Advertisement

مقالات لبنان24

بين واشنطن وموسكو: مواجهاتٌ مباشِرةٌ أم حروبٌ بالوكالة؟

جمال دملج

|
Lebanon 24
21-01-2018 | 13:36
A-
A+
Doc-P-427246-6367056271454810941280x960.jpg
Doc-P-427246-6367056271454810941280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
أمّا وقد أصبح في حُكم المؤكَّد أنّ استراتيجيّة الدفاع القوميّ الأميركيّ التي أعلنها وزير الدفاع جيمس ماتيس نهار أوّل من أمس الجمعة حملت في طيّاتها ما يكفي من المؤشِّرات للدلالة على أنّ واشنطن عازمةٌ على المضيّ قُدمًا حتّى نهاية الشوط في انتهاج سياساتها التصعيديّة ضدّ موسكو، وخصوصًا بعدما سارع وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف إلى وصفها بأنّها "استراتيجيّة مواجهة"، فإنّ الأنظار لا بدّ من أن تتركَّز اعتبارًا من الآن وحتّى إشعارٍ آخَر على ساحات التنافس التقليديّة بين الطرفين من أجل استبيان المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه المواجهة، ومعرفة ما إذا كانت ستبقى محصورة ضمن نطاق حروبٍ بالوكالةِ أم إنّها ستأخذ طابع التصادم المباشِر، ولا سيّما أنّ هذه الاستراتيجيّة الدفاعيّة تُعتبَر الترجمة العمليّة الأولى، بلغةٍ عسكريّةٍ بحتةٍ، لاستراتيجيّة الأمن القوميّ الأميركيّ التي كان الرئيس دونالد ترامب قد أعلنها في أواخِر العام المنصرم، والتي شدَّد فيها على أنّ "قوى منافسةً مثل روسيا والصين تسعى إلى ضرب قيم الولايات المتّحدة وغناها ونفوذها". وعلى رغم عدم وجود أيِّ اختلافاتٍ تُذكر بين الاستراتيجيّتيْن، سواءٌ من حيث فجاجة المفردات المستخدَمة فيهما أم من حيث أبعاد الغايات المرجوّة منهما، فإنّ أكثر ما لفت الانتباه في الصفحات العشر من أصل خمسين صفحةً التي تمَّ الكشف عنها في وثيقة الوزير ماتيس، كان قد تمثَّل في أنّ المبرِّرات المقدَّمة لتوجيه الاتّهام إلى كلٍّ من الصين وروسيا بأنّهما من "القوى الرجعيّة" التي تشكِّل "تهديداتٍ متزايدةً" للولايات المتّحدة، بدت في مجملها كافيةً، وإنّما بشكلٍ عكسيٍّ، لتوجيه الاتّهام نفسه إلى الولايات المتّحدة بالعمل على زعزعة الاستقرار العالميّ، ولا سيّما أنّ النظر إلى بكين باعتبارها "استخدمت تكتيكاتٍ اقتصاديّةً مؤذيةً لترهيب جيرانها مع العمل على عسكرة بحر الصين"، وإلى موسكو باعتبارها "خرقت حدود دول أخرى مجاورة" في إشارةٍ إلى ضمِّ شبه جزيرة القرم عام 2014، ومن ثمّ بالتدخُّل العسكريّ في شرق أوكرانيا، على حدِّ تعبير وزير الدفاع الأميركيّ، لا يلغي بالتأكيد وجوب النظر إلى واشنطن باعتبارها استخدمت التكتيكات الاقتصاديّة المؤذية نفسها، وعملت على عسكرة العالم من أقصاه إلى أقصاه عن طريق التدخُّل في شؤون الدول الأخرى منذ ذلك اليوم الشهير الذي وقف فيه الرئيس جورج دبليو بوش داخل حديقة البيت الأبيض ليقول "إنّ من ليس معنا فهو مع الإرهاب". وإذا كان سيل الأمثلة على مدى شطط الخطط الأميركيّة التي تمّ وضعها تحت راية هذا الشعار له أوّلٌ وليس له آخِر، بدءًا من محاولات استهداف المجالات الحيويّة لكلٍّ من روسيا والصين وإيران من خلال بوّابة الحرب على الإرهاب في أفغانستان، مرورًا بغزو العراق ومن ثمّ بإشعال الثورات الملوَّنة في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزيا، ووصولًا إلى النفخ في هبَّة "ربيع العرب" بالشكل الذي تجلّى بوضوحٍ يوم الخامس من شهر شباط عام 2011، أيْ بعد مرور عشرة أيّامٍ فقط على اندلاع "ثورة 25 يناير" في ميدان التحرير وسط القاهرة، وذلك عندما قالت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة في حينه هيلاري كلينتون ما حرفيّته "إنّ الولايات المتّحدة مستعدّةٌ للجلوس على طاولةٍ واحدةٍ، حتّى مع الإخوان المسلمين، شريطة أن يتنحّى الرئيس حسني مبارك عن الحكم الآن.. والآن تعني الآن"، على حدِّ قولها، فإنّ هذه الأمثلة مجتمِعةً، ناهيك عن محاولات حلف شماليّ الأطلسيّ المتواصِلة للتمدُّد شرقًا، لا بدَّ من أن تكون كافيةً في الوقت الراهن لترسيخِ قناعةٍ مؤدَّاها أنّ الاتّهامات الواردة في وثيقة الوزير جيمس ماتيس الدفاعيّة لكلٍّ من روسيا والصين، وكذلك لمن وصفها بـ "الدول المارقة" مثل إيران وكوريا الشماليّة، يُفترَض أن ترتدَّ في المحصِّلة النهائيّة على الولايات المتّحدة، الأمر الذي يُتوقَّع أن ينجلي تمامًا على المدى المنظور، وخصوصًا في ظلِّ تزايُد الشبهات باضطرادٍ حول طبيعة الدور الذي تلعبه القوّات الأميركيّة في هذه الأثناء على الساحة السوريّة. هذا الكلام إنْ دلّ إلى شيءٍ، فهو يدلّ إلى أنّ استراتيجيّة الدفاع القوميّ الأميركيّ لم تحمِل في سياقها أيَّ جديدٍ يمكن إضافته إلى سياسة المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين التي درجت العادة على أن تنتهجها الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض من أجل تحقيق مصالحها الحيويّة حيثما تستطيع إلى ذلك سبيلًا في أماكنَ مختلفةٍ من العالم، اللهمّ باستثناء ذلك الجديد الذي تمثَّل في ردِّ فعلِ أحد الصحافيّين الروس على وثيقتيْ كلٍّ من الرئيس ترامب والوزير ماتيس عندما علَّق ساخِرًا: "إذا كان في الإمكان القول مجازًا إنّ الأمراض المزمنة التي عانى منها جسد العلاقات الأميركيّة – الروسيّة خلال السنوات الثماني عشرة الماضية ظلَّت تستوجب الاعتماد دائمًا على مهارات الطبّ العامّ من أجل تشخيصها، فإنّ أكثر ما يحتاج إليه الروس في الوقت الحاليّ يتمثَّل في وجوب الاعتماد على مهاراتِ طبيبٍ نفسانيٍّ بارعٍ لكي يحلَّ لهم عُقَد المواقف غيرِ المتَّزنة التي تأتيهم تِباعًا من واشنطن، بما من شأنه أن يسهِّل عليهم عمليّة فهمها".. وحسبي أنّ الطبيب النفسانيّ وحده هو القادر على تحديد ما إذا كان التنافس بين الطرفين سيبقى محصورًا ضمن نطاق الحروب بالوكالة أم إنّه سيأخذ طابع التصادم المباشِر.. و"شرّ البليّة ما يُضحِك" حقًّا، والخير دائمًا من وراء القصد.
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك