Advertisement

لبنان

عمالة اللاجئين.. بين فوبيا الهوية وتوظيفات السياسة

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
22-07-2019 | 04:55
A-
A+
Doc-P-609639-636993934922743306.jpg
Doc-P-609639-636993934922743306.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

ليس كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضدّ النائبات الأربع من الحزب الديموقراطي (وهنّ من أصول غير بيضاء) ودعوته لهنّ للعودة إلى بلادهن باعتبارهن "غرباء"، تقليداً جديداً في السياسة الأميركية التي عاملت قروناً طويلة ملايين السود بتمييز وتعسف قبل بروز حركة التحرر. وليست انعطافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حيال اللاجئين السوريين بجديدة على منطق التوظيف السياسي للشعارات الانسانية، كما أن توجهات وزير العمل كميل أبو سليمان بحق عمالة اللاجئين الفلسطينيين لا تنطلق من فراغ.. للحكاية أصول أعمق.

منذ سنوات تجتاح الديموقراطيات الغربية في أميركا وأوروبا موجات من الشعبوية أوصلت أحزاباً وشخصيات من أقصى اليمين إلى السلطة محمولةً على شعارات عنصرية وهواجس الأمن والخوف من الإرهاب والاسلاموفوبيا، خلافاً، بل وعلى النقيض، من كل شعارات احترام الحريات والديموقراطية والتنوع وحقوق الانسان، ومن تجارب التاريخ والحضارة والانفتاح.

لكن السؤال يبقى مشروعاً، لماذا يميل المزاج العام في بعض الأنظمة الغربية تباعاً نحو اليمينية والشعبوية والتشدد والانغلاق والانعزالية، مناقضاً كل القيم التي دفع ثمنها ملايين الأرواح منذ الحرب العالمية الثانية في سبيل احترام حقوق الانسان والحريات والليبرالية الاقتصادية؟ لماذا يراد لبلاد قامت على قيم الحرية والمساواة أن تتحول إلى بلاد للفئوية الخائفة؟ وهل يكفي رفع شعار الخوف على الهوية الوطنية لتبرير منطق الانعزال، أو عدم التساوي مع "الآخر"؟

الواقع لا يكفي. فاصطناع المخاوف والانغلاق والارتداد نحو الداخل لم يكن يوماً بديلاً مقبولاً عن الحوار والتفاعل ومشاركة التحديات في عالم يضيق تباعاً بساكنيه، والحقد والعنصرية لم ولن تكون بديلاً عن الانفتاح والتعايش وقبول الآخر. الرؤية الانغلاقية تمثّل تناقضاً صارخاً مع فكرة الدولة الحديثة القائمة على "البراغماتية" والمساواة والديموقراطية.

نحن أمام ما يعرف بسياسات الهوية، وتتحدد عند ترامب بـ "اللون"، وفي أوروبا الغربية بالأصل الاثني، وفي دول آسيوية مثل الهند وبورما بـ "الدين"، أما الدول التي ما تزال تتمسك بتقاليدها الحضارية لناحية الانفتاح واحترام التعدد فظهرت فجأة مقولة "الاسلاموفوبيا"!! وقبل كل هذه الظواهر عانت فلسطين من احتلال صهيوني، ظهر استيطانيا بداية الأمر، قبل أن يرفع شعار الدولة اليهودية الخالصة حيث يصبح من بقي من فلسطينيين بنظر الايديولوجية الجديدة، دخلاء وأغراباً وليسوا مواطنين.

في لبنان، لسنا بمنأى عن فوبيا الهوية وهواماتها وتوظيفاتها، وزير الخارجية جبران باسيل تحدث قبل فترة عن تفوق جيني إزاء النازحين السوريين، أما وزير العمل كميل أبو سليمان فيريد تطبيق مواد قانونية بحق اللاجئين الفلسطينيين تتصل بمزاولة بعض المهن، لكنها أشعلت فتيل جدالات تجاوزت قانون العمل لتصل إلى عمق الهواجس السياسية!!

في النموذج الأميركي وأوروبا الغربية، إنها الديموقراطية التي تحمل آثاراً سلبية وعوارض جانبية قد تفرز وقائع سياسية واقتصادية وإعلامية صادمة، كانتخاب غير المؤهلين أو الموتورين، والذين يستغربون ويستنكرون كلام ترامب حول النائبات الأربع، يعرفون جيداً أنّ خطابه هذا هو الذي أوصله للبيت الأبيض. هناك – للمفارقة – الدولة الحديثة التي نتحدث عنها هي التي سمحت بالذهاب نحو "اللامعقول" في محاسبة السياسات والأحزاب حتى لو أدى ذلك إلى وصول المتطرفين العنصريين! وهي التي فرضت احترام التغيير حتى ولو من خارج المألوف!!

أما في نموذجنا في لبنان فالحجج تراوح بين "الجين" أو"القانون"، وما بين هذا وذاك يتعاظم الوهم، لكنه، للأسف، وإن كان وهماً قاتلاً، يحقق مكاسب سياسية، وربما أكثر.

يحق للغرب أن يختبر صدمة الأفكار النافرة، وأغلب الظن أن الاتجاهات الاجتماعية الرئيسية كفيلة بهزيمة الشعبوية وتأكيد تمسكها بالديموقراطية والوحدة والقيم، والانتصار على الكراهية والعنصرية، وتجارب التاريخ الحديث تشهد.. ويحق لنا في لبنان أن نتحسر مرتين، مرة على فشلنا في اجتراح سياسات تصون وحدتنا الوطنية ومصالحنا الكبرى، ومرة ثانية على فشلنا في المحافظة على النموذج ا .لذي كان يمثله لبنان يوماً ما

 

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك