Advertisement

مقالات لبنان24

عاصفة "السوخوي".. وبوادر النصر الروسيّ الأكيد في سوريا (3)

جمال دملج

|
Lebanon 24
14-09-2017 | 02:30
A-
A+
Doc-P-365844-6367055824241465721280x960.jpg
Doc-P-365844-6367055824241465721280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لا يمكن للحديث عن بوادر النصر الروسيّ الأكيد في سوريا أن يكتمل من دون العودة إلى فحوى الخطاب التاريخيّ الشهير الذي ألقاه الرئيس فلاديمير بوتين أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في نيويورك بتاريخ الثامن والعشرين من شهر أيلول عام 2015، ولا سيّما أنّ العنوان العريض لهذا الخطاب، وإنْ كان قد تركَّز على الإعلان عن اعتزام روسيا شنّ حربها على الجماعات الإرهابيّة المتطرِّفة فوق الأراضي السوريّة، ولكنّ العناوين الفرعيّة ما لبثت أن أكَّدت على بديهيّةٍ مؤدَّاها أنّ القيادة السياسيّة في قصر الكرملين لم تكن تخطِّط في الأصل للتفرُّد في هذه الحرب بقدْر ما أرادت تصحيح إبرة بوصلتها، الأمر الذي سرعان ما تجلّى بوضوحٍ عندما دعا الرئيس بوتين يومذاك مجلس الأمن الدوليّ إلى بحث إمكانيّة التوصُّل إلى صياغةِ قرارٍ ينصّ على تنسيق جهود جميع القوى المناهضة لتنظيم "داعش" والجماعات الإرهابيّة الأخرى التي تدور في فلكه، تمهيدًا لتشكيل تحالفٍ دوليٍّ جديدٍ مماثلٍ للتحالف الذي تمّ تشكيله من أجل محاربة النازيّة خلال الحرب العالميّة الثانية، مشدّدًا على ضرورة أن يعتمد هذا التنسيق على مبادئ ميثاق الأمم المتّحدة، وغامزًا نظيره الأميركيّ (وقتذاك) باراك أوباما من باب التساؤل بسخريّةٍ: "كيف يمكن للولايات المتّحدة يا ترى أن تكون قادرةً على رؤية الماء على سطح كوكب المرّيخ بينما تعجز عن رؤية مقرّات وتحرّكات عناصر "داعش" على سطح كوكب الأرض في سوريا والعراق"؟ لا شكّ في أنّ هذا التساؤل الساخر جاء في الأساس على خلفيّة ما اختزنه الرئيس بوتين في ملفّاته من تقاريرَ استخباراتيّةٍ لطالما أثبتت له عدم فاعليّة التحالف الدوليّ الذي كان الرئيس أوباما قد أعلن عن تشكيله قبل ذلك التاريخ بعامٍ كاملٍ في مجال مكافحة الإرهاب، الأمر الذي سرعان ما تأكَّد لاحقًا بلغة الأرقام، وذلك بعدما أظهرت التقارير الميدانيّة أنّ حصيلة الغارات الجوّيّة التي شنّتها المقاتلات الروسيّة على مواقع التنظيمات الإرهابيّة في سوريا خلال الأسبوع الأوّل فقط من عمر الحملة العسكريّة، فاقت في مدى فاعليّتها على الأرض ما أسفرت عنه حصيلة أكثر من ألفين وخمسمئةِ غارةٍ مماثلةٍ شنّها الأميركيّون وحلفاؤهم ضدّ مواقع التنظيمات نفسها خلال ثلاثة عشر شهرًا، وبدرجةٍ لم تكن إدارة الرئيس أوباما تتوقَّعها على الإطلاق. أزمة الشركاء الدوليّين ولعلّ اللافت هنا هو أنّ قواعد الاشتباك الجديدة التي فرضتها "عاصفة السوخوي" في الفضاء السوريّ اعتبارًا من يوم الثلاثين من شهر أيلول عام 2015، وعلى رغم أنّها كانت كافيةً لحثّ قادة التحالف الدوليّ المؤلَّف من ستّين دولةً على الاستجابة لدعوة الرئيس بوتين الآنفة الذكر بخصوص وجوب تصويب إبرة بوصلة حربهم على الإرهاب، بما يضمن لهم الحفاظ على ماء وجوههم في موازاة التفوُّق الروسيّ المبكِّر، فإنّ الولايات المتّحدة لجأت عوضًا عن ذلك إلى محاولة العمل على قطع الطريق أمام فرص حصول أيِّ تقاربٍ سياسيٍّ أو تنسيقٍ عسكريٍّ مع موسكو، علمًا أنّ القيادة الروسيّة لم تتأخَّر يومًا في إطلاع الدول المعنيّة بالأزمة السوريّة على خططها الرامية إلى محاربة الإرهاب، حتّى قبل بدء العمليّات العسكريّة، بمن فيهم الدول الإقليميّة مثل إسرائيل وتركيا وإيران والسعوديّة والعراق. الشريك الإيرانيّ وإذا كانت المحاولات الأميركيّة قد وصلت في البداية إلى حدّ السعي في اتّجاه تعكير المياه الروسيّة – الإيرانيّة عن طريق عرض حزمةٍ من الحوافز الاقتصاديّة على الجمهوريّة الإسلاميّة في أعقاب تسوية أزمة برنامجها النوويّ، أملًا في الإيحاء بقدرة صنّارة البيت الأبيض على الاصطياد في تلك المياه، فإنّ سحر العلاقات الوطيدة بين موسكو وطهران سرعان ما انقلب على ساحر واشنطن، ولا سيّما أنّ التطوّر الميدانيّ اللافت الذي طرأ في اليوم السابع من عمر "عاصفة السوخوي" على إيقاع قيام السفن الحربيّة الروسيّة بإطلاق ستّةٍ وعشرين صاروخًا من أماكنِ تواجدها في بحر قزوين على مواقع الجماعات الإرهابيّة في سوريا، لم يكن أكثر أو أقلّ من رسالةٍ صريحةٍ ومباشِرةٍ استهدفت تذكير الأميركيّين بأنّ الرياح الروسيّة – الإيرانيّة لطالما جرت معًا على مرّ التاريخ الحديث بما لا تشتهيه سفنهم في ذلك البحر، وهي الرسالة التي سرعان ما تردَّد صداها مجدَّدًا في الولايات المتّحدة بعدما التقى الرئيس بوتين في طهران مع نظيره الإيرانيّ حسن روحاني ومرشد الثورة علي خامنئي، وطمأنهما بأنّ بلاده لا تطعن الشركاء من الخلف، لتترسّخ إثر ذلك مقوّمات التنسيق بين الجانبين في الميدان العسكريّ على الساحة السوريّة اعتبارًا من يوم الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 2015 ولغاية يومنا الراهن. الشريك التركيّ أمّا بالنسبة إلى العلاقات الروسيّة – التركيّة، ومع الأخذ في الاعتبار أنّها لم تكن في الأصل على أحسن ما يرام، فقد جاءت حادثة إسقاط قاذفة "السوخوي" بصاروخٍ أطلقته مقاتلةٌ تابعةٌ لسلاح الجوّ التركيّ عند تخوم الحدود السوريّة لتزيد من الطين بلّةً بين البلدين، ولا سيّما أنّ تزامُن وقوعها بعد مرور يومٍ واحدٍ على انتهاء زيارة الرئيس بوتين لطهران، حمل من المؤشِّرات ما بدا كافيًا في حينه للدلالة على أنّها دُبِّرت بإيعازٍ أميركيٍّ على أمل أن تؤدّي إلى إحداث حالة إرباكٍ من شأنها استدراج القوّات الروسيّة إلى الدخول في مواجهةٍ مباشِرةٍ عبر البوّابة التركيّة مع حلف شماليّ الأطلسيّ، الأمر الذي سرعان ما ارتدّ على مدبِّريه مثل السحر الذي ينقلب على الساحر أيضًا. وعلى رغم أنّ هذه الحادثة كادت تتسبَّب بإيصال العلاقات بين موسكو وأنقرة إلى حدّ القطيعة، فإنّ إدراك الجانبين لواقع الحال القائم على أنّ ما يجمع بينهما من مصالحَ أكثر بكثيرٍ ممّا يفرقّهما، كان له بالغ الأثر في تشجيعهما على طيّ صفحة الماضي، فإذا بالرئيس رجب طيّب أردوغان يزور موسكو لإتمام المصالحة مع الرئيس بوتين، وإذا بالتنسيق الروسيّ – التركيّ على الساحة السوريّة يؤتي بثماره في أعقاب تحقيق إنجاز تحرير مدينة حلب من سطوة الإرهابيّين أواخر العام الماضي، وكذلك من خلال إطلاق المفاوضات السوريّة – السوريّة التي تستأنف جولتها السادسة اليوم في العاصمة الكازاخيّة أستانا وسط أجواءٍ مبشِّرةٍ يُتوقَّع أن تظهر لدى الإعلان عن اختتامها نهار غدٍ الجمعة. النصر الأكيد وإذا كان اثنان لا يختلفان على أنّ طريق الجمع بين أركان الثلاثيّ الروسيّ – الإيرانيّ – التركيّ الضامن لمفاوضات أستانا لم يكن سهلًا بأيّ مقياسٍ من المقاييس، فأغلب الظنّ أنّ ما ساهم في تذليل العقبات يتمثّل في أنّ سياسة الوضوح البنّاء التي تعتمدها روسيا غالبًا ما تجمع بين الدول على قاعدة الاحترام المتبادَل والمصالح المشترَكة، خلافًا لسياسة الغموض البنّاء الأميركيّة التي أثبتت التجارب أنّها لم تُنتج سوى الأزمات والصراعات والحروب على حساب قواعد الاحترام والمصالح والسلام.. وحسبي أنّ روسيا لم يكن ليُقدَّر لها النجاح في تحقيق ما حقَّقته من مكاسبَ سياسيّةٍ وديبلوماسيّةٍ واستراتيجيّةٍ بالغة الأهميّة من حيث دلالاتها المتعلِّقة بشكل موازين القوى الدوليّ والإقليميّ الذي سيُحدِّد ملامح الشرق الأوسط الجديد، اعتبارًا من الآن وحتّى إشعارٍ آخَر، لولا براعتها في مجال ضبط إيقاع العلاقات بين الأمم والشعوب على مقياس سياسة الوضوح البنّاء، وإلّا لما كانت بوادر نصرها الأكيد على الإرهاب في سوريا قد ظهرت في غضون عاميْن من الزمان فقط.. وهذا إنجازٌ قياسيٌّ لا بدّ من أن يبقى عِبرةً لمن اعتبَر.. والخير دائمًا من وراء القصد! يمكنكم الإطلاع على الجزء الأول والجزء الثاني من عاصفة "السوخوي".. وبوادر النصر الروسيّ الأكيد في سوريا.
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك