Advertisement

فنون ومشاهير

في قضية وائل وأنجيلا: هنا الخطر الأكبر

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
19-08-2019 | 04:48
A-
A+
Doc-P-617903-637018123147691933.jpg
Doc-P-617903-637018123147691933.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
بعدما "نجح" الفنان وائل كفوري في إبقاء حياته الشخصية بعيدة من الأضواء بشكل لافت إلى حدّ أن غابت، أو غُيّبت صور زوجته وبناته وأخبارهنّ عن الإعلام، ها هو الخلاف بينه وبين طليقته أنجيلا بشارة (علماً أن خبر طلاقه بقي لفترة من دون تأكيد أو نفي)  يتفجّر دفعة واحدة ليستحيل بين ليلة وضحاها، قضية رأي عام.
Advertisement
النجم الذي غفا على صوته العشاق وجمعت أغنياته، غالباً، قلبين يتألمان حباً وشوقاً، يُتهم اليوم بالتعنيف الأسري وسوء المعاملة والتقصير بواجباته العائلية. الخلاف الذي تتسابق وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية على نشر تفاصيله ومستجداته، لا يقتصر على نزاع حول نفقة من هنا أو أثاث منزل من هناك، بل يتعدّاه إلى معلومات عن ضرب وتعنيف مورس بحق الزوجة، على مدى سنوات. ومنذ أيام، تحرّك الشارع الزحلاوي إثر نشر تسجيل صوتي يعود إلى محامي الدفاع عن بشارة، أشرف الموسوي، يتضمن شتائم وكلاماً مسيئاً بحق كفوري ومدينته زحلة، "دار السلام"، فرُفعت يافطات تدافع عن "الابن البار"، ونزل الشبان محتجين وغاضبين ومهددين، وكان "ملك الرومنسية" طبعاً بينهم يردد "علقوا مع الشخص الغلط"! تحصّن الرجل بجمهوره وطائفته ومنطقته وشعبيته!
على "السوشيل ميديا" وفي الإعلام، الجبهة ليست أكثر هدوءاً. بل هي أعنف. القضية اليوم بيد القضاء، لكنّ كثيرين اختاروا الانحياز إلى صفّ النجم المشهور والدفاع عنه بهاشتاغ #وائل_خط_أحمر وأخبار وفيديوهات وتعليقات تُسقط عنه التهم الموّجهة إليه بسحر ساحر، بل انكبوّا على تشويه سمعة بشارة ووصفها بالكاذبة والمخادعة والمبتزة. في المقابل، وقف كثيرون إلى جانب "الزوجة المعنفة"، معيدين تسليط الضوء على قضية العنف الأسري بعامة والعنف ضدّ المرأة بخاصة في لبنان.
قد يحصل، في حضرة مثل هذه القضايا، لا سيّما إذا كان "نجومها" من المشاهير، أن تتلبد الغيوم حول الحقائق، وأن يزداد "الملح والبهار" أو ينقصان. وعلى الرغم من أنّ  الناشطة النسوية حياة مرشاد تقول إن في حوزتها "صوراً مرعبة تكشف حجم همجية إعتداء كفوري على زوجته" لم تكشفها حتى الساعة "حفاظًا على كرامة بشارة كإمرأة ناجية من العنف"، يصرّ كثيرون على عدم تصديق الأمر أو نفيه أو تكذيبه أو حتى اعتبار الصور برمتها مفبركة!
قد يبدو من المفيد هنا ترك الأمور تأخذ مجراها القانوني، فلا يكون الحكم إلا للقضاء العادل، إذ إنّ "المحاكم" التي تقام على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خطيرة جداً!
في أحد الفيديوهات، تتوّجه إعلامية شهيرة إلى بشارة في معرض مهاجمتها وتكذيبها بسؤال صريح:"ليش نطرتي سنين وجبتي بنتين قبل ما تقولي إنك معنفة. المرة يلي عندا كرامة ما بتسكت". سؤالٌ على الأرجح يطرحه معظم اللبنانيين عندما تقرر سيدة مثلاً أن تترك "جحيمها" بعد سنوات من الزواج، أو بعد أن تفضح ذات صباح المستور والوجع. 
هذه كارثة
في هذا السؤال، وما يشبهه، الكثير من الجهل والظلم والتعنيف الإضافي بحق المرأة المعنفة. وعندما تُطرح مثل هذه الأسئلة في سياق تناول قضية ينتظر معظم اللبنانيين، كباراً وصغاراً، أخبارها كونها تعني فناناً مشهوراً ومعروفاً، فإنّ مخاطرها تتضاعف لأنها تساهم في تعميم أفكار خاطئة بشكل سهل وسريع، ما يضرب الثقافة "المضروبة" أصلاً في موضوع المرأة والعنف. 
في السنوات الأخيرة الماضية، نجحت الجمعيات والمنظمات غير الربحية التي رفعت شعارات حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين و"لا للعنف"... في وضع قضية تعنيف المرأة بشكل خاص، في الواجهة وعلى سلّم الأولويات، واستطاعت أن تؤثر إيجاباً في الرأي العام اللبناني عبر تغيير بعض الممارسات والمفاهيم الذكورية السائدة ونشر الوعي وصولاً إلى الضغط على السلطة التشريعية التي أقرّت قانون  حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري عام 2014 والذي بات الداعم الأكبر للنساء على رغم ثغراته. 
ولعلّ من أهمّ ما سعت تلك الجماعات النسوية إلى تسويقه وترسيخه في الأذهان هو ضرورة التكلّم وعدم السكوت عن العنف، سيّما في ظلّ توافر العديد من وسائل الحماية وأهمها حقّ المرأة بالحصول على قرار بالحماية، بالإضافة إلى التشدد في معالجة مثل هذه القضايا ومتابعتها من قبل القوى الأمنية والجسم القضائي.
وبالفعل، اقتنعت شريحة كبيرة من اللبنانيين بضرورة عدم السكوت عن العنف فأسقطت "حماقات" وجوب رضوخ المرأة كرمى أولادها أو خوفاً من الفضيحة أو من عدم القدرة على إعالة نفسها...خصوصاً بعد وقوع جرائم عنفية رهيبة راحت ضحيتها سيدّات كثيرات.
لكن وإن كان تشجيع النساء المعنفات على عدم السكوت والرضوخ أمراً في غاية الأهمية، إلا أنّ تحميلهّن وزر عدم التجرؤ على "قلب الطاولة" في وجه المعنّف أمرٌ في غاية الخطورة والبشاعة.
قليلٌ من المعرفة والوعي حول موضوع العنف ضدّ المرأة يفيد. قد يبدو من المهم أن نعرف أنّ العنف الممارس من قبل الشريك لا يبدأ عند اللكمة الأولى. إنه يبدأ قبل ذلك بكثير.
تُعرّف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه "أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".
المشكلة أنه غالباً ما يتمّ إهمال العنف النفسي والمعنوي وحتى الإقتصادي الذي تتعرّض له المرأة في لبنان.للأسف، قد يبدو أحياناً من البلاهة المطالبة بتسليط الضوء على هذه الأنواع من العنف بغية التصدّي لها فيما لا يزال البعض يرى أنه كان يجب على تلك السيدة أن تُقتل كعقاب لها على تقصير أو قوة فائضة!
نعود إلى "الدوّامة" التي تغرق فيها المرأة عندما تُعنّف. علمياً، عندما يبدأ العنف الجسدي، تكون المرأة قد أصبحت في "قبضة" الرجل. من المفارقات أن المرأة تصبح في هذه الحال أكثر اعتماداً على شريكها المعنّف. تعتقد أنها عاجزة من دونه. أكثر من ذلك، تشعر بالذنب وتظنّ أنها مخطئة وتستحق الضرب. تلوم نفسها وتوّبخ حالها أكثر من مرّة، فتميل إلى إخفاء كلّ ما تتعرّض له عن العالم الخارجي. الخجل يصبح ظلاً. المشكلة أنها عندما تتجرأ على المقاومة، فإن العنف ضدّها يتضاعف. وفيما يحدث كلّ هذا، "ينجح" الرجل بتألق في لعب دورين: العنيف والعطوف الحنون. في العادة، عندما ينهال المعنّف بالضرب على ضحيته فإنه سرعان ما يجثو ربما أمام ركبتيها طالباً السماح، أو في أغلب الأحيان محملاً إياها الذنب وواعظاً ومنبهاً، فيأتي بمكعبات الثلج ليضعها على البقع الزرقاء ويضع "البلاستر" على الجروح بحبّ وحرارة. وإلى حين موعد جولة العنف الثانية، يبقى كذلك.
إنّ هذا السلوك المتناقض يجعل المرأة في معظم الأحيان تتجاهل العنف مركزّة في المقابل على اللحظات التي يكون فيها الشريك لطيفاً ومحباً وهادئاً.
في معظم الأحيان ، ينتهي الإيذاء بعلاقة جنسية، وهي في الواقع اغتصاب. قد تقدم المرأة المعنفة على هذا الفعل لأنه يجنبها الضرب. قد لا تقرّ بأن ما يحدث هو عملياً اغتصاب، لكن فعلياً هذا ما يحدث.
وليس بالضرورة أن تكون المرأة المعنفة محبوسة في منزلها لتكون سجينة في علاقة عاطفية.  الخوف والإيذاء النفسي والإرهاق الجسدي...كلّ ذلك وأكثر يجعلها عاجزة عن الهروب من "الإرهاب". 
عالمياً، يعدّ العنف ضدّ المرأة إحدى المشكلات الصحية العمومية الكبرى وأحد انتهاكات حقوق الإنسان. لهذا السبب، تسعى الدول والمجتمعات إلى خلق شبكة دعم للنساء. وتصف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة بـ"السرطان"، قائلة إنه "سبب جوهري للوفاة والعجز للنساء في سن الإنجاب، وسبب أخطر يؤدي للعِلّة مقارنة مع حوادث السير والملاريا معا".
في الخلاصة، يبدو جليّاً أننا في لبنان ما زلنا بحاجة إلى نشر الوعي حيال موضوع العنف ضدّ المرأة والتصدي لكلّ محاولات ترسيخ مفاهيم خاطئة وخطيرة. "تعيير" المرأة بأنها "بلا كرامة" لأنها لم تتمكن، في مرحلة ما، من كسر الصمت وفضح معنفها، عنفٌ مخيف ينخر كالسوس في الأدمغة. إسقاط التعنيف النفسي من خانة العنف هو أيضاً ظاهرة خطيرة. محاولات توسيخ صورة المرأة المعنفة - المتكلمة بشتّى الطرق هي للأسف اعترافات ضمنية بقبول الإساءة. 
لعلّ في "إيجابيات" قضية كفوري - بشارة الضئيلة جداً أنها كشفت النقاب عن هذه "الألغام" وسواها، عسى أن تُزال قريباً قبل أن تنفجر في وجوه الجميع.
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك