Advertisement

مقالات لبنان24

بريطانيا.. والنزعة الـ "جيمس بونديّة" في قضيّة تسميم العقيد الروسيّ!

جمال دملج

|
Lebanon 24
13-03-2018 | 07:32
A-
A+
Default-Document-Picture.jpg
Default-Document-Picture.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
في انتظار انتهاء المهلة التي حدّدتها رئيسة الوزراء البريطانيّة تيريزا ماي لروسيا مساء اليوم الثلاثاء من أجل الكشف عن الملابسات المحيطة بقضيّة تسميم العقيد السابق في الاستخبارات العسكريّة الروسيّة سيرغي سكريبال وابنته يوليا يوم الرابع من شهر آذار الجاري في مدينة سالزبوري، وما إذا كان الاعتداء "عملًا مباشِرًا" من قِبل الدولة الروسيّة أم إنّه ناتجٌ عن "فقدان السيطرة" على مخزون غاز الأعصاب المستخدَم أثناء التسميم، فإنّ عمليّة العدّ العكسيّ لمعرفة المدى الذي يمكن أن تصل إليه "حزمة إجراءات" لندن ضدّ موسكو تكون قد بدأت للتوّ، ولا سيّما أنّ المتحدِّثة باسم وزارة الخارجيّة الروسيّة ماريا زاخاروفا سارعت إلى الردّ على هذا الموقف عن طريق وصفه بـ "المهزلة"، معتبِرةً أنّه يندرج في سياق "حملةٍ استفزازيّةٍ أخرى" تستهدف بلادها إعلاميًّا وسياسيًّا، وهو الردّ الذي لا بدَّ من أن تدفع نبرته الحادّة على الاعتقاد سلفًا بأنّ الساعات المتبقيّة أمام انتهاء المهلة لن تحمل معها إلى مدينة الضباب أيَّ نبرةٍ مختلفةٍ من شأنها أن تكون أهدأ أو أخفّ. لا شكّ في أنّ زاخاروفا استندت في تصريحاتها إلى ما كان الرئيس فلاديمير بوتين قد أعلنه لدى إجابته نهار أمس الاثنين عن سؤالٍ لمراسِلة "بي بي سي" حول ما إذا كانت روسيا مسؤولة عن هذا الحادث عندما قال: "عليكم تحديد الوضع القائم عندكم أوّلًا، ومن ثمّ نناقش ذلك"، بمعنى أن يُصار إلى الانتهاء من التحقيقات التي يجريها جهاز مكافحة الإرهاب في شرطة "سكوتلاند يارد" لكي يُبنى على الشيء مقتضاه، علمًا أنّ رئيسة الوزراء البريطانيّة كانت في غاية الوضوح عندما قالت البارحة أمام أعضاء مجلس العموم إنّه "من المرجَّح جدًّا" أنّ موسكو تتحمَّل المسؤوليّة عن تسميم العقيد سكريبال وابنته بواسطةِ مادّةٍ مخدِّرةٍ للأعصاب من نوع "نوفيتشوك" الذي تطوِّره روسيا، قبل أن تعلن أنّ وزير خارجيّتها بوريس جونسون استدعى السفير الروسيّ في لندن بغية مطالبته بتقديم التوضيحات اللازمة، وكذلك بتسليم تقريرٍ شاملٍ حول هذه المادّة لمنظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة. وإذا كانت السيّدة ماي قد أكَّدت أنّ بريطانيا لن تتّخذ أيَّ قرارٍ بشأن ما ينبغي القيام به مع روسيا قبل استلام التوضيحات المطلوبة في غضون المهلة المحدَّدة، ومن ثمّ دراستها، فإنّها أكَّدت أيضًا في الموازاة على أنّه "في حال عدم حصولنا على جوابٍ ذي مصداقيّة، فإنّنا سنخلُص إلى استنتاجٍ مؤدّاه أنّ هذه التصرّفات تمثِّل استخدامًا غيرَ قانونيٍّ للقوّة من جانب الدولة الروسيّة ضدّ المملكة المتّحدة"، متعهِّدةً بتحديد "دائرةٍ شاملةٍ" من الإجراءات التي ستتّخذها لندن للردّ على موسكو إذا ما تبيَّن بالفعل ضلوعها في عمليّة تسميم سكريبال وابنته، ولا سيّما أنّ القضيّة ستُصنَّف عندئذٍ على أساس أنّها انتهاكٌ لسيادة بريطانيا ولأمن وسلامة المقيمين فوق أراضيها من المواطنين والوافدين على حدٍّ سواء. الرد المناسب من هنا، وبالنظر إلى أنّ هذه الإجراءات لا بدَّ من أن تطال أعضاء البعثة الديبلوماسيّة الروسيّة في لندن، فإنّ أكثر ما بدا لافتًا في هذا الصدد هو أنّ رئيس لجنة حماية السيادة الوطنيّة في مجلس الاتّحاد الروسيّ أندريه كليموف، سارع البارحة إلى استباق الأمور عن طريق التلويح بأنّ بلاده ستردّ بشكلٍ مناسِبٍ وسريعٍ في حال قيام بريطانيا بترحيل الديبلوماسيّين الروس على خلفيّة قضيّة التسميم، قائلًا إنّ أيَّ خطوةٍ من هذا النوع ستُعتبَر "عملًا معاديًا لروسيا"، الأمر الذي يعني في إطار ما يعنيه أنّ موسكو بدأت بالاستعداد مسبَقًا لمواجهة كافّة الاحتمالات الممكنة، بدءًا من السيّء وصولًا إلى الأسوأ، ولا سيّما إذا أضفنا إلى ما تقدَّم أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة ما لبثت أن دخلت على خطّ الأزمة بتصريحٍ مزدوَجِ المعاييرِ وصَف فيه وزير خارجيّتها ريكس تيلرسون تسمُّم سكريبال وابنته بـ "العمل الفاحش" الذي "سيُثير ردَّ فعلٍ"، مؤكِّدًا على أنّ هذا التسمُّم "من الواضح أنّه قادمٌ من روسيا". وعلى رغم أنّ الوزير تيلرسون اعترف بأنّه لا يعرف ما إذا كانت الحكومة الروسيّة "متورِّطةٌ بشكلٍ ما" في العمليّة أم لا، مكتفيًا بالإعراب عن ثقته بالاستنتاجات التي توصَّل إليها البريطانيّون، فإنّ ما يعزِّز الاعتقاد بوجوب إضفاء توصيف المعايير المزدوَجة هنا، يتمثَّل في أنّ مجرَّد تزامُن إثارة هذه القضيّة الحسّاسة قبل أيّامٍ قليلةٍ جدًّا من موعد توجُّه الروس إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسهم الجديد نهار الأحد المقبل، يحمل في سياقه ما يكفي من المؤشِّرات للدلالة إلى أنّ ثمّة "نزعةً جيمسبونديّةً" ما زالت تسيطر على سلوكيّات الغرب الأميركيّ والأوروبيّ لدى التعامل مع روسيا، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ أكثر ما يُثير غيظ أقطاب هذا الغرب في الوقت الراهن هو أنّ نتائج استطلاعات الرأي ما زالت تُظهِر، يومًا بعدَ يومٍ، أنّ غريمهم فلاديمير بوتين هو الذي يملك الحظّ الأوفر للفوز في الانتخابات، الأمر الذي يُجبرهم على مواصلة السعي إلى تعكير المياه الروسيّة، كلّما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، أملًا في الإيحاء بقدرتهم على الاصطياد (جيمسبونديًّا) فيها. هذا الكلام، وإنْ كان لا ينطوي على أيِّ نيّةٍ في استباق نتائجِ تحقيقٍ لم يكتمل بشكلٍ نهائيٍّ بعد، ولكنّ الغرض من ورائه يتمثَّل في وجوب التذكير بأنّ تجارب الماضي في مجال ممارسة طقوس الـ "بروباغاندا" غالبًا ما علّمتنا أنّ "الغاية تبرِّر الوسيلة"، سواءٌ بالحقّ أم بالباطل، ولا سيّما بعدما أصبح الإعلام سلاحًا يُضاهي بأهمّيّته كافّة الأسلحة المستخدَمة في ميادين الحروب الكبرى.. وحسبي أنّ المتحدِّثة باسم وزارة الخارجيّة في موسكو ماريا زاخاروفا كانت الأكثر بلاغةً في التعبير عن الوضع البريطانيّ الراهن عندما وصفَته بأنّه "عرضٌ بهلوانيٌّ" يندرج في سياق حملةٍ إعلاميّةٍ وسياسيّةٍ تستهدف استفزاز روسيا.. وحسبي أنّ مواسِم الكرنفالات الغربيّة غالبًا ما تنتعش فيها بازارات الأقنعة الزائفة على حساب الوجوه الحقيقيّة، ولو إلى حينٍ.. والخير دائمًا من وراء القصد.
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك