Advertisement

لبنان

القُدس ما قبل 1967 بعُيون حُجّاجِها اللبنانيّين (صور)

Lebanon 24
04-05-2024 | 23:24
A-
A+
Doc-P-1195564-638504873838935410.jpg
Doc-P-1195564-638504873838935410.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
كتب جيمي الزاخم في "نداء الوطن" مقالاً تحت عنوان: "القُدس ما قبل 1967 بعُيون حُجّاجِها اللبنانيّين"، وجاء فيه: 

بعيون الذاكرة والقلب، سنزور مدينةَ القدس مع مسيحيّين حجّوا إليها قبل عام 1967. حينَذاك، كانت القدس الشرقيّة تحت الحكم الأردنيّ قبل أن يدخلها الاحتلالُ الاسرائيلي سنة 1967. مُذّاك، تُوفّي الكثيرُ من الزوّار. أو تُوفيّت ذاكرتُهم. بحثْنا عن عيّنة بقيت لنرسم سماء المدينة، روحَها، رائحتها. لنتجوّلَ بين ألوانها، معالمها وأزقّتها المزروعة في وعي ولاوعي من تباركوا بأرضها. تناولْنا معهم طبقَ الحنين لقدس سيفيض نورُها على هذه الصفحة.
Advertisement

بشعور الغبطة، يعود الدكتور إدمون الخولي إلى عام 1960. يسرح في ذاكرته. "من مونبيلييه الفرنسيّة حيث كنت أدرس الطبّ، وصلتُ إلى بلدتي بطرام -الكورة لأمضي إجازتي. قابلتُ عمّي القادم من السفر مع زوجته المكسيكيّة. قرّرا الحجّ إلى القدس. واصطحباني معهما". بسيّارة العائلة، وبإيمانٍ وشوق، انطلق الثلاثة في رحلتهم التي استغرقت سبعَ ساعات. عبروا الحدودَ اللّبنانية - السّورية. "أذكر أنّنا مررْنا في درعا. ومن ثمّ عبرنا الرمثا الأردنية، وصولاً إلى القدس. نزلنا في فندق في شارع مجاور لباب العمود". هو من أجمل وأهمّ أبواب المدنية. ارتفاعُه شاهق. يعبره الزائر للولوج إلى أسواق تجاريّة كسوق العطّارين، القطن، الدباغة، الصاغة. هو مدخل رئيسي للوصول لكنيسة القيامة والمسجد الأقصى.

باب العمود

يستحضر الخولي السّورَ المرتفع الذي يتجاوز العشرة أمتار. يحيط بالبلدة القديمة المحتضنة القسم الأهمّ من معالم المدينة التراثيّة والدينيّة. "اصطحبنا دليلٌ سياحيّ إلى درب الجلجلة. سار عليها يسوع المسيح حاملاً صليبَه. تنطلق هذه الدّرب من محاكمة المسيح وإنكار بطرس معرفته به". يشمل المسارُ أماكنَ متفرّقة. هنا، تسلّم المسيحُ صليبَه. التقى بوالدته مريم. وقع تحت ثقل الصليب. يُكملون إلى حيث ساعده سمعان القيروانيّ على حمل صليبه. وحيث مسحت فيرونيكا وجهه المتعَب.

بعدها، وصلوا إلى كنيسة القيامة. مساحتها حوالى 7800 متر مربّع. يحفظ مشاهدَ طبعتْها ذاكرتُه. يُعيد إحياءها بسردِه وصوتِه الجَهْوَريّ. بلمعة عيونه الملوَّنة، يلوّن زيارته. "دخلنا الكنيسة مع روح مسحورة بهالة كبيرة". عام 335 م، شَيدّت الكنيسةَ الأصليّة الإمبراطورةُ القديّسة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين. جُدّدت الكنيسة في القرن الثاني عشر. وارتدت شكلَها الحاليّ. بُنيت فوق الصخرة التي صُلب عليها المسيح. يختلي خولي بنفسه وبجدران تضمّ مراحلَ تجريد يسوع من ملابسه، تسميره على الصليب وإنزاله عنه. ثمّ غسله فوق حجر يتبرّك منه الزوّار. "في وسط الكنيسة تقريباً، يقع القبر المقدّس. بُني فوق الصخرة التي دفن فيها المسيح. هنا الموت. وهنا القيامة".

قصد الخولي المسجدَ الأقصى. يفرد يديْه مندهشاً بمساحة باحته الواسعة. تتجاوز 100 ألف متر مربّع. وتشملُ معالمَ ومصلّيات متعدّدة. أبرزها قبّة الصخرة أقدم عمارة أقيمت في العهد الإسلاميّ. يُكمل خولي: "هنا شاهدنا الصخرة المشرَّفة. عرج عليها النبيّ محمّد في ليلة الإسراء والمعراج. أثناء حضورنا، كان يُنظّفها أحدُ الموكلين الاعتناءَ بالمكان".

بعدها، توجهت عائلةُ الخولي إلى بيت لحم. "قُدْنا السّيارة لحوالى ثلث ساعة. طريق ممدود ببساتين الزيتون وكروم العنب". دخلوا كنيسةَ المهد. بُنيت عام 335 فوق مغارة ولادة المسيح. "أذكر مدخلها وكهف الميلاد الضيّق". زاروا المدينة التي يُمنع اليوم أبناؤها كما كلّ أبناء الضفة الغربية المسيحيّين من الوصول إلى القدس والحجّ إلى كنيسة القيامة.

هذا أهمّ ما في جعبة ذاكرة الخولي. يستدرك. يُضيف: "أثناء مرورنا أمام مدرسة الفرير في المدينة، التقيتُ بناظرٍ واكبَنا لسنوات كتلاميذ في مدرسة الفرير- طرابلس، قبل أن ينتقل الرّاهب إلى القدس". ومن القدس الشرقيّة، وعن بعد، شاهد خولي جنديّاً إسرائلياً في الشطر الغربيّ. كان واقفاً على جدار يفصل القُدسيْن. "دعوتُ بيني وبين ربّي: الله ينصر كلّ مظلوم".

ذاكرة الخولي القويّة خلّدت المَشاهد. فاضت منها الأحداث. أمّا ذاكرة العمّ جورج كرم فَشحيحة. لم تبق من زيارته إلى القدس إلّا ومضات، لمعات تخفت رويداً رويداً. مرّت 61 سنة على رجل يقترب من تسعينه. يُمسك عمره. يُقلّبه ليُخرج منه ما يخدُمنا. "كنت أريد تأجيلَ زيارة القدس إلى العام التالي. لكنّ الوالدة أصرّت أن نرافقَ شقيقها. فامتثلتُ لرغبتِها". يبتسم كرم: "الحمدالله إنّو سمعت منها وحجّينا ع القدس. بعد ما رجعنا ببضعة أشهر، نامت إمّي وما فاقت".

لا يذكر من الطريق إلّا الإطلالة على سهل البقاع. "استأجرنا تاكسي. زرنا نهر الأردن حيث تعمّد المسيح. وقصدنا البحر الميت". في القدس، سكنوا لأيّام في منزل أحد معارف خالِه. يروي كرم بقلبه وليس بعقله. يعصر عيونه وروحَه. فتخرج نكهةُ ورائحة الكعك المقدسيّ. "جلبنا منه. ووزّعنا على الجيران". يصمت. يسأل: "قولكُن ليش ما عم إتذكّر إلا المرتبط بإمّي؟". الصورة ضبابيّة. يحاول إيجاد مفاتيح تفتح باب أيّامه المَقْدسيّة. يُضيء على لقاء مع أحد حاملي مفتاح كنيسة القيامة: "لفتني الشكل والحجم". يضحك: "بس ما تسألني لا عن اسم الشخص ولا عن عائلته".

في باحة كنيسة القيامة

لعلّ الأكيد أن من التقاه العمّ جورج هو أحد أفراد عائلة آل النّسيبي المسلمة المُناطَة بمهمّة فتح وإغلاق الكنيسة. يوميّاً، يتسلّمون المفاتيح من عائلة جودة الحسيني المُسلمة أيضاً. عهَدَ إليها صلاح الدين الأيوبي الوصاية على المفاتيح منذ ثمانية قرون. العائلة تتحدّر من سلالة النبيّ. وهذا ربّما حمى الكنيسة من تزمّت حاكم سيتردّد بمواجهة أهل البيت. أما الطّوائف المسيحية، وبعد موافقتها على هذا التقليد، فتهتمّ بالإشراف وإدارة مرافق الكنيسة.

زار الخولي وكرم القدس فُرادى. لكنّ الكثير من زيارات الحجّ نُظّمت جماعيّة. من بين هؤلاء المنظّمين، نقولا الرّوادي من مدينة الميناء. تُوفّي منذ خمسين عاماً. يستحضرُه رئيسُ قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الجنان د. جان توما، في كتابه "يوميّات مدينة". بعيون سنوات طفولته وشبابه، يرسم توما المشهديّة. وهذا بعض ما أورده: "صبيحة السّفر، يشدّ الحاج نقولا الحبال على ظهر البوسطة... كانت الحقائب دائماً جاهزة للتبرّك بالعتبات المقدّسة... تنطلق البوسطة إلى الشّام أوّلاً، ثمّ إلى عمّان فبيت المقدس. يتبرّك المؤمنون ويحملون معهم من هناك - وخاصّةً العجائز- ألبسة بيضاء ليُدفنوا بها. منذ عام 1967، لم يذهب الحاج نقولا إلى القدس. بل حملها في قلبه يتقدّس بها وعيناه في كلّ يومٍ تصلّيان لأجل تحرير ترابها".
 
 
 
 
 
 
 
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك