Advertisement

مقالات لبنان24

جليد السياسة بين موسكو ولندن.. وعِبرةٌ من التاريخ!

جمال دملج

|
Lebanon 24
15-10-2017 | 02:41
A-
A+
Doc-P-381245-6367055942949498651280x960.jpg
Doc-P-381245-6367055942949498651280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
تمامًا مثلما كانت رئيسة الوزراء البريطانيّة الراحلة مارغريت تاتشر عرّابة انفتاح دول المعسكر الغربيّ على مهندس "البيروسترويكا" في الاتّحاد السوفييتيّ ميخائيل غورباتشوف في منتصف ثمانينيّات القرن العشرين، فإنّ خلَفَها في "عشرة – داونينغ ستريت" من بَعْد جون ميجور، أيْ طوني بلير، كان يُفترَض أن يقوم في مطلع الألفيّة الثالثة بدورٍ مماثلٍ على صعيد إعادة ترطيب أجواء العلاقات الروسيّة – الأميركيّة، وخصوصًا بعدما بلَغَت ذروة التوتّر في أعقاب لقاء القمّة الأوّل الذي جمع بين الرئيسين فلاديمير بوتين وبيل كلينتون في قصر الكرملين بتاريخ الرابع من شهر حزيران عام 2000، وذلك على خلفيّة إعلان الولايات المتّحدة عن اعتزامها إقامة ما سُمّي بـ "منظومة الدفاع القوميّة ضدّ خطر الصواريخ الباليستيّة"، وهي المنظومة التي رأى فيها الرئيس بوتين، على غرار حليفيْه الأساسيّيْن، في حينه، الرئيس الفرنسيّ الراحل جاك شيراك والمستشار الألمانيّ السابق غيرهارد شرودر، أنّها تشكِّل انتهاكًا صارخًا لبنود اتّفاقيّة "إي بي إم" الموقَّعة عام 1972 بين موسكو وواشنطن، ومن شأنها أن تؤدّي إلى إطلاق سباقٍ دوليٍّ جديدٍ على التسلُّح. وبالفعل، فقد وصل بلير بتاريخ الحادي والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 2000 إلى العاصمة الروسيّة في زيارةٍ استطلاعيّةٍ استهدفت تحديد المدى الذي يمكن للرئيس بوتين أن يصل إليه في مجال التجاوب مع أيِّ مسعىً بريطانيٍّ من شأنه تخفيف حدّة الاحتقان مع الأميركيّين، الأمر الذي كانت نتائجه مشجِّعةً للغاية، ولا سيّما أنّ الحفاوة بالضيف الزائر لم تقتصر يومذاك على مراسم الاستقبال الرسميّة التقليديّة في قصر الكرملين وحسب، بل وصلت إلى حدّ قيام سيّد هذا القصر باصطحابه للتجوّل ولتناول العشاء في أماكنَ عامّةٍ، بعيدًا عن أيّ شكلٍ من أشكالِ البروتوكولات، ولدرجةِ أنّ تفاؤل مصادر وزارتيْ الخارجيّة في كلٍّ من موسكو ولندن وصل على الفور إلى حدّ الترويج لحملةٍ إعلاميّةٍ مؤدّاها أنّ شهرَ عسلٍ طويلًا بدأ للتوّ بين البلدين في أعقاب إتمام هذه الزيارة. ولكن على رغم كافّة هذه المؤشِّرات الإيجابيّة، فإنّ ما حصل لاحقًا هو أنّ رئيس الوزراء البريطانيّ بادر بشكلٍ مفاجىءٍ إلى التراجع عن مواقفه السابقة، وخصوصًا عندما أعلن في مطلع شهر شباط عام 2001 عن تأييده المطلَق للمنظومة الدفاعيّة الأميركيّة، الأمر الذي فُسِّرت أسبابه في حينه على أنّها تعود إلى وجوب توفير "متطلّبات" الاندفاعة القويّة لبداية عهد الرئيس الجديد جورج دبليو بوش في البيت الأبيض، وهي الأسباب التي ما لبثت أن تأكَّدت لدى وصول الرئيس الأميركيّ بعد قرابة الخمسةِ أشهرٍ إلى بريطانيا، وتحديدًا خلال لقاء القمّة الذي جمعه مع بلير في بلدة "تشيكرز" الريفيّة يوم التاسع عشر من شهر تمّوز من العام نفسه، أيْ قبل قرابة الشهرين فقط من وقوع "هجمات الحادي عشر من أيلول" في الولايات المتّحدة، ليبدأ إثر ذلك العمل على تفعيل مبدأ الشراكة الاستراتيجيّة الأميركيّة – البريطانيّة بديناميّةٍ جديدةٍ، وهي الشراكة التي سرعان ما راحت تنتعش باضطرادٍ أثناء الحرب على الإرهاب في أفغانستان، ومن ثمّ أثناء غزو العراق عام 2003، ولكنْ في موازاةِ تدهورٍ مضطردٍ أيضًا في مسار العلاقات الروسيّة – البريطانيّة، كاد يصل مرارًا إلى حدّ القطيعة. وإذا كانت تجلّيات هذا التدهور قد اتّخذت أشكالًا مختلِفةً طيلة سنوات العقد الأوّل من الألفيّة الثالثة، وخصوصًا من جهة ما يتعلَّق بالكشف عن العديد من فضائح شبكات التجسّس التي جرت العادة على أن تنشرها كلّ دولةٍ في أراضي الدولة الأخرى، على غرار ما حدث مثلًا في مطلع عام 2006 عندما عرَضَ التلفزيون الروسيّ فيلمًا تحت عنوان "الجواسيس" يُظهِر تورُّط عددٍ من الديبلوماسيّين البريطانيّين في القيام بنشاطاتٍ تجسّسيّةٍ وفي تقديم تمويلٍ غيرِ مشروعٍ للمنظّمات الروسيّة غير الحكوميّة، فإنّ السنوات السبع الماضية شهدت في مناسباتٍ عدّةٍ على وصول التدهور إلى منتهاه، ولا سيّما على خلفيّة اندلاع كلٍّ من الأزمتين السوريّة عام 2011 والأوكرانيّة عام 2014. على هذا الأساس، يأتي الإعلان يوم أمس السبت عن اعتزام وزير الخارجيّة البريطانيّ بوريس جونسون تلبية دعوة نظيره الروسيّ سيرغي لافروف لزيارة موسكو في نهاية العام الحاليّ، للمرّة الأولى منذ خمسةِ أعوامٍ، في لحظةٍ تاريخيّةٍ بالغة الدقّة من حيث دلالاتها المتعلِّقة بمسار العلاقات الدوليّة في ضوء المؤشِّرات المتوافرة تباعًا، والتي باتت تدلّ على اقتراب موعد فضّ أزماتٍ راهنةٍ وتفجُّر أزماتٍ جديدةٍ في أماكنَ مختلِفةٍ من العالم، الأمر الذي لا بدّ من أن يفرض على قادة الدول مراجعة حساباتهم بموضوعيّةٍ، وبما يتناسق مع حجم التحدّيات المطروحة على إيقاع التطوّرات المتسارعة في هذه الأيّام، علمًا أنّ الإسراف في التفاؤل بأنّ هذه الزيارة يمكن أن تؤدّي إلى إحداث انعطافةٍ جذريّةٍ على مستوى العلاقات الثنائيّة بين البلدين لا يزال سابقًا جدًّا لأوانه في الوقت الحاليّ. من هنا، فإنّ البيت في القصيد يكمُن في أنّني إذا كنتُ قد أشرتُ في البداية إلى الدور الذي لعبته الراحلة مارغريت تاتشر في مدّ الجسور ما بين الاتّحاد السوفييتيّ وما بين دول المعسكر الغربيّ أثناء اشتداد حمأة الحرب الباردة بين الجبّارين، فإنّ مردَّ ذلك يعود إلى أنّ اليوم ما أشبَهَه بالبارحة من حيث اشتداد حمأة حروبٍ باردةٍ بالجملة على طول خارطة العالم وعرضها، على حساب الأمن والسلم الدوليّيْن، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الفوارق الوحيدة ما بين البارحة وما بين اليوم تتمثَّل في أنّ الأسلحة المستخدَمة أصبحت أكثر فتكًا، وأنّ ساحات المواجهة المتاحة أصبحت أكثر اتّساعًا، بينما يبقى عدد الضحايا المحتمَلين مرشَّحٌ للارتفاع على الدوام.. وما أحوجنا في هذا الزمان إلى أن يعيد الزمان البريطانيّ نفسه في امرأةٍ حديديّةٍ جديدةٍ، أو إلى رجالٍ يأخذون العِبرة منها في مجال كسر الجليد ومدّ الجسور بين كافّة الأمم والشعوب.. والخير دائمًا في استحضار ذكرى مارغريت تاتشر من وراء القصد!
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك