Advertisement

لبنان

عن القضية التي عُنونت "بيّا قرر يدفنها هي وعايشة لأنها بتتحرش فيه وبخيها" (1)

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
17-11-2017 | 05:56
A-
A+
Doc-P-398621-6367056068510042661280x960.jpg
Doc-P-398621-6367056068510042661280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
ما عرضه برنامج "هوا الحرية" الاثنين الفائت تخطّى كلّ الحدود وضرب بالأخلاقيات والقوانين والكرامة الإنسانية عرض الحائط. "القضية" التي ادّعى الإعلاميّ جو معلوف بأنها لا تحتمل التأجيل "مع أن الناس بالها بوضع لبنان"، عرّف عنها بالمقدمة التالية: "آية بنت عمرها بس 8 سنين، بنت المفروض تكون عم تعيش اليوم براءتها بكل تفاصيلها، المفروض تكون عم تدرس، عم تلعب والأكيد إنو بعدا ما فهمت حتى شو يعني كره وأذية، وشو يعني جنس. الغريب انو بنت الـ 8 سنين بعيدة كثير عن عمرها وعن طفولتها والأغرب إنو هالبنت صارت اليوم بتخطط، بتحرق البيت، بتتحرّش، بتعمل إيحاءات جنسية وحركات ولا (مع إصرار المقدّم على تمديد الألف للدلالة على التعجّب) يمكن حدا بعمرها.. ولد عمرو 8 سنين يعمل هيك، ويمكن جاهزة انو تقتل، يعني في خوف انها جاهزة انو تصير تقتل". يخبرنا معلوف أنه لا يستطيع أن يترك آية وعائلتها بهذه الحال وعليه بالتالي أن يجد الحلّ، ثم يدعونا إلى متابعة تقرير أعدّه فريق عمل البرنامج في عقر دار الطفلة الصغيرة. وربما اعتقد معلوف أن مقدمته المتعلقة بقضية "آية"، أو القضية بحدّ ذاتها، هما ما ستصدمان الرأي العام، لكن سرعان ما يتبيّن أن التقرير بشكله ومضمونه كان الصدمة الأولى التي صفعت كثراً من المتابعين (وقد نشر لاحقاً على الانترنت تحت عنوان ""بيّا قرر يدفنها هيي وعايشة لأنها بتتحرش فيه وبخيها")!! تُسأل "آية" عمّا "ترتكبه"، وتُصوّر في سريرها. الطفلة التي كُشف عن اسمها وكنيتها، تظهر شبه مموّهة الوجه، لكنّ أطفالاً آخرين (على الأرجح إخوتها) يظهرون في بعض اللقطات بوجه مكشوف الملامح. شقيقها الصغير "يُستجوب" أيضاً للإدلاء "بشهادته" وتجربته مع أخته التي "تتحرّش به" (كما جاء في عنوان التقرير). وللجارات أيضاً مداخلات وشهادات حيّة حول سلوك الطفلة. لم تتوان إحداهنّ عن الإقرار بأنها "نزلت فيها خبيط" في إحدى المرّات، فيما لمّحت أخرى إلى أنها قد تكون "ممسوسة". يتضمّن التقرير أيضاً مواقف والدي الطفلة وجدّها. بما يُشبه الفخر، تقرّ الوالدة بأنها أحرقت لسان ابنتها عندما اكتشفت أنها تدخن السجائر. ويروي الجدّ أن اللحام أتاه مخبراً أن آية تقوم بلحس اللحم في الملحمة، ويعقّب: "يومتها قتلتا مزبوط ودعست عليها كمان من قهري منها". أما الوالد الذي قرر من تلقاء نفسه أن يُشخّص حالة ابنته على أنها "انحراف جنسي"، فأقرّ واعترف بأنه كان ينوي اصطحابها إلى ضيعته حيث يملك أرضاً نائية، ودفنها هناك حيّة: " أفضل حل لإلها احفر واطمرها واخلص منها". في المشهد التالي، تظهر الوالدة من جديد وهي تقول:"بقلي (عن زوجها) حضري حالك بدنا نطلع ع الضيعة ندفنها. قلتلو كثير عاااال، انا ما بقى عندي مشكل ابدا... منو اخواتها بيرتاحو ومنو حاج العالم كلا بتكمشني بالطريق بنتك عملت هيك وهيك.. يعني صرت انخجل بيني وبين نفسي". وختامها مع تأكيد إضافيّ على لسان الجدّ القائل:"اذا بدها تضلا هيك مصيرها الموت". بعد التقرير الصادم والمروّع، عودة إلى الاستوديو حيث استضاف معلوف الوالدين والجدّ، فيما كانت "آية" في غرفة أخرى (حيث تمّ التعتيم عليها) مع أخصائي بالإرشاد والتوجيه الزوجي والعائلي. يطلب مقدّم البرنامج من الطبيب تشخيص حالة الطفلة، فيدور حوار بين الاثنين، على الهواء. يُكرر ذوو "آية" الذين ظهروا أيضاً مكشوفي الوجه وكامل الهوية الروايات ذاتها حول سلوك ابنتهم، ويؤكد الوالد أنه عرض حالتها على أكثر من مختصّ ومعالج لكنّ الجميع لم يجد أي تشخيص لحالتها. في سياق الفقرة، يتمّ المرور سطحياً على قضية ضرب هذه الطفلة وتعنيفها، وبالكاد يوّبخ الأهل على فعلتهم. "نرفض هذا الأمر رفضاً قاطعاً"، يقول معلوف. أما إعطاء الشقّ الجنسي حيّزاً أو اهتماماً أكبر فبدا واضحاً، ما أوحى صراحة أنّ "المشكلة" التي تعاني منها الفتاة جنسية بالكامل. في المُحصلّة، يخلص الطبيب إلى أنّ حالة آية ناتجة من سلوك مُكتسب، مُرحجاً فرضية تعرّضها لـ "صدمة" ما أدّت إلى سلوكها (ولا سيّما الجنسي). الدكتور الضيف الذي لا يتحمّل طبعاً مسؤولية السقوط المدوّي للأخلاقيات في هذه الفقرة التي تمّت مقاربتها بشكل رهيب وغير علميّ، أكدّ في نهاية المطاف ضرورة أن تُحال آية إلى معالج مُختصّ لتلقي العلاج. تُختتم الفقرة بوعد من معلوف بمتابعة القضية وتأمين معالج مختصّ، لكنه يقول:"ما بقدر اوعد بشي لأنو هيدي الحالة عن جد غريبة". ما كلّ هذا حقاً؟! بأي حق، أو تحت أي ذريعة، أو منطق، أو قانون، تُطرح هذه القضية، بهذا الشكل، على الشاشة؟! ما كلّ هذه الانتهاكات الحاصلة إعلامياً حقاً؟ ومن يضع حدّاً لمثل هذه البرامج التي يسمح مقدموها لأنفسهم باستغلال الأطفال وقضاياهم، من أجل "رايتينغ" من هنا أو "سكوب" من هناك؟ أين الروادع الأخلاقية والإنسانية والقانونية؟! أين الرقابة الذاتية التي يفرضها أهل الإعلام على أنفسهم منعاً لانتهاك الطفولة والحقوق العامة والحريات والخصوصيات؟! لا ذريعة يمكن أن يتلّطى خلفها أحدٌ في هذه القضية التي طُرحت شكلاً ومضموناً بطريقة خاطئة وعشوائية وسطحية. فإن كان من سيدّعي بأن الهدف من عرضها في البرنامج هو التوعية، فعليه أن يُثبت إذاً أين كانت مكامن هذه التوعية؟! ماذا تعلّم المشاهدون حقاً؟ ماذا اكتسبوا؟ بماذا اتعظوا؟ إلى ماذا خلص "الحوار"؟ ما بها الفتاة، ولماذا تتصرّف على هذا النحو؟ ما تشخيص حالتها النفسية؟ ما اسمها؟ ما هي عوارضها، وأسبابها الحقيقية، وما هو العلاج؟! أغلب الظنّ أن بعض المشاهدين رأى في "آية" طفلة مُنحرفة أو مهووسة جنسياً ليس إلا. وليس الحق على هؤلاء ربما، ذلك أنّ الطريقة التي قوربت فيها القضية ركّزت على هذا الموضوع. أما إذا كان من سيدعي بأن الهدف من عرض الحلقة هو مساعدة آية، أو "الرأفة" بها، كما ورد على لسان معلوف، فهذا عذر أقبح من ذنب. رجاء، ساعدوا الأطفال بعيداً من الكاميرا، إذا كانت النيّة صادقة. ليس من المقبول بعد اليوم أن يظهر الصغار والمراهقون في البرامج بهذا الشكل. فحقاً، هل من يُصدّق أن حجب عيني "آية" كاف للتمويه؟ لقد ظهر أهلها وجيرانها على الملأ! فما مُستقبل الطفلة؟ وما مُستقبل أخوتها وأخواتها؟ تماماً كما نسأل ما مستقبل الطفلة التي حلّت ضيفة مع أهلها في الاستوديو في الحلقة السابقة من "هوا الحرية"، لتشهد على فتح المغلف الذي يحوي نتائج فحص الـ DNA التي طلبها والدها للتأكد من أنه كذلك فعلاً؟ هل بتنا عاجزين إعلامياً عن عرض حالات وظواهر في المجتمع بغية التوعية ما لن تكن الوجوه مكشوفة والأسماء معروفة؟ ثم كيف للقضاء اللبناني ألا يتحرّك إزاء والدين وجدّ يقروّن ويعترفون بنيّتهم السابقة (وربما اللاحقة) بقتل ابنتهم عبر دفنها حيّة؟ وكيف لا يتحرّك القضاء في ظلّ اعتراف هؤلاء بضرب الفتاة حدّ كسر يديها وحرق لسانها و"دعوستها"؟! هل في القانون ما يحول دون ملاحقتهم أو أقلّه توبيخهم بمجرد أنهم شعروا باليأس والتعب؟! وإلى ماذا استند مقدّم البرنامج حقاً عندما اعتبر أنّ "آية" "بعيدة عن عمرها وطفولتها"، وأنه "لا يمكن لطفل (ة) في عمرها أن يقوم بما تقوم به"!؟! ومن قال له إن "هذه الحالة عن جدّ غريبة"!؟! ما هذا "الإجرام" الذي حصل مباشرة على الهواء؟! منذ متى "يدفن" الإعلام الأطفال وهم أحياء؟! ما هذه الحلقة "السيكوباتية" المتفلتة من كلّ الحدود؟ حتى الآداب الطبية، انتهكت. "السريّة التي يفترض أن تحاط بالمرضى ضُربت"، يقول الطبيب والمعالج النفسي مرام الحكيم عندما عرضنا عليه الموضوع بغية إبداء الرأي ومحاولة الإجابة على بعض التساؤلات، ومنها المتعلقة بحالة "آية" بعد أن "فُضحت" قضيتها. في حديث لـ "لبنان24"، رأى بدوره أنّه تمّ المرور بشكل سطحيّ على قضية الضرب والعنف التي جاهر بها الأهل، إضافة إلى التركيز على السلوك الجنسي للطفلة، علماً أننا أمام ظاهرة كاملة يدخلها العنف والسرقة وإحراق المنزل والمجاهرة بهذا السلوك…". ورغم أنّ د. الحكيم لا يُحبذ أن يجزم حالة الطفلة، أو أي حالة أخرى، ما لم تكن قد خضعت لجلسات وفحوصات ومراجعات شاملة بغية التشخيص الدقيق، إلا أنه، وبناء على ما عُرض في الحلقة، ونظراً إلى المغالطات التي شابتها وما قد ينتج عنها من تداعيات، يوافق على تقديم تشخيصه المبدئي، مرجحاً أن تكون الطفلة مصابة بما يُعرف بالاعتلال النفسي Psychopathy (يسميها البعض Sociopathy أو Anti-social behaviour)، وهو ما يُمكن تعريفه بميل المصاب إلى التفلّت من كل الحدود، وبالتالي يكون سلوكه أرعناً ولا يستجيب إلى أي قصاص". وبعيداً من قضية "آية"، ما هو الاعتلال النفسي، وما هي خصائصه وعوارضه وعلاجاته المُحتملة؟ (يتبع غدا الجزء الثاني)
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك