Advertisement

لبنان

عن موتهنّ الذي يُرى بالعين...

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
18-12-2017 | 09:38
A-
A+
Doc-P-413086-6367056174808148601280x960.jpg
Doc-P-413086-6367056174808148601280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
كان اسمها ربيكا دايكس، شابة بريطانية قدمت إلى لبنان مطلع العام لتعمل كمديرة لقسم البرامج والسياسات التابع لإدارة التنمية الدولية. فجر السبت، قتلت "الدبلوماسية البريطانية". جثة باردة مرمية على قارعة الطريق. ظلامٌ وسكونٌ مخيف. الخوف كثافة، لو قُدّر للحبل الملفوف على العنق أن يصفه، لتمزّق. معلومات قليلة عُرفت عن حيثيات الجريمة حتى الساعة. كانت دايكس تسهر في مار مخايل، يبدو أنها استقلّت سيارة أجرة لنقلها إلى منزلها، لكن السائق قتلها. لم يتأكد بعد ما إذا كان قد اغتصبها قبل ضربها وخنقها بالحبل. المؤكد أنه قتلها. بدم بارد، قتلها. المجرم بات في قبضة القوى الأمنية والتحقيقات بدأت، ستظهر كلّ الحقيقة عاجلاً أم آجلاً، لكنّ تفاصيل تلك اللحظات لا يمكن أن توصف، أو بالأحرى تُفهم. لا يمكن أي عقل، أو قلب، أو ضمير حاضر أو غائب، أن يستوعب ذلك الوجع. لا يُترجم، ولا يُلخّص ولا يصحّ فيه أي "رسم تشبيهي". الخوف والوجع. يا الله ما أقساهما وما أكثفهما. لحظات أمدية بشعة، في خلالها يمكن أن يحصل كلّ شيء. كأن تلاحظ ربيكا على وجه سائق السيارة الذي يفترض أن يقلّها الى منزلها الآمن، علامات خبث وشهوة وإجرام. كأن تشمّ رائحة الخطر يتسرّب إلى فستانها. وترى عملاق الشرّ جالساً على المقعد. سيخفق القلب كما لم يفعل من قبل. لعلّها ستنظر من النافذة، لتوحي بعدم الاكتراث. ستجهد في طمس خوفها، وقد تمسك قلبها بيد وتعصره كي يصمت. فليصمت لثانية أو دقيقة علّها تنجو. إظهار الخوف أحياناً يُسهّل الوقوع فريسة. يتفاقم القلق مع كل متر تجتازه السيارة نحو مجهول. ربما تسأل ربيكا نفسها: "هل نحن في الاتجاه الصحيح؟". وربما تسأله محاولة إخباره بأنها يقظة. ربما حصلت هذه الأمور التفصيلية، ولعلّها لم تحصل. ربما سمعت ربيكا صريخها المبحوح، ولم تسمع صداه يصل إلى ضوء أو خلاص. ربما توّسلت إلى السائق عندما أوقف السيارة. هذه اللحظةٌ مرعبة. هذه اللحظة بالذات، عندما تتوقف السيارة فجأة في مجهول. في ضياع. في ليل يطارد الأشباح. معلّقة بين حياة محتملة وبين موت أكثر احتمالاً. كابوسٌ ضخم، يسحب محتويات الذاكرة إلى الواجهة. حياة تمرّ كومضة، بكل تفاصيلها ومرّها وحلوها وحنينها وسقطاتها وأحلامها. تلقي طفلة التحيّة على دميتها. تجلس في حضن والديها إلى جانب شجرة الميلاد. تستذكر مراهقة الحبّ الأول، وكلّ الحماقات الجميلة. حفلة التخرّج. التسكّع في شوارع الصداقة. الهرولة خلف الأحلام. الوظيفة الأولى. محطة تتذكر محطة أخرى، والأنفاس متقطعة. هذه اللحظة مرعبة، خانقة. أشدّ إيلاماً من حبل يحمله وحش بشريّ، يلفّه حول العنق ليُسكت الحنجرة ويسلب الروح. منسوب الوجع رهيب، مع أنّه قصير الأمد. يهمد الجسد الذي تعب من المقاومة. بسرعة بطئية. بصمت وصخب. تتطاير محتويات الذاكرة حول جسد ممزّق، محاولة ترميمه. رأت ربيكا دايكس الموت بعينيها. لا تريد الذاكرة أن تحفظ هذه اللحظة. تنسحب بعيداً. نحو الأعلى. هناك، في الغيم مع المطر. رأت ربيكا دايكس الموت بعينيها. حالها كان نساء كثيرات في لبنان والعالم. الجريمة ليست موجودة هنا، في بلد اسمه لبنان وحسب. يُقتل رجالٌ ايضاً، بوحشية وشراسة. لكنّ موتهنّ ليس كأي موت. والوحوش التي تقتلهّن ليست كأي وحوش. في أخبار اليوم، ورد خبرٌ حول نتائج دراسة حديثة كشفت عنها الأمم المتحدة والحكومة المكسيكية، وفيه إحصاءات "مخيفة" عن العنف المميت ضدّ النساء في المكسيك، بحيث قتلت 2746 امرأة في عام 2016، بمعدل 7 قتيلات يومياً. اللافت أن الدراسة لاحظت أنه خلافاً للجرائم التي تستهدف الرجال، فإنّ عمليات قتل النساء تتسمّ بوسائل "أكثر وحشية" بينها استخدام السلاح الأبيض والخنق، مما يشير إلى أن "المعايير الثقافية التي تحط من شأن النساء" لم تتغيّر. انتهت هذه الدراسة بدعوة إلى إجراء تحقيقات معمقة أكثر لتحديد هل النساء يقتلن "لمجرد أنهن نساء" أم لدوافع أخرى؟! "هل النساء يقتلن لمجرد أنهن نساء"؟! إنه السؤال...
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك