Advertisement

مقالات لبنان24

روسيا تملأ الفراغ الأميركيّ في آسيا الوسطى.. فماذا عن أفغانستان؟

جمال دملج

|
Lebanon 24
17-09-2017 | 05:53
A-
A+
Doc-P-367351-6367055835856389721280x960.jpg
Doc-P-367351-6367055835856389721280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
ربّما من السابق للأوان التحدُّث في الوقت الراهن عمّا إذا كانت روسيا عازمةٌ بالفعل على استكمال حربها على الإرهاب عن طريق استهداف منابعه الأصليّة فوق الأراضي الأفغانيّة وتجفيفها حتّى الإرهابيّ الأخير، ولكنّ مجرَّد الاستماع إلى الرئيس فلاديمير بوتين لدى تحدُّثه البارحة عن "الموقع الجغرافيّ المحوريّ والهامّ جدًّا" الذي يحتلّه بلدٌ مثل قرغيزيا في منطقة آسيا الوسطى، سرعان ما عزَّز هذه الفرضيّة ورفع من نسبة احتمالات تطبيقها عمليًّا في المستقبل القريب إلى درجاتٍ قياسيّةٍ، ولا سيّما بعدما بدَت الدعوة الأخيرة التي حثّ فيها حمزة بن لادن مناصري تنظيم "القاعدة" على استئناف الجهاد وكأنّها جاءت في سياقِ محاولةٍ تستهدف تحريك "أوكار الدبابير" في تلك المنطقة، الأمر الذي لا بدّ من أن يستوجب القيام بتحرُّكٍ عسكريٍّ روسيٍّ فاعلٍ في المقابل، درءًا لكافّة أشكال المخاطر المحتمَلة، وبما من شأنه أن يؤهِّل الروس لتحقيق ما عجز الأميركيّون عن تحقيقه طيلة سنوات حربهم على الإرهاب في أفغانستان منذ عام 2001 ولغاية الآن، على غرار ما نشهده في هذه الأيّام من إنجازاتٍ سياسيّةٍ وعسكريّةٍ واستراتيجيّةٍ روسيّةٍ على الساحة السوريّة. على هذا الأساس، كان لافتًا أن يتطرَّق الرئيس بوتين للدور الكبير الذي لعبته قرغيزيا على مرّ التاريخ في مجال المحافظة على القدرات الدفاعيّة للاتّحاد السوفييتيّ وتعزيزها، مشدِّدًا في الموازاة على أهمّيّة وجود القاعدة الجوّيّة الروسيّة في مدينة "قانت" القرغيزيّة، وهي القاعدة التي كانت قد افتُتِحت في شهر تشرين الأوّل عام 2003 على مسافةٍ تبعد نحو ثمانيةٍ وأربعين كيلومترًا عن قاعدة "ماناس" الأميركيّة التي افتَتحتها الولايات المتّحدة في شهر كانون الأوّل عام 2001، أيْ بُعيْد بدء حربها على الإرهاب في أفغانستان، الأمر الذي مكَّن موسكو من الوقوف على أهبَّة الاستعداد في مواجهة احتمالات حدوث أيّ "شطحةٍ استراتيجيّةٍ" لواشنطن بذريعةِ محاربة عناصر طالبان والقاعدة، ولا سيّما أنّ قاعدة "ماناس" لم تكن تبعد أكثر من أربعمئةٍ وثمانين كيلومترًا فقط عن الحدود الصينيّة، بينما تبعد حوالي ستِّمئةٍ وأربعين كيلومترًا عن الحدود الأفغانيّة. وإذا كانت السلطات القرغيزيّة قد طوَت الصفحة الأخيرة من ملفّ الوجود العسكريّ الأميركيّ على أراضيها اعتبارًا من شهر تمّوز عام 2014، وذلك إثر اتّخاذِ قرارٍ يقضي بتجميد الاتّفاقيّة الموقَّعة بين الطرفين بهذا الخصوص، فإنّ ملامح الارتياب من الشطحات الأميركيّة المذكورة بدَت واضحةً في طيّات ذلك القرار، ولا سيّما بعدما اتّضح أنّ الولايات المتّحدة سعت إلى استنساخ نمّوذجيْ "الثورة البرتقاليّة" في أوكرانيا عام 2004 و"الثورة البيضاء" في جورجيا عام 2005 بما عُرف بـ "الثورة التوليبيّة" في قرغيزيا عام 2008، الأمر الذي دلّ في حينه على أنّ نهم المخطِّطين الاستراتيجيّين الأميركيّين في مجال العمل على زعزعة استقرار هذه الدول، بما يضمن لواشنطن تسجيل نقاطٍ لصالحها في لعبة التنافس على مراكز القوى ضدّ موسكو، لم يكن يتوقَّف عند أيّ حدٍّ على الإطلاق. ولعلّ ما يعزِّز صوابيّة هذا الاعتقاد هو أنّ تجربة الوجود العسكريّ الأميركيّ في أوزبكستان كانت قد انتهت في شهر تمّوز عام 2005 بصفعةٍ وجَّهها الرئيس الأوزبكيّ الراحل إسلام كريموف للولايات المتّحدة بعدما قرَّر طرد جنودها طردًا مهينًا من قاعدة "خان أباد" الجوّيّة الواقعة على مسافةٍ تبعد نحو مئتيْ كيلومترٍ عن الحدود الأفغانية، مبرِّرًا هذه الخطوة بأنّها كانت ضروريّةً وملحَّةً إثر "نفاذ صبره" جرّاء وصول الممارسات الأميركيّة في بلاده إلى حدّ تقديم كافّة أشكال الدعم لـ "حزب التحرير الإسلاميّ" المحظور، الأمر الذي تسبَّب عام 2004 باندلاع الانتفاضة الشهيرة في مدينة "أنديجان" التي خلَّفت وراءها مئات الضحايا بين قتيلٍ وجريحٍ ومفقود، وذلك على رغم أنّ الاتّفاق بين طشقند وواشنطن بخصوص حقّ استخدام القاعدة العسكريّة المذكورة كان قد أُبرِم في شهر تشرين الأوّل عام 2001 مقابل حوافزَ ماليّةٍ مغريةٍ تمثَّلت ببدلِ إيجارٍ قيمته مئتان وسبعون مليون دولارٍ، إلى جانب منحةٍ قدرها مئة مليون دولارٍ، وقرضٍ بقيمة مئة مليون دولارٍ أخرى من بنك التصدير والاستيراد الأميركيّ. من هنا، يُصبح في الإمكان القول إنّ وصول معظم دول آسيا الوسطى إلى قناعةٍ راسخةٍ مؤدَّها أنّ السير وراء "البوم الأميركيّ" سيدلّ حتمًا في نهاية المطاف على الخراب، كان له بالغ الأثر في تشجيع قادة هذه الدول على إعادة تفعيل حضورها تحت مظلّة "رابطة الدول المستقلّة عن الاتّحاد السوفييتي" بقوّةِ دفعٍ روسيّةٍ خالصة، الأمر الذي تجلّى البارحة لدى تسليط الضوء مجدَّدًا على أهمّيّة وجود القاعدة الروسيّة في قرغيزيا، تمامًا مثلما تجلّى مرارًا في ما أظهره الرئيس الأوزبكيّ شوكت ميرزاييف منذ فوزه في انتخابات شهر كانون الأوّل عام 2016 من حرصٍ شديدٍ على استمرار الشراكة الاستراتيجيّة مع روسيا وفقًا لما كان عليه الحال في عهد الرئيس الراحل إسلام كريموف، وتمامًا مثلما تجلّى أيضًا قبل ذلك في شهر تشرين الأوّل عام 2013 عندما صادق البرلمان الطاجيكيّ على تمديد فترة الوجود العسكريّ الروسيّ في طاجيكستان لثلاثين عامًا بحضور الرئيسين فلاديمير بوتين وإمام علي رحمانوف. وإذا كان اثنان لا يختلفان على البديهيّة القائلة بأنّ تقوية زوايا المثلَّث الطاجيكيّ – الأوزبكيّ – القرغيزيّ تعتبر شرطًا أساسيًّا لتوفير مقوِّمات النصر في أيّ حربٍ على الإرهاب تدور رحاها داخل الأراضي الأفغانيّة، فإنّ خلاصة القول هنا تتمثَّل في أنّ روسيا باتت جاهزةً اليوم، وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، للدخول في هذه الحرب، وذلك لاعتباراتٍ عديدةٍ، وإنْ كانت تصبّ في مجملها في سياق الحرب على الإرهاب، بنسختها الروسيّة الخالصة، ولكنّ أهمّها قد يتمثَّل في ردّ الاعتبار للهزيمة التي مُني بها الجيش السوفييتيّ الأحمر على يد الحركات الجهاديّة المسلَّحة فوق تلك الأراضي في أواخر ثمانينيّات القرن الماضي، وهي الهزيمة التي ظلّت تترك البصمة السلبيّة تلو الأخرى على الشخصيّة القوميّة الروسيّة طيلة السنوات الماضية.. وحسبي أنّ المعركة باتت شبهَ محسومةٍ ولا تحتاج سوى إلى تحديد ساعة الصفر.. وهنا يكمُن البيت في القصيد!
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك