Advertisement

لبنان

يارا... ضحيّة "البلطجة والرشاوي والوسايط"..

ايناس كريمة Enass Karimeh

|
Lebanon 24
16-01-2018 | 05:57
A-
A+
Doc-P-424740-6367056255472904361280x960.jpg
Doc-P-424740-6367056255472904361280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
في مجتمعنا اللبناني، ما زال الزواج المختلط يطرح إشكالية شائكة سواء داخل العائلة الواحدة او في المجتمع والوطن. ورغم أن العيش المشترك في بلدٍ متعدّد الطوائف كلبنان، استطاع تقريب القيم الدينية والاجتماعية ما بين الدين الاسلامي والمسيحي وكذلك كافّة الطوائف والمذاهب الأخرى، خصوصا وأن المناطق اللبنانية غالباً ما تكون مختلطة وليست من لون واحد، الا أنّ التباين في العادات والتقاليد والثقافة كبير جدا الأمر الذي يجعل الموضوع اكثر تعقيدا فينشأ عنه خلافات ما بين الأزواج تؤدي في معظمها الى الفشل. ما هو الزواج المختلط؟ وما هي الأسباب التي تجمع بين شخصين من دين مختلف؟ الزواج المختلط بتعريفه هو الزواج الذي يختلف فيه الزوجان ديانة ومذهبا وجنسية، ويكون عادة مبنيّاً على علاقة حبّ تنشأ ما بين الطرفين تجعلهما يغضّان النظر في المرحلة الاولى عن الاختلاف بينهما ولكن سرعان ما يعود الواقع ليفرض نفسه مجددا فيبدأ الثنائي بمواجهة سلسلة من العقبات التي تعترض الحياة الزوجية عندما يظهر التضارب في القيم المرجعية. وضمن فقرة من حلقات "هوا الحرية "، استضاف مقدّم البرنامج في ستديوهات الـLBCI امرأة وقعت ضحية الزواج المختلط في سنّ مبكّرة متجاهلة الفروقات الدينية والاجتماعية والثقافية، فكانت النتيجة تشتيت عائلة وحرمان من الأولاد! يارا، أم لولدين اختارت في عمر الـ 16 سنة تزويج نفسها من "إسراء" ابن منطقة المنية شمال لبنان، رغماً عن ارادة اهلها، فهربت معه، وكان ثمن الحبّ سنوات من التعذيب قضتها المرأة الصغيرة تعضّ اصابع الندم على قرار اتخذته لحظة رعونة فحوّل حياتها الى جحيم. ومن مرارة القهر والتعنيف استطاعت يارا أن تلوذ بالفرار مجددا ولكن في هذه المرة الى بيت أهلها. وبعد اختطاف ابنتها من قبل زوجها ومواراتها عن الأنظار لمدّة طويلة، باءت مساعي يارا لاسترجاعها بالفشل، ومع مضيّ اربع سنوات على تلك المحاولات، لا تزال الأم ضحية للفلتان الأمني وعدم تطبيق القوانين، وأسيرة "للبلطجة" والرشاوي و"الوسايط". "الله لا يجرّبنا... الدني إم" بهذه العبارات اشتعل موقع "تويتر" عبر هاشتاغ #هوا_الحرية، بحيث انتشرت تغريدات كانت في غالبيتها من قبل نساء لامست حالة يارا عاطفة الأمومة لديهن وأثارت مشاعرهنّ فأكّدنَ على المطالبة بإعادة الطفلة الى حضن أمّها في حين نشط اخرون في مناشدة الدولة اللبنانية بضرورة نشر التوعية حول موضوع الزواج المبكر وبفرض قانون يمنع زواج القاصر. عاصفةٌ من الاستعطاف والتضامن هبّت على مواقع التواصل الاجتماعي، فاعتبر الناشطون أنه مهما كانت ديانة الأم ومهما كان انتماؤها، لا يجوز حرمانها من مشاهدة اولادها ان لم نقل حضانتهم تحت أي ضغط او ظرف، وكذلك للأب ايضا الحق نفسه، وعلت الأصوات مطالبة "اسراء" زوج يارا بالابتعاد عن المنطق العشائري والطائفي في تسوية الأمور، وذلك بعدما شاهدوا فيديو مصوّر تقول فيه والدة الزوج ان "الطائفية" هي اصل الخلاف. يقول الناشط "حسين" في تغريدة له عبر حسابه الخاص: طالبنا بقانون يمنع هذا النوع من الزواج ومن دار الافتاء تحديدا، والملف في الدرج والنتيجة مجتمع يعاني من خلل على المدى الطويل". فعن أي نوع من الزواج تحدّث "حسين" يا ترى؟ هل عن زواج القاصر أم الزواج المختلط؟ وما هو رأي الدين والمجتمع في هذا الزواج؟ وما هي المتغيرات التي تطرأ على هذا الزواج وأثرها على شخصية الأطفال؟
Advertisement
عشرات آلاف الملفات حول نزاع الحضانة مرمية في أقبية المحاكم المختصة، ويارا ليست الحالة الاولى والاخيرة من مسلسل المعاناة الذي تعيشه المرأة اللبنانية حيث لا قانون يمنعها من الزواج المبكر، ولا عقوبات تحميها من العنف الأسري، ولا جديّة في النظر بعين العاطفة والتعاطي مع قضية الحضانة على انها حاجة نفسية وتربوية. ويرفض المجتمع اللّبناني النظر الى الزواج المختلط على انه ظاهرة اجتماعية على الرغم من انتشار العديد من الحالات في السنوات الأخيرة وخصوصا لدى جيل الشباب وفي ظلّ المطالبة بدولة مدنية إلا أن البعض يعتبر هذا الأمر نوعا من "الطفرة" ناتجة عن بعض التغييرات في مجتمعاتنا العربية عموما والتحولات التي تحدث من حولنا، وتأثيرات الهجرة والنزوح وسواها من المشاكل التي باتت تؤثر بشكل مباشر على سلوكياتنا اليومية وأمورنا الحياتية. وبالعودة الى يارا، فإنّ الأم قد طالبت من خلال "هوا الحرية" باستعادة ابنتها التي لم ترها منذ اربع سنوات، والتي تكون ربما قد نسيت ملامح والدتها التي ابصرت نور الحياة بين يديها، وكذلك اعتبر الأب ايضا ان ابنه غائب عن عينيه منذ مدة طويلة، "فرجينا الصبي بتشوفي البنت"!! وهذه مشكلة اكبر في قضية "يارا" قد تعكس صراعاً نفسياً لدى الأولاد وخصوصا في حال مكوث الإبنة مع والدها، والإبن مع أمّه واختلاف الثقافة بين الطرفين من حيث الدين والعادات والتقاليد، ونتيجة للشد والجذب المستمر بين الأب والأم والصدام المتواصل بينهما، كلها أمور تؤدي الى اصابة شخصية الاطفال بالتخبط وتزيد من الاضطراب النفسي لديهم وتؤثر سلباً على مستقبلهم وتزعزع ثقتهم بنفسهم وبالاخرين، فيقعون فريسة الحيرة ما بين الولاء لوالدهم او لوالدتهم سواء من حيث التربية الدينية او الاجتماعية، وفي حالات اخرى ينقسم الاولاد انفسهم حيث يؤيد بعضهم الأب ويقفون الى جانبه وينتقلون للعيش معه، وفي المقابل يؤيد البعض الاخر موقف الأم ويساندونها ويختارون البقاء معها الأمر الذي يؤدي الى تفكك الاسرة بكاملها وعدم استقرارها. وفي نظرة ايجابية يرى البعض أنّه وعلى الرغم من ان الزواج المختلط يواجه الكثير من التحديات والصعوبات التي قد تؤدي الى فشله الا انه قد يكون ناجحا في حال تنازُل احد الزوجين واستسلامه وخضوعه للطرف الآخر. وما بين اختلاف الآراء حول تقبّل هذا الزواج او رفضه من حيث الاسباب والنتائج، فإنه، ولكي نكون عادلين، لا يوجد زواج يخلو من المشاكل عموماً واذا كان الزوجان مثقفان وواعيان، يمكنهما السيطرة على تلك الخلافات التي قد تنشأ ما بين طرفين من نفس الدين والمذهب والجنسية، أو خلافهما، لكنّ الزواج المختلط، ما يزال حتى يومنا هذا، يواجَه بنظرة منقوصة من المجتمع حتى أن الدولة اعتبرت بأن لبنان غير ناضج بعد لاستقبال هذا النوع من الزواج ببساطة وانفتاح، لذلك فإنّ كل محاولات الضغط ولفت انتباه الرأي العام من اجل اقرار قانون مدني لا يجعل عقد القران محصوراً بأيدي رجال الدين، قد باءت جميعها بالفشل! وبعيداً عن حكم الشرع في قضية يارا، حيث زواج الرجل المسلم من امرأة مسيحية جائزٌ شرعا، ودون الغوص في التفاصيل التي نفضّل ان نتركها لأهل العلم والفقه، يحقّ لنا ان نتساءل: هل سينصف القضاء يارا على اعتبار انها أمّ ومن حقها حضانة اطفالها وتربيتهم؟ أم أنّ "النكايات" الطائفية والسياسية ستتدخّل في هذه القضية أيضاً لتلعب دوراً ترجح فيه الكفّة الأقوى؟
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك