Advertisement

مقالات لبنان24

لماذا لا يدير لبنان قطاع النفايات بهذه الطريقة العلمية والمستدامة؟!

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
21-02-2018 | 04:40
A-
A+
Doc-P-441549-6367056359454268071280x960.jpg
Doc-P-441549-6367056359454268071280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
تُصدر منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً مؤلفاً من 53 صفحة تحت عنوان "’كأنك تتنشق موتك‘: المخاطر الصحية لحرق النفايات في لبنان"، وتخلص فيه إلى أنّ الخطر يحيط بصحة السكان بسبب حرق أكثر من 150 مكباً للنفايات الصلبة (من أصل 617 مكباً عشوائياً في مختلف المناطق) أسبوعياً، وأنّ لبنان ينتهك التزاماته بموجب القانون الدولي.. ولا شيء يتغيّر! يحمل وزير الصحة اللبناني غسان الحاصباني نتائج هذا التقرير ويعقد مؤتمراً صحفياً ليقول، بجرأة "صادمة"، إنّ الحرق العشوائي للنفايات منذ عام 2015 وحتى اليوم أدى إلى ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض القلب وسرطان القولون والرئة... لكنّ شيئاً، لا يتغيّر! كانت النفايات قد تكدست في الطرقات والأزقة وعلى عتبات المنازل والمستشفيات في عام 2015، بل شكلّت أنهراً وبحاراً تناقلت صورها وسائل الإعلام العالمية. ورغم أنّ تلك الأطنان من القمامة لم تعد متراكمة بشكل فاضح في الشوارع حالياً، لكن عملياً، لا شيء قد تغيّر أيضاً، فأزمة النفايات ما زالت قائمة ومتفاقمة ومستمرّة ليس من العام 2015 وحسب، بل من عقود وعقود! وإذا كان تقرير "كأنك تتنشق موتك" قد سلّط الضوء على المخاطر الناجمة من حرق النفايات حصراً، فإن ثمة مخاطر أخرى كثيرة ومتعددة يسببها سوء إدارة النفايات الصلبة في لبنان، مع أنّ الحلول متوافرة، إنما تنقصها الإرادة كي تترجم إلى أرض الواقع. فما هو واقع النفايات في لبنان اليوم؟ وما هي أنسب الحلول لمعالجة هذه الكارثة بطريقة فعالة ومستدامة وعلمية؟ يبدو أنّ ثمة إجماعاً حول مسألة "نشأة" مشكلة النفايات في لبنان في ظلّ تأكيد أغلبية الاختصاصيين والمطلعين على أنها لم تولد منذ بضعة أعوام قليلة، بل إنها قائمة منذ زمن. بحسب الدكتورة في الإدارة البيئية والأستاذة في قسم الصحة البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) مي مسعود، "فإن ملف النفايات، حاله حال ملفات كثيرة أخرى في لبنان بما فيها الكهرباء والمياه، أسير دوّامة عقيمة. نحن عملياً نفتقد للإدارة البيئية إذ لا وعي بيئياً ملحوظاً ولا خطط استراتيجية وطنية مستدامة توضع لإنهاء هذه الأزمة. ما يحصل للأسف هو أنّ المسؤولين يقومون بردود أفعال عندما تبرز الأزمة، مهملين الوقاية المسبقة والمبادرات الاستراتيجية المستدامة". تحاول مسعود في خلال حديثها لـ "لبنان24" أن "تتفهم" سببب عدم إيلاء ملف النفايات أولوية على أجندات المسؤولين والمعنيين سيّما وأن لبنان لطالما كان مشغولاً بملفات أخرى، أضف إليها حال عدم الاستقرار السياسي شبه الدائمة. عبثاً تفلح في ذلك، فتقول مستغربة: "إن موضوع النفايات مرتبط بكل الملفات والقطاعات الأخرى: الصحية، الاقتصادية، السياحية، الإجتماعية... من هنا يجب أن يندرج هذا الملف على قائمة الأولويات، وعلينا البدء بوضع استراتيجيات لإدارة النفايات الصلبة في لبنان". لا تخفي مسعود أنّ مشكلة النفايات يعاني منها كلّ بلدان العالم، بيد أنها تؤكد أنّ الحلول موجودة رغم أنها تختلف بين بلد وآخر وفقاً لطبيعة كل بلد وخصائصه. تعقب:" من هنا نتحدث كعلماء عن خطة متكاملة ومستدامة لمعالجة النفايات، لا عن حلول "بالمفرق" وآنية". والحال أنّه مع استمرار أزمة النفايات في لبنان في ظلّ غياب أي تفكير استراتيجي، تُطرح حلولٌ غير مجدية، بل ربما مضرّة وخطيرة على الصحة العامة والبيئة، كأن يتمّ البحث حصراً في مسألة ايهما أفضل: الطمر أم الحرق الصحيّ؟! "هذا دليل غياب خطة متكاملة شاملة تبدأ من كيفية تقليل إنتاج النفايات والفرز من المصدر وصولاً إلى البحث في أنسب طرق المعالجة"، تقول د. مسعود لافتة إلى أنّ ما يحصل اليوم للأسف هو أنّ لبنان يلجأ إلى أسوأ طرق على وجه الأرض لمعالجة النفايات الصلبة: المكبات والمحارق العشوائية! وتعتبر مسعود أنّه لا الدولة اللبنانية ولا المواطن اللبناني تعاملا صحّ مع أزمة 2015. فمثلاً سعت الدولة إلى تحميل البلديات مسؤوليات جمّة ليست قادرة عملياً على تحملها بمفردها لأسباب عدّة منها افتقارها للموارد المختلفة وعدم معرفتها بكيفية التعامل مع قطاع النفايات التي كانت "مبعدة" عنه لسنوات طوال. تضيف شارحة: "لا يمكن البلديات أن تقوم بمعالجة النفايات (الطمر مثلاً). لا اقتصادياً ولا تقنياً ولا من حيث الموارد والمعرفة، هي قادرة على ذلك. في المقابل يمكنها أن تقوم بعمل ممتاز على صعيد الفرز من المصدر، والجمع والحدّ من إنتاج النفايات". وتتابع: "رأينا أنّ ثمة بلديات ابتاعت محارق صحية صغيرة لكنها اكتشفت لاحقاً أنّ سعر "فلاترها" أغلى من سعرها، والسؤال هنا: هل إن البلديات قادرة على تحمّل هذه التكاليف الدائمة والمتواصلة، ام سينتهي الأمر بإهمال صيانة هذه المحارق والاهتمام بها ما يعود بالضرر على البيئة وصحة الإنسان؟"! إذاً، بحسب، مسعود، "الأنسب أن تكون عملية المعالجة على صعيد مركزي: إتحاد بلديات، قضاء، محافظة..." وإذ تشير مسعود إلى أنّه لكلّ دوره في إدارة النفايات، تشدد في المقابل على أنّ أي خطة لا تبدأ صحّ فهي حتماً لن تثمر. مثال على ذلك اهمال خطوة فرز النفايات من المصدر، ففي حال لم تحصل، لن تكون مرحلة المعالجة اللاحقة مجدية وصحية. وتلفت أيضاً إلى أنّه قبل البتّ بأي خطة تعنى بإدارة النفايات، يجب إجراء تحليل شامل يتضمن دراسة الأثر البيئي والجدوى الإقتصادية. فما هي الخطّة العلمية والمستدامة الأنسب بحسب تصوّر مسعود مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع اللبناني؟! تشرح: "الخطوة الأولى في الخطة التي علينا البدء بتطبيقها تتمثل بتقليل إنتاج النفايات، وذلك يكون عبر تشريعات وقوانين وقرارات تسنها الدولة اللبنانية متمثلة بالبديات. على المواطن أيضاً أن يعي أهمية الدور الذي يلعبه في هذا الإطار وعليه ألا يقبل أن يكون جزءاً من المشلكة وحسب بل أيضاً جزءا من الحلّ. الحدّ من إنتاج النفايات يكون على سبيل المثال بمنع استخدام الأكياس البلاستيكية في المتاجر، الحدّ من استهلاك الأوراق والأدوات التي لا يمكن إعادة استعمالها، وتشجيع صناعة إعادة التدوير...". تضيف مسعود:" إن عملية الفرز الصحيح والدقيق من المصدر هي أيضاً من الخطوات الأساسية في خطة إدارة النفايات الصلبة المستدامة والفعالة. عندما نتحدث عن المصدر فإننا نعني بذلك على سبيل المثال المنازل، المتاجر...فعندما يتمّ فرز النفايات فوراً فإنها تكون "جيّدة" وذات جودة بخلاف تلك التي تفرز في معامل الفرز". وتؤكد مسعود أنّ هذه الخطوات والمراحل صعبة تتطلب نفساً طويلاً، لكن يمكن وضع أهداف تصاعدية وصولاً إلى التمكن من تقليص نسبة النفايات الآيلة إلى المعالجة بنسبة 70%، وبالتالي خفض التكاليف الباهظة (الطمر او الحرق الصحي) وإطالة عمر المطامر الصحية وليس توسعة مساحة تلك المطامر كما كان يحصل بسبب طمر النفايات المنتجة كلها من دون معالجة. نصل إلى المعالجة التي تشمل تسبيخ المواد العضوية، واسترداد الطاقة، وإعادة التدوير وصولاً إلى الطمر الصحيّ. وتلفت د. مسعود في هذا السياق إلى أهمية التسبيخ في عملية إدارة النفايات وفق التسلسل الهرمي (التخفيف وإعادة الاستعمال،إعادة التدوير، التسبيخ، استرداد الطاقة، الطمر الصحيّ)، سيّما وأن القسم الأكبر من النفايات المنتجة في لبنان هي نفايات عضوية. والتسبيخ هو تحويل المواد العضوية إلى منتج نهائي مستقر من خلال عمل الميكروبات، ويشكّل تقنية صديقة للبيئة ومجدية إقتصاديا لمعالجة النفايات المنزلية الصلبة. ويبدو واضحاً أنّ الخطة المقترحة التي تتحدث عنها مسعود لا تشمل المحارق الصحية، علماً بأنها تؤكد تقدّم هذه الوسيلة من الناحية التقنية كثيراً. لكن بالنسبة إلى لبنان تحديداً، المحارق الصحية غير مجدية! تلخص أسباب تفضيل المطامر الصحية على المحارق قائلة: "إن التقنية المستخدمة في تشغيل المحارق الصحية متطورة ومعقدة جداً، ولا أعتقد أننا في لبنان قادرون على استخدامها بشكل سليم ومستدام. لقد فشلنا في قطاعات كثيرة حيوية وأساسية (الكهرباء، المياه…)، وبالتالي تصبح احتمالات الفشل في إدارة المحارق كثيرة". وتضيف:" إن تكاليف تشغيل المحارق الصحية وصيانتها تفوق تكاليف المحارق، فهل ان الشعب اللبناني مستعدّ لتسديد هذه الأموال؟ ثمّ انّ إهمال أو عدم حسن استخدام هذه المحارق لهما عواقب وخيمة متصلة مباشرة بالصحة العامة والأمراض التي يمكن أن تنجم منها. علاوة على ذلك، لا يشير مؤيدو المحارق البتّة إلى النفايات الخطرة التي لا تخضع للحرق إنما عليها أن تُطمر. ماذا سيفعلون بها في حال الاعتماد على المحارق؟" المطامر الصحية إذاً هي الخيار الأنسب والأجدى بالنسبة إلى لبنان، شرط الالتزام بالخطة المتكاملة التي تنصّ على تقليص كمية النفايات التي ستطمر، وشرط استيفاء المطمر الشروط البيئية والصحية والعلمية كافة. يحتاج لبنان إلى مطمرين صحيين لطمر العوادم. تقرّ مسعود بأن ثمة صعوبة في إيجاد الموقعين لأسباب عديدة منها رفض السكان لفكرة المطمر حتى لو كان صحياً (وهذا هو نتيجة انعدام الثقة بالمسؤولين وغياب الوعي الكافي). لكن في النهاية، لبنان لا يمكن أن يستمرّ في التعاطي مع ملف النفايات كما هو فاعل اليوم. الوضع الحالي كارثيّ، وإذا كانت الأمراض الناجمة من سوء إدارة النفايات لا تظهر بالضرورة بشكل آني وفوريّ (على سبيل المثال السرطان)، فإنّ هذا لا يعني أبداً انعدامها. تختم مسعود:" المطلوب هو الإرادة الحقيقية لحلّ هذه الأزمة. الحلول موجودة وفعّالة، فإلى متى نبقيها قيد التغييب؟"
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك