Advertisement

إقتصاد

هل نشهد نهاية حقبة تثبيت سعر الصرف؟

هتاف دهام - Hitaf Daham

|
Lebanon 24
17-11-2019 | 04:30
A-
A+
Doc-P-645951-637095780761144942.jpeg
Doc-P-645951-637095780761144942.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لبنان أمام مفترق طرق، فالوضع الاقتصادي والمالي  يستمر بالانحدار نحو الهاوية من دون ان تحرك السلطة ساكناً؛ فالتكليف متعثر حتى الساعة، ما ينذر بتعقيدات على مستوى التأليف، في حين ان المطلوب في ظل التحديات والتصنيفات المالية العالمية  العمل سريعا على تأليف حكومة واطلاق وتنفيذ خطة جريئة لإصلاح الاقتصاد والمالية العامة.
Advertisement

لقد شكل التخفيض الائتماني الأخير ضربة اضافية اقتصادية للأزمة التي يمر بها لبنان. وبحسب الخبير القانوني الدولي في الشؤون الإقتصادية والمصرفية المحامي علي زبيب لـ"لبنان24"، يتم استخدام التصنيف الإئتماني من قبل صناديق الثروة السيادية، وصناديق المعاشات التقاعدية والمستثمرين الآخرين لقياس الجدارة الإئتمانية للبنان وبالتالي التأثير الكبير على تكاليف الاقتراض في البلاد والإستثمار الخارجي والداخلي المباشر والوضع النقدي والاقتصادي بشكل عام.
في 5 تشرين الثاني 2019 خفضت وكالة Moody's في التصنيف الائتماني السيادي للبنان إلى "Caa2" من "Caa1" وحافظت على نظرتها المستقبلية للمراجعة، بعد أن أعتبرت ان هذه الخطوة تعكس الإحتمال المتزايد لإعادة جدولة الديون، في أعقاب الحراك الشعبي الاجتماعي الغير مسبوق والذي دفع الحكومة إلى الإستقالة وزعزع ثقة المستثمرين في لبنان.

ومع استمرار الأزمة السياسية واستفحال الأزمة الإقتصادية وما لازمها من إقفال غير مسبوق للمصارف، أصدرت وكالة ستاندر أند بورز في 16/11/2019 تقريراً تخفض فيه تصنيف لبنان درجتين من (-B) إلى (CCC)، كما أنها تحدثت عن ارتفاع احتمالات انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، مما قد يدفع السلطات وفق الخبير القانوني الدولي في الشؤون الإقتصادية والمصرفية، إلى عملية إعادة هيكلة للدين العام واللجوء إلى فرض قيود على رأس المال (كابيتال كونترولز) على السحب والتحويل ولكن بصيغة رسمية هذه المرة بعد أن قامت المصارف بهذا الإجراء بشكل استنسابي خلال فترة الحراك الشعبي، وهو الأمر الذي زاد الأمور تعقيداً ورفع من خطورة حدوث (بنك رن - Bank Run) وهو قيام المودعين بسحب أموالهم دفعة واحدة من جميع المصارف نظراً لانعدام الثقة مما قد يؤدي إلى انهيار القطاع المصرفي والنظام المالي، وهو أمر لمّحت إليه وكالة ستاندرد اند بورز. وقد عدّلت الوكالة رؤيتها المستقبلية من "قيد المراقبة" إلى "رؤية سلبية"، بعد ان اعتبرت ان هذا التصنيف يشمل الديون القصيرة الأمد والطويلة الأمد وبالعملة المحلية وعمليات التحويل والسحب. علماً أن ارتفاع الضغوط يزيد احتمالات لجوء الحكومة إلى عملية إعادة هيكلة للدين، نظراً لكون عدم نموّ للودائع سيحد من القدرة على تمويل عجز الحكومة.

أن الكابيتال كونترولز غير الرسمية التي تمارسها المصارف بالتواطئ مع عدد من المودعين الكبار الذين عمدوا الى تهريب رؤوس أموالهم، ادى وسوف يؤدي حكماً، بحسب زبيب، إلى تسارع وتيرة هروب الودائع خلال الأسابيع المتبقّية، وضرب أساس السياسات النقدية والنظام المصرفي اللبناني.

وعليه، وكون عملية اللجوء إلى كابيتال كونترولز بشكل رسمي أصبحت ضرورة وواقعاً ملحاً، فهناك، بحسب زبيب، احتمال حقيقي أن نشهد نهاية حقبة تثبيت سعر الصرف، وهو أمر قد وافق عليه عدد من الخبراء ومنها ستاندرد اند بورز، والتي استندت إلى التراجع في احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية القابلة للاستعمال من 19 مليار دولار إلى 17.9 ملياراً دولار، متوقعة أن تنخفض إلى 11.1 مليار دولار في نهاية 2020 و5.7 مليارات دولار في نهاية 2021 لتصبح 257 مليون دولار في نهاية 2022، وهو امر بغاية الخطورة.

ومن دون الدخول في تفاصيل وتقنيات انتهاء عنصر تثبيت سعر صرف الليرة، يجب التنبيه، كما يؤكد زبيب، من أن هذه خطوة سوف تتسبب بمجزرة اجتماعية مردها القضاء على القيمة الشرائية لرواتب ومعاشات ومدخرات الطبقات الفقيرة والاقل من متوسطة نظراً لاضمحلال الطبقة المتوسطة في لبنان نظراً للسياسات المالية الخاطئة والتي صاغتها وتبنتها معظم الحكومات منذ انتهاء الحرب.

لا بد من الإشارة في هذا السياق، إلى أن المصارف ورغم باعها الطويل وخبرتها العميقة، ليس من الضروري ان تكون على علم دائم بكيفية الإدارة المالية للمصرف المركزي، هذا من جهة، يقول زبيب، فقد ظهر مؤخراً خلاف جدي وعميق بين المصارف اللبنانية ومصرف لبنان، وهو خلاف لا يُتوقع أن يستمر طويلاً نظراً للعلاقة الوطيدة بين الطرفين لمدة تزيد عن 25 عاماً، وسبب الخلاف هو قيام المصارف بإستعمال مبلغ 650 مليون دولار (كانت قد اشترتها مؤخراً من مصرف لبنان) لخدمة كبار المودعين وتحويل حساباتهم إلى الخارج، عوضاً عن تسهيل أمور صغار المودعين وهو ما زاد الامر تعقيداً ورفع منسوب إنعدام الثقة، فوجد حاكم المصرف المركزي رياض سلامة نفسه مضطراً إلى إصدار تعميم رفع الاحتياطي وإتاحة الفرصة أمام المصارف الى الاستدانة بفائدة 20% مع اشتراط عدم تحويل الأموال المُستدانة الى الخارج.

وهنا يبرز النقاش الحاد بين الطرفين حيث يُصر الحاكم على إقناع المصارف بإعادة حوالي ملياري دولار خلال الشهر المقبل الى السوق اللبناني لتفادي الإنهيار الكبير، خاصةً وأن ثقة المودعين قد تدهورت أكثر وسط اضطرابات اجتماعية، وإقفال المصارف لمدة طويلة، فضلاً عن وضع المصارف قيوداً فردية على عمليات تحويل العملة وسحبها إلى الخارج. كل هذا وغيره من الأحداث زادت الضغوط على سيولة المصارف، وزادت وتيرة هروب الأموال من لبنان، ما أثّر ويؤثر سلباً على احتياطات مصرف لبنان بالعملات الصعبة، يؤكد زبيب.


عليه ومن خلال المُراقبة الدقيقة، يتضح، بحسب الخبير القانوني الدولي في الشؤون الإقتصادية والمصرفية، أن إغلاق المصارف المستمر والقيود غير الرسمية على السحب والتحويل تطرح علامات استفهام عن استدامة سعر صرف الليرة واستمرارية هذا النظام، وهو ما سيعمّق هوة الأزمة، وبالنظر إلى العجز المالي الكبير وحاجات الاستيراد، فإن الحكومة تحتاج إلى دعم المانحين الدوليين، والتي عادةً ما تكون مشروطة، من أجل الاستمرار في خدمة الدين الذي بات يمثّل 148% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019.

النقطة الأساسية، تبقى بحسب زبيب، أن الأزمة بدأت منذ وقت طويل واستمرت بالتراكم، وقد فشلت السلطة السياسية بالتعامل معها عبر الاستمرار بالهدر والفساد وعدم القيام باي اجراء اصلاحي على مدى 30 عاماً منها 15 منذ انسحاب الجيش السوري الذي يأخذه البعض ذريعة. وعلى هذا الأساس هبَّ الناس الى الشارع للتعبير عن سخطهم.

اما وقد أصبحنا بمرحلة جديدة، قد تحمل تداعيات خطيرة، فالحكومة سقطت ولا بد من وجود بديل والسلطة يجب ان تتحمل المسؤولية حتى لا نتجه الى الفوضى؛ فلا بد من تحميل السلطة مسؤولية تنفيذ الحلول، كون البديل عن السلطة ككُل غير جاهز وذلك عبر تشكيل حكومة إنقاذية تقوم، بحسب زبيب، بتنفيذ الأمور التالية:

ضبط الدولار والليرة واخذ إجراءات نظامية وواضحة وشفّافة لضوابط رأس المال أي capital controls بحيث يكون الهدف الأساسي هو منع الودائع الكبيرة من الخروج من لبنان، اضافة إلى عملية "قص شعر" - وهي عملية فرض إجراءات إستثنائية لمرّة واحدة بمعدل معّين او تصاعدي يصيب الودائع الكبيرة التي تراكمت بسبب تراكم الفوائد (مع تفضيل النموذج القبرصي)، علماً ان هذا الإجراء هو ليس اجراء اشتراكي بل على العكس يتم اعتماده في أنظمة راسمالية وباقتراح صندوق النقد في اغلب الأحيان. على ان تكون اجراءات الcapital controls و haircuts عل فترة معينة وليس نهائية أي ٣ اشهر، يأتي خلالها جزأ من الحل.
منع اصحاب ومساهمي المصارف الرئيسيين من توزيع الأرباح على المساهمين خلال سنة او سنتين وإعادة الأموال التي تم تحويلها إلى الخارج لإمداد المصارف بالسيولة.

حيث انه لا يمكن الاستمرار بهذه الحالة من الديون، لا بد من إعادة هيكلة الديون، ومن راكم ثروات على مدى السنوات لا بد له من تحمّل جزء من العبء الذي ضرب الاقتصاد. وهذه العملية لا تطال فقط الديون بل تطال أيضاً الفوائد والودائع.

لا يمكن استمرار النظام الضريبي كما هو، خاصةً ان هذه الثروة اشعلتها الضريبة، وبالتالي لا بد من إعتماد ضريبة تصاعدية على الدخل، بهدف تحويل الموارد من الريع والثروة للإنتاج والعمل.


وفي ذات السياق، فإن المصارف، كما يشير الخبير القانوني الدولي في الشؤون الإقتصادية والمصرفية، كانت ولا زالت مستفيدة من نموذج الدين المعتمد، حيث كانت تُراكِم ديون على الدولة بفوائد عالية، والأمر الذي "زاد الطين بلّة" هي الهندسات المالية والتي ادخلت إلى الذمة المالية للمصارف حوالي 5.6 مليار دولار أميريكي، علماً بان هذه الهندسات هي مشكوك بأمرها من الناحية القانونية.

ومن المهم أيضاً التوضيح بأن مصرف لبنان يملك أدوات ضغط أساسية تجاه المصارف بموجب قانون النقد والتسليف اللبناني، وأهمها توجيه إنذارات إلى المصارف وفرض غرامات عليها وصولاً إلى وضع اليد أو تعيين إدارات بديلة.

ومن جهة أخرى وفي ما يتعلق بإستعادة الأموال، فإن هناك حل سريع وعملي لإعادة جزء لا بأس به من هذه الأموال "التي قد ينطبق عليها وصف المنهوبة" إلى الحزينة العامة  من خلال:

أولاً: المطالبة بتشكيل لجنة فنية من القضاة المشهود لهم بالكفاءة والخبراء القانونيين المصرفيين لدراسة قانونية الهندسات المالية (وستكون النتيجة المُرجّحة هي عدم قانونية هذه الهندسات)، وبالتالي حجز قيمة هذه الهندسات وإعادتها.

ثانياً: نظراً لفداحة الأمر أعلاه، وكون مديونية الدولة هي بمعظمها لمصارف محليّة استفادت من الهندسات المالية، مع تقاضيها لفوائد عالية، يتم إقرار شطب 25% من ديون الدولة لمصلحة المصارف، وهو أمر لا يعد غير عادل للمصارف التي كانت تزيد ربحيتها بشكل غير اعتيادي. مع العلم بأن الهندسات المالية تم توزيعها مراعاةً التحاصص الحزبي في السلطة إلى حدٍ كبير. علماً ان هذا الشطب للديون سيوفر مبالغ طائلة على خزينة الدولة.

ثالثاً: يتم إقرار تخفيض نسبة الفوائد بشكل فوري ودون أي تأخير وذلك لكف الضرر عن السوق المالي، على ان تصبح الفائدة على الليرة معادلة للفائدة على الدولار.

رابعاً: يتم فرض ضريبة دخل 30% على أرباح المصارف.

إن الإجراءات الأساسية السابقة الذكر ، اضافة إلى الخطوات المحدّدة تجاه المصارف، ستساعد حُكماً في إعادة تكوين احتياطي مصرف لبنان للدفاع عن سعر صرف الليرة، كون موضوع سعر صرف الليرة هو خطر محدق وحقيقي وسوف يودي الى المزيد من إفقار الناس ويجلب المصائب. وستشهد الأيام المقبلة، بحسب زبيب، قرارات حاسمة جديرة بتغيير المشهد السياسي، على انه لا بد من القيام بالخطوات والإجراءات المذكورة بغض النظر عن شكل الحكومة التي سيتم تكليفها.
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك