Advertisement

لبنان

لغة العهد... و أمثلة منتقاة من الذاكرة القريبة!

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
17-10-2019 | 05:00
A-
A+
Doc-P-635908-637069063428747057.jpg
Doc-P-635908-637069063428747057.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
في نهاية الشهر الحالي، يكون قد أمضى رئيس الجمهورية ميشال عون نصف ولايته الرئاسية. قبل ثلاثة أعوام، تحقق حلم "العماد". لم تكن عملية الانتخاب سهلة. ما كان يحصل تحت قبة البرلمان ويُبثّ مباشرة على الهواء، بدا أشبه بمسرحية. الجلسة حملت الرقم 46 وانتهت بفوزه بأكثرية 83 صوتاً من أصل 127 نائباً حضروا الجلسة، بعد دورتين متتاليين و4 محاولات للاقتراع، ومشاغبات ورسائل مباشرة وغير مباشرة، حدّ أن وصف رئيس مجلس النواب المشهد بـ "مدرسة المشاغبين". هكذا، فُتحت أبواب قصر بعبدا أمام "الجنرال"، وانتهت مرحلة فراغ رئاسي دامت سنتين ونصف السنة، وانطلق "العهد القوي"، المولود من رحم تسوية سياسية سرعان ما سيتضحّ أنها إحدى الهرطقات المعهودة في عالم السياسة اللبنانية، أو بتوصيف أحلى... أنها كانت نوبة هذيان.
Advertisement
وَعَدَ "عهد بيّ الكلّ" بالكثير. بل بما بدا أشبه بالحلم المستحيل في نظر اللبنانيين الغارقين في وحول اليأس. في قاموس العهد، برزت مصطلحات كبيرة وطنانة على شاكلة "الدولة المدنية"، و"الحريات المقدسة"، و"البحبوحة"، و"المحاسبة"، وطبعاً "الإصلاح والتغيير"...
لكن، ما بدأ كمسرحية، وإن كان التوصيف من باب المزاح والتصويب على سلوك بعض النواب، يصبح اليوم أشبه بمسلسل تراجيدي. لم يعد ثمة ما يُضحك، في هذا البلد. وحدهم أصحاب السلطة، يضحكون. يضحكون أمام الشعب، ويضحكون عليه.
قد يكفي استحضار بعض المواقف التي أطلقها في الآونة الأخيرة، أهل "العهد"، لتحسس هول التراجيديا، فالنحيب. 
بالأمس، كان لبنان يحترق. احترق هذه المرّة بكل ما في الكلمة من معنى. لم تكن ألسنة النيران مجازية، بل وحشاً التهم الأخضر واليابس، وعرّى، في طريقه، ما كان معتاداً على التلطي خلف مساحيق تجميل. هكذا، تساءل النائب ماريو عون عن سبب اندلاع الحرائق في مناطق مسيحية حصراً، مع أنّ ذلك لم يكن صحيحاً قطّ. بعد بضعة ساعات، أطلّ النائب غسان عطالله مهاجماً النائبة بولا يعقوبيان بلغة ذكورية هوجاء. قبله، فعل الصحافي جوزيف أبو فاضل المتحدث بلسان العهد، الأمر نفسه، مع "الضحية" نفسها. ومنذ أيام، كان لوزير البيئة فادي جريصاتي تصريحات صادمة. لم يكتف الرجل بالاستخفاف من معاناة اللبنانيين بسبب رائحة النفايات وانتشارها في صحونهم وأسرّتهم وأوردة أجنتهم المنازعة في الأرحام، بل طاب له استعمال لغة القمع والفوقية، فطلب ممن "لا يفرز الزبالة في منزله ألا يسمعه صوته". لاحقاً، أقرّ واعترف بأن الأموال التي يسددها المواطن كضرائب تُنهب وتُسرق، داعياً إياه أن يقوم بهذا الواجب حتى لو كان يعلم بمصيرها. بالمناسبة، يبدو أن الوزير نفسه من المؤيدين لعقوبة الإعدام التي تتنافى، في عرف الدول المتحضرة ومنطقها، مع حقوق الإنسان، إذ دعا إلى إنزال هذه العقوبة بمفتعلي الحرائق التي اندلعت مؤخراً، جازماً أصلاً، قبل إنجاز أي تحقيق جديّ، أنها مفتعلة.
هذه كانت أمثلة منتقاة من الذاكرة القريبة، عن لغة العهد. "الآخرون" ليسوا أفضل حالاً طبعاً، لكن من حق اللبنانيين الذين صدقوا وعود العهد وآمنوا بلغته، أن يلاحقونها "على الفاصلة والنقطة"، وإلا، لم الأمل؟
 
لكن في الحقيقة، قد تكون كلّ تلك المواقف المذكورة آنفاً، علامات ترقيم، تعزز المعنى لكنها لا تسقطه نهائياً. من يريد أن يطلع على لغة العهد الحقيقية، عليه أن يستمع إلى خطابات رئيس "التيار الوطني الحرّ" جبران باسيل في محطات ثلاث: في اجتماع وزراء الخارجية العرب، في ذكرى 13 تشرين، وفي مؤتمر اللقاء المشرقي. الرجل الذي قرر أن يفتح علاقات مع النظام السوري وسبق له أن أدلى بمواقف عنصرية تجاه اللاجئين، يهدد بقلب الطاولة في الداخل، وباجتياحات تضاهي كلّ "التسوناميات" البرتقالية السابقة. والرجل نفسه، الذي يتباهى تياره باستعادة حقوق المسيحيين، يسعى إلى تشكيل حلف أقليات في هذا الشرق. هل لهذا العهد رؤية سياسية وتصوّر للبنان الحاضر والمستقبل والوطن والدولة والنظام والهوية!؟ فلنقرأ خطابات باسيل جيداً، وكلّ ما يتبقى من كوارث طبيعية وبيئية واقتصادية واجتماعية ومعيشية وحقوقية، تصبح روتيناً إدارياً ريثما تُنجز "المعاملة"، ويتقن "الشعب العظيم" قواعد تلك اللغة ويفكّ ألغازها! وإلى ذلك الحين، سيظلّ اللبنانيون يسمعون كلاماً يومياً على شاكلة "العهد مستهدف"، و"مش نحنا كنا بالحكم"، وأشياء أخرى فيها كمّ هائل من التناقضات والأضداد.  
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك