Advertisement

مقالات لبنان24

"الجزيرة".. كما لم نعرفها من قبل! (3)

جمال دملج

|
Lebanon 24
16-07-2017 | 12:39
A-
A+
Doc-P-337252-6367055599718172791280x960.jpg
Doc-P-337252-6367055599718172791280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لم تكد تصل الألفيّة الثانية إلى خواتيمها حتّى صار لاسم "الجزيرة" وقعٌ تُطرب لسماعه آذان الملايين من المشاهدين والمتابعين والمهتمّين على طولِ خارطة الوطن العربيّ وعرضِها، الأمر الذي سرعان ما حفَّز دولًا خليجيّةً أخرى على محاولة خوض غمار التجربة القطريّة، ولا سيّما بعدما أدرك قادة هذه الدول، أو وزراء إعلامها على أقلّ تقدير، أنّه كلَّما كان شعار "قناة الجزيرة من قطر" يتردَّد عبر الأثير بصوت الزميل جميل عازار الجهوريّ بامتيازٍ منذ زمان شعار "هنا لندن – هيئة الإذاعة البريطانيّة" الذي لا بدّ من أنّ أبناء جيلي ما زالوا يتذكّرون أصداءه بالطبع، كلَّما كانت مكانة قطر تتعزَّز باضطرادٍ على الساحات الخليجيّة والعربيّة والدوليّة، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ شهرة "الجزيرة" كانت قد وصلت وقتذاك إلى حدّ تشجيع مؤسّساتٍ إعلاميّة أجنبيّةٍ عدّةٍ على السعي في اتّجاه سبر أغوار تلك المؤسّسة الإعلاميّة العربيّة الرائدة، على غرار ما فعله التلفزيون النرويجيّ مثلًا عندما أعدّ برنامجًا وثائقيًّا بلغته المحلّيّة حول هذا الموضوع، وهو البرنامج الذي صنَّفني مشكورًا على المستوى الشخصيّ، ومن دون أن أعرف بذلك إلّا بمحض الصدفة بعد بثِّه بعدّةِ أشهرٍ، على أساس أنّني المراسل التلفزيونيّ الذي حقَّق لـ "الجزيرة" تمايزها الأوّل في مجال تغطيةِ أحداثٍ ذاتِ أبعادٍ عالميّةٍ أثناء الحملة العسكريّة الأميركيّة – الأطلسيّة على يوغسلافيا عام 1999، قبل أن يُشار لاحقًا إلى التصنيف ذاته في سياق كتابٍ صدر بالإنجليزيّة عام 2004 عن "دار ماكفرلاند" الأميركيّة تحت عنوان: "ثقافة الجزيرة.. داخل عملاقٍ إعلاميٍّ عربيٍّ"، وهو الكتاب المدرَج كمرجعٍ معتمَدٍ في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتّحدة. على هذا الأساس، وتماشيًا مع تنامي الحضور القطريّ وانتعاشه وفقًا للمؤشِّرات الآنفة الذكر، كان لافتًا أن تُبادر "مؤسّسة الإمارات للإعلام" بالإعلان عن أنّ مطلع الألفيّة الثالثة سيشهد على تحوُّل "قناة أبو ظبي الفضائيّة" من إخباريّةٍ منوَّعةٍ إلى إخباريّةٍ وثائقيّةٍ على شاكلة "الجزيرة"، تمامًا مثلما كان لافتًا أيضًا تزامُن هذا الإعلان مع شروع السلطات المحلّيّة في إمارة دبي ببناء ما سوف يُعرف لاحقًا بـ "مدينة دبي للإعلام"، وذلك بعدما حصلت هذه السلطات على وعدٍ من الشيخ السعوديّ وليد الإبراهيمي بنقل مؤسّسة "إم بي سي" التي يملكها من لندن إلى مدينة الإعلام الجديدة في الإمارة فور الانتهاء من عمليّة بنائها. أسامة بن لادن في تلك الأثناء، وبالإضافة إلى ما سجَّلته "الجزيرة" من تمايزٍ مهنيٍّ في الحدث اليوغسلافيّ الآنف الذكر، جاءت المقابلة الحصريّة الشهيرة التي أجراها الزميل جمال إسماعيل مع زعيم "تنظيم القاعدة" أسامة بن لادن لترفع من أسهم القناة في أوساط المشاهدين بشكلٍ مثيرٍ ومبهرٍ على حدٍّ سواء، ولا سيّما أنّ طريقة العرض عبر الأثير تمّت وفقًا لمعايير احترافيّةٍ بعدما أُدرِجَت المقابلة في سياق برنامجٍ متكاملٍ حمل عنوان "رجلٌ ضدّ دولةٍ.. ودولةٌ ضدّ رجلٍ"، وهو البرنامج الذي أعدّه وقدّمه مدير أخبار "الجزيرة" وقتذاك الزميل صلاح نجم. وعلى رغم أنّ هجمات الحادي عشر من أيلول على برجيْ مركز التجارة العالميّ في نيويورك ومقرّ البنتاغون في واشنطن لم تكن قد وقعت بعد، فإنّ أهمّيّة المقابلة مع بن لادن تمثَّلت في أنّها أُجريت بالتزامُن مع قيام الولايات المتّحدة بتخصيص مكافأةٍ ماليّةٍ قيمتها خمسةٌ وعشرون مليون دولار لمَن يساهم في تمكينها من إلقاء القبض عليه من أجل مقاضاته على خلفيّة التهم الموجَّهة إليه بشأن ضلوعه المفترَض في عمليّتيْ التفجير اللتين استهدفتا مقرّيْ السفارة الأميركيّة في كلٍّ من العاصمتين الكينيّة نيروبي والتانزانيّة دار السلام عام 1998، والأكثر أهمّيّة من ذلك هو أنّ الفكر الجهاديّ الذي يمثِّله بن لادن نفسه كان لا يزال يحظى بقاعدةٍ جماهيريّةٍ واسعة النطاق، حتّى داخل دول الخليج العربيّ، الأمر الذي غالبًا ما كانت مؤشِّراته تظهر بوضوحٍ في سياق خُطَب أئمّة المساجد أثناء تأدية فريضة صلاة يوم الجمعة، وخصوصًا عندما كانوا يتوجَّهون بالدعاء إلى المولى سائلين: "اللهمّ انصر إخواننا المجاهدين في أفغانستان والشيشان والبوسنة وكوسوفو".. وهذه مسألةٌ لم تكن خافيةً على أحد. العروض السخيّة من هنا، كان لا بدّ لـ "قناة أبو ظبي الفضائيّة" من أن تُبادر إلى إغراء كوادر "الجزيرة" عن طريق تقديم عروضٍ ماليّةٍ سخيّةٍ لهم، الأمر الذي سرعان ما تبيَّن لاحقًا أنّه كان بمثابةِ فخٍّ منصوبٍ بعنايةٍ فائقةٍ، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الوعد الخاصّ بتحوُّل القناة إلى إخباريّةٍ – وثائقيّةٍ لم يقدَّر للإدارة أن تفي به، علاوةً على أنّ المعايير المهنيّة لنشرات الأخبار كانت قد وصلت هبوطًا ذات مرّةٍ إلى حدّ الإعلان على الهواء مباشَرةً، أثناء تغطية وقائع غزو العراق عام 2003، عن أنّ طارق عزيز طلب الحصول على حقّ اللجوء السياسيّ في كردستان بينما كان الرئيس صدّام حسين لا يزال يتنقَّل طليقًا في بغداد، ناهيك عن الطامة الكبرى التي وقعت قبل ذلك بقرابة العاميْن عندما أصرّت إدارة القناة على مواصلة بثِّ برنامج "ركِّز مع زكي" للأطفال بينما كانت كافّة الفضائيّات، من أقصى العالم إلى أقصاه، تَبثُّ الصور الحيّة لهجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 على واشنطن ونيويورك، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر. الشجرة المثمرة وإذا كانت "قناة أبو ظبي الفضائيّة" قد قرَّرت عام 2003 العودة للاهتمام بالشؤون المحلّيّة والتركيز عليها، تاركة الشؤون العربيّة والدوليّة للآخَرين، وخصوصًا بعدما راحت سبحة افتتاح الفضائيّات تكرّ اعتبارًا من ذلك العام بشكلٍ لافت، بدءًا من "قناة العربيّة"، مرورًا بـ "الحرّة" و"روسيا اليوم" و"الآن" و"صانعو القرار"، ووصولًا إلى "فرانس 24" و"سكاي نيوز – عربيّة" و"دويتشه فيلله" و"العربي" و"الغد" و"الميادين" وغيرها، فإنّ البيت في القصيد هنا يتمثَّل في أنّ أيًّا من تلك الفضائيّات، وعلى رغم تعدُّد العواصم التي تتَّخذ منها مقرّاتٍ لها، لم تتمكّن في أيّ يومٍ من الأيّام من التسبُّب بإثارة أيّ جدلٍ على غرار ما تثيره "الجزيرة" باستمرار، باستثناء "الميادين"، الأمر الذي يمكن أن يندرج في سياق المثل القائل "إنّ الشجرة المثمرة وحدها تُقذَف بالحجارة". هذا الكلام، وإنْ كان لا ينطوي على أيّ نيّةٍ في القفز فوق الكثير من الأخطاء المهنيّة التي ارتكبتها "الجزيرة" لاحقًا، وخصوصًا في غمرة تداعيات "ربيع العرب" ومشتقّاته، ولكنّ الأمانة الأخلاقيّة تستوجب التأكيد على أنّ أحدًا لم يكن معصومًا عن ارتكاب الأخطاء في تقديراته حول تداعيات ذلك الربيع الأشبه بـ "النكبة" على العرب بأجمعهم، الأمر الذي يمكن تبريره، ولو على مضضٍ، على أساس أنّ النكبات غالبًا ما تُفقِد الناس توازنهم، ولو إلى حينٍ، وبالتالي، على أساس أنّ الجميع يُفترض أنّ يتحمّلوا المسؤوليّة بالتساوي عن تلك الأخطاء، وليس "الجزيرة" وحدها. وإذا كان ثمّة ما يُغري في الختام بإعادة التذكير بالمعايير المهنيّة البريطانيّة الخاصّة بوجوب "إعطاء الخبر حقّه كاملًا"، حسب ما أشرتُ إليه أكثر من مرّةٍ في سياق الحديث عن نموذج "بي بي سي"، فإنّ مردَّ ذلك يتمثَّل في وجوب الإشارة إلى أنّ أكثر النماذج الإعلاميّة احترافيّةً لا بدّ من أن تفقد الكثير من سمات تألّقها وبريقها مع تقادم الزمن عندما يستخدمها العرب في بلادهم، الأمر الذي ينطبق بكلّ بساطةٍ على مسبِّبات الجدل الدائر حول "الجزيرة" في هذه الأيّام.. وإلّا، لما بقي هذا النموذج ناجحًا عند العرب، ولكن على الأراضي البريطانيّة، منذ إعادة إطلاق خدمة "بي بي سي – عربي" التلفزيونيّة في عهدها الثاني، من دون عقدٍ مع شركة "أوربيت"، ومن دون إثارة أيّ جدلٍ غير مبرَّرٍ حولها، قبل نحو أحد عشر عامًا ولغاية اليوم.. وأغلب الظنّ أنّ المطبّات التي راحت تعترض مسيرة "الجزيرة" بدأت في الأصل مع تخلّي إدارة تحريرها تدريجيًّا عن الالتزام بمعايير هذا النموذج.. وهنا يكمن البيت في القصيد!
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك