخ حمد للولايات المتّحدة أن يكون قصيرًا، نظرًا لأنّ الرجل كان يقوم في الأصل برحلةٍ خاصّةٍ.. وهذا فصلٌ هامٌّ آخَرُ من فصول حكاية "الجزيرة".. وغدًا سأتطرّق إلى مسألة الإرهاب في فصلٍ جديد! (... يتبع)
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك