Advertisement

إقتصاد

بعد 15 عاماً من المفاوضات.. كيف جمعت الصين بين الاقتصاد "الشيوعي" وقواعد "التجارة العالمية"؟

Lebanon 24
01-03-2021 | 17:00
A-
A+
Doc-P-798496-637502012365258043.jpg
Doc-P-798496-637502012365258043.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لقي انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 ترحيبًا كبيرًا؛ باعتباره خطوة من شأنها أن تُحدث تطورًا محوريًا في النظام الاقتصادي العالمي، ومبادرةً جريئة تشير إلى التزام هذا البلد الآسيوي بالإصلاح.
Advertisement

وفي تقريرها الذي نشرته مجلة فورين أفيرز (Foreign Affairs) الأميركية، قالت الكاتبة يلينغ تان إن التوصل إلى الاتفاق استغرق 15 عامًا من المفاوضات، وهو ما يعكس التحدي المتمثل في التوفيق بين الاقتصاد الشيوعي الموجه في الصين وقواعد التجارة العالمية، وإصرار المجتمع الدولي على توقيع الصين على التزامات وشروط طموحة.


ووصف الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون هذه الخطوة بأنها "أهم فرصة أتيحت للولايات المتحدة لإحداث تغيير إيجابي في الصين منذ السبعينيات"، وأعرب عن استعداده "لإلزام الصين بأن تنشط وفقًا لقواعد النظام التجاري الدولي".

وأبدى الرئيس الصيني آنذاك جيانغ زيمين ورئيس مجلس الدولة الصيني زهو رونغجي عزمهما على تأمين عضوية بلادهما في منظمة التجارة العالمية. ومن وجهة نظرهما، لم يكن الانضمام إلى المنظمة مناسبًا لبلد بحجم الصين وإمكاناتها الاقتصادية فقط، بل كان دافعا للمضي قدمًا في الإصلاحات المحلية الضرورية.

ووصفت وسائل الإعلام الحكومية الصينية في ذلك الوقت هذه الخطوة بأنه من شأنها أن تعمل على "تسريع عملية الإصلاح والانفتاح في الصين"، والتشجيع على "تنظيم القوانين واللوائح والسياسات"، وتسهيل إنشاء "نظام قضائي غير متحيز وفعال"، وجذب المنافسة الخارجية التي تشتد الحاجة إليها للشركات المملوكة للدولة.

شروط صارمة ولكن
وأشارت الكاتبة إلى أن الصين قبِلت شروطًا صارمةً أكثر من أي عضو آخر، إذ لم تشمل هذه الالتزامات تخفيضات كبيرة في التعريفات الجمركية على الواردات الموجهة إلى الصين فحسب، بل شملت أيضًا إصلاحًا شاملًا للمؤسسات والسياسات المحلية لإتاحة حرية أكبر لقوى السوق.

كما تعهدت بكين بتحسين سيادة القانون عبر تمكين المحاكم وحماية حقوق الملكية الفكرية، للسماح للشركات بقدر أكبر من الاستقلال الذاتي والحد من تدخل الحكومة في شؤونها، وتجديد اللوائح لجعل الحوكمة أكثر شفافية.


ولّدت مثل هذه الالتزامات -كما تقول الكاتبة- توقعًا واسع النطاق بأن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية سيحدث تغييرا كبيرا، ويربط الاقتصاد الصاعد أكثر بالشركات والمؤسسات الاقتصادية العالمية، لكن هذه الآمال لم تتحقق إلى يومنا هذا.

وفي عام 2018، أعلن مكتب روبرت لايتهايزر، الممثل التجاري للولايات المتحدة وقتها، أن دولته "أخطأت عندما دعمت انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية"، بحجة أن "النظام التجاري الذي تقوده الدولة في الصين" كان "غير متوافق مع النهج القائم على السوق الذي يتّبعه أعضاء منظمة التجارة العالمية".

 رأسمالية الدولة
 
في عام 2018، زعم كيرت كامبل وإيلي راتنر، وهما مسؤولان سابقان في إدارة باراك أوباما، أن "النظام الدولي الليبرالي فشل في إغراء الصين أو إلزامها بالقوة كما كان متوقعًا". ووفقًا لمعظم الحسابات، فإن النموذج الاقتصادي الصيني لم يتجه نحو ليبرالية السوق منذ عام 2001، وإنما تشبّث بدلًا من ذلك بشكل من أشكال رأسمالية الدولة التي تأمل بكين تصديرها إلى العالم، كما تقول الكاتبة.

وحسب الإجماع الجديد، فإن عضوية الصين في منظمة التجارة العالمية سمحت لها بالوصول إلى الاقتصادات الأميركية والاقتصادات العالمية الأخرى من دون إجبارها على تغيير سلوكها بالفعل، وهو ما كانت له عواقب وخيمة على العمال والأجور في جميع أنحاء العالم.

ويبدو أن الصين -حسب الكاتبة- تتقاعس حيال الالتزام بالمعايير الدولية، ولا تزال تلتزم بقواعدها الخاصة، مستفيدةً من الثغرات و"صانعي السياسات الساذجين" في الخارج.

وترى الكاتبة أنه إذا كانت الآمال في انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية مبالغًا فيها، فإن هذا الإجماع الجديد يبالغ في تبسيط قصة معقدة تحمل دروسًا مختلفة حول مسار الإصلاح الصيني وآفاقه وحول مستقبل تحرير التجارة، ومن المؤكد أن الصين لم تتبع المسار الذي تصوره كلينتون، أو حتى المسار الذي توقعه كل من جيانغ وزهو.

وأوضحت الكاتبة أن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية أسهم في تحرير بعض القطاعات في الصين أكثر من قطاعات أخرى، على الأقل لبضع سنوات؛ فانضمام الصين إلى الهيئة التجارية دعم موقف الإصلاحيين الصينيين، وساعد السلطات على المضي قدمًا في التغييرات اللازمة والعملية التي تُظهر أن المؤسسات متعددة الأطراف يمكنها تعزيز الإصلاح المحلي في الصين، ولكن سرعان ما تلاشى زخم الإصلاح ودفعت الجهات الفاعلة الأخرى نحو المزيد من تشديد الدولة قبضتها على الاقتصاد.

الكاتبة: عضوية الصين في منظمة التجارة سمحت لها بالوصول للاقتصادات الأميركية والعالمية دون إجبارها على تغيير سلوكها (غيتي)
الكل أكبر من مجموع أجزائه
وذكرت الكاتبة أن الصين سلكت لأول مرة طريق الإصلاح في عهد دينغ شياو بينغ عام 1978، عندما بدأ الزعيم الصيني فتح الاقتصاد تدريجيًّا عن طريق إلغاء الزراعة المشتركة. وسرّعت بكين هذه الإصلاحات الموجهة نحو السوق في السنوات التالية، ومنحت المزيد من الحرية للمؤسسات الخاصة، وفتحت الباب أمام الشركات الأجنبية، وخصخصت الشركات الكبرى المملوكة للدولة بشكل مطرد.

كما شهد الاقتصاد الذي كان يحتضر في سبعينيات القرن الماضي نموًا سريعًا بمعدل 10% سنويًا بحلول أواخر التسعينيات.

لكن النمو السريع والتحرير الأولي أخفى صورة أكثر تعقيدًا: كان اقتصاد الصين يتكون من مجموعة من الجهات الفاعلة المختلفة التي تسعى وراء مصالح مختلفة وأحيانا متناقضة. وكان الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 حافزًا لمؤيدي تحرير السوق في البلاد، لكن البعض الآخر كان معاديا له، كما تقول الكاتبة.

أدى الانضمام لمنظمة التجارة العالمية إلى حدوث العديد من التغييرات المهمة، وعزز موقف الإصلاحيين في البلاد، الذين نفذوا في السنوات القليلة الأولى بعد نيل العضوية تخفيضات كبيرة في تعريفات الاستيراد، وخففوا القواعد المتعلقة بالتراخيص التجارية لإدخال المنافسة المحلية الخاصة والأجنبية، وقلّصوا القطاع المملوك للدولة، وعزّزوا أداء قوى السوق في الاقتصاد. بالاضافة إلى ذلك، رسّخت بكين سيادة القانون وحماية حقوق الملكية الفكرية لتسهيل التنبؤ باحتياجات السوق الصينية والحد من التدخل الحكومي.

ولم تتوقف جهود الحكومة المركزية لتحرير الاقتصاد عند الإصلاحات القانونية والمؤسسية؛ فقد أنشأت بكين مراكز بحوث واستشارات في أجزاء مختلفة من البلاد لتقديم التوجيهات بشأن المسائل المتعلقة بقواعد منظمة التجارة العالمية وإجراءاتها.

وأطلقت السلطات حملة وطنية من خلال وسائل الإعلام الحكومية لرفع مستوى الوعي حول نتائج انضمام الدولة إلى منظمة التجارة العالمية، وعقدت دورات تدريبية للمسؤولين الحكوميين لمساعدتهم على حسن تنفيذ قواعد الهيئة التجارية.

مقاومة بيروقراطية
 
وأوردت الكاتبة أن جهود تحرير السوق قوبلت بمقاومة بيروقراطية وصناعية؛ فقد خشي العاملون في القطاع العام من أن تسحق المنافسة الأجنبية شركاتهم، وشعرت الوزارات الصناعية القوية في بكين بالقلق من تقويض القواعد الدولية استقلاليتها في وضع السياسات العامة. أما القطاع الزراعي، فاحتج على انفتاح الأسواق الصينية على السلع التي تحظى بدعم كبير من البلدان المتقدمة.

لقد استفادت الشركات الأجنبية -كما تضيف الكاتبة- من الإجراءات التي أعقبت انضمام الصين للمنظمة على الفور؛ فبحلول عام 2003، أبلغت حوالي 70% من الشركات الأميركية -التي شملها استطلاعٌ صيني- أن الإصلاحات المحلية الصينية عززت بيئاتها التجارية إلى حد كبير.

ولم يكن ذلك ليحدث من دون الزخم الخارجي المصاحب للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، مما يعكس نجاح قادة الصين في استخدام الالتزامات التجارية متعددة الأطراف لإحداث التغييرات المحلية الصعبة.


أجندات متناقضة
 
لكن الكاتبة أشارت إلى أن التزامات الحكومة المركزية لم تشمل السلطات المحلية التي أفلتت من الرقابة المباشرة لمنظمة التجارة العالمية.

وقد أسهم انضمام الصين إلى المنظمة في إعادة تأطير الاقتصادات المحلية، من خلال دعوة المنافسة الأجنبية وخلق أسواق في الخارج. وتوجب على الحكومات الإقليمية الموازنة بين ضمان نمو اقتصاداتها، ومواجهة تهديدات الاستيراد، والسعي لتحقيق مكاسب التصدير.

وتمثلت استجابة بعض القادة المحليين في تحرير أسواقهم، وزيادة اللوائح المواتية للأعمال التجارية، في حين وجد آخرون طرقًا مختلفة لمقاومة الانفتاح وتعزيز مصالحهم الخاصة.

لقد أسفر انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية -حسب الكاتبة- عن مجموعة واسعة من التحولات التي كانت أحيانًا في اتجاهات متعاكسة؛ فقد حفّز جهودًا جبّارة لتحرير الاقتصاد وإعادة تشكيل السياسات لتتوافق مع القواعد الدولية وتقوية المؤسسات لدعم السوق الحرة وتقليل التدخل المباشر للدولة، مما أدى إلى توسيع نطاق عمل المؤسسات الخاصة والأجنبية في الصين. في المقابل، تبنت الحكومات المحلية عددًا كبيرًا من إستراتيجيات النمو الاقتصادي التي تتناقض مع أجندة تحرير الاقتصاد.

وفي غضون سنوات قليلة، أوفت الصين بمعظم شروط انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، حيث خفّضت التعريفات على الواردات الأجنبية، وأزالت العديد من الحواجز غير الجمركية، ووسّعت صلاحية ممارسة التجارة الخارجية -التي كانت تقتصر على الشركات المملوكة للدولة والشركات الأجنبية الموجودة في مناطق اقتصادية خاصة- لتشمل جميع الشركات، وزادت الحماية القانونية للأعمال التجارية، وخففت الأعباء الإدارية عليها؛ كل ذلك أسهم في حدوث قفزة في الاستثمار الأجنبي في الصين من جديد.

تعزيز دور الحكومة المركزية
 
في السنوات القليلة الأولى من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، قادت الوزارات المؤيدة للإصلاح -مثل وزارة التجارة، والإدارة العامة لمراقبة الجودة والتفتيش والحجر الصحي- الطريق نحو تحرير السوق بقيادة الرئيس جيانغ ورئيس الوزراء زهو.

وتحت إدارة هذين الزعيمين، وضعت الحكومة إصلاحات اقتصادية مهمة لإعادة ضبط ترتيبات تقاسم الإيرادات بين الحكومات المركزية والمحلية، وتحسين القدرة على التحكم في التضخم، وتعزيز الرقابة المركزية على القطاع المصرفي.

لكن الوفاء السريع بشروط انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية قلّص الحاجة الملحة للإصلاح؛ فمن دون الضغط الخارجي الذي قدمه الانضمام للمنظمة في 2001، كان من الصعب على الإصلاحيين في بكين الاستمرار في السعي نحو مزيد من تحرير التجارة، مما أكسب الوكالات المتنافسة التي أشرفت على السياسة الصناعية حريةً لتوسيع نفوذها.

لكن في عام 2003، تفاقمت آثار التحول في السلطة البيروقراطية مع تسلم هو جينتاو رئاسة البلاد، وون جيا باو رئاسة مجلس الدولة، حيث لم يتمتعا بقوة أسلافهما السياسية في ضبط الدولة. وبالأخص ون جيا باو، الذي وصل إلى القمة بدعم من شبكات متأصلة في بيروقراطية بكين، مما تركه مدينًا لها، كما تقول الكاتبة.

وعلى عكس سلفه، أشارت التقارير التي تعود لعام 2003 إلى أن" ون" خطط لإزالة 7 وزارات مركزية، لكنه لم يتمكن إلا من استبعاد وزارة واحدة.

وفي عام 2008، عززت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية الدور المتزايد للحكومة المركزية في سنّ السياسات الصناعية الداعمة لسيطرة الدولة.

ضربة قوية
 
وفي أعقاب فشل أعضاء منظمة التجارة العالمية في الموافقة على حزمة شاملة أخرى لتحرير التجارة في جولة الدوحة للمفاوضات في جنيف عام 2006، تعرض الإصلاح المؤيد للسوق في الصين لضربة أخرى، وذلك بسبب خلافات متعلقة بالإعانات الزراعية وضرائب الاستيراد. كان هذا الخلل يعني أن الإصلاحيين الصينيين لن يتمكنوا من تكرار نجاح 2001، لأنهم كانوا يفتقرون إلى الزخم الخارجي للتحرير المحلي.

واتضح المسار السياسي الجديد للحكومة المركزية في إصدار عام 2006 من الخطة الخمسية -مخطط السياسة الدوري للصين- الذي ركّز على الابتكار المحلي وتقليل اعتماد الصين على التكنولوجيا الأجنبية.

بعد ذلك، عززت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 وتداعياتها العودة إلى تدخل الدولة في الاقتصاد، بتمهيد الطريق لتدخل حكومي أكبر وكشف مواطن ضعف رأسمالية السوق الحرة.

واستجابت الصين للكساد بحوافز مالية قدرها 580 مليار دولار، موجهة في الغالب إلى المؤسسات المملوكة للدولة والحكومات المحلية. وفي حين عادت العديد من البلدان الغنية التي سنّت برامج تحفيز مالي كبيرة إلى التقشف الاقتصادي وتقليص دور الدولة، واصلت الصين المسار الذي سلكته قبل الأزمة.

دور أقوى للدولة في الاقتصاد
 
في السنوات التي أعقبت انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، تقلّص القطاع المملوك للدولة بشكل مطرد. وفي عام 2001، شكلت الوظائف في قطاع الدولة ما نسبته 40% من الوظائف الصينية، ثم انخفضت إلى 20% بحلول عام 2008. لكن هذا الانخفاض توقف في السنوات التالية، واستقرّ نسبيا حتى عام 2012. في الفترة الممتدة بين 2008 وحتى 2012، وارتفعت قيمة الأصول التي تديرها مؤسسات الدولة من نحو 12 تريليون يوان إلى أكثر من 25 تريليون يوان.

ومنذ صعود شي جين بينغ إلى السلطة عام 2012، أصبح الدور الذي تضطلع به الدولة في الاقتصاد أقوى وأكثر وضوحًا؛ فمنذ سنوات عديدة، كان الاستثمار الخاص ينمو بوتيرة أسرع من الاستثمار الحكومي، لكن هذه الديناميكية بدأت تضعف بعد عام 2012، بل عُكست تماما من عام 2015 إلى عام 2016.

لقد واصلت الصين تعزيز التجارة الحرة، حيث أبرمت العديد من الاتفاقيات مع دول أخرى، في وقت أصبحت فيه الشركات المملوكة للدولة أقوى وأكبر من أي وقت مضى، مدعومة بالسياسات الوطنية التي تؤكد دور الدولة والهيمنة الشاملة للحزب الشيوعي الصيني على الاقتصاد. كما توسع الأثر الاقتصادي الخارجي للصين بشكل كبير، خاصة من خلال البنية التحتية الضخمة لمبادرة الحزام والطريق، مما أثار مخاوف من أن الصين تسعى إلى تصدير مبادئ رأسمالية الدولة على مستوى العالم.

احتواء التعددية
 
ربما تكون الصين تراجعت عن طموحها المتعلقة بدمج اقتصاد السوق الحر الليبرالي في النظام الاقتصادي الدولي -كما تقول الكاتبة- ولكن حتى اللحظة الراهنة، لم يستطع نموذج رأسمالية الدولة أن يصبح قوة طاغية.

في كثير من النواحي، لا تزال الصين تعيش تحت ظلال انضمامها لمنظمة التجارة العالمية. وفي نهاية المطاف، من غير المرجح أن يثبت النظام الصيني أنه قوي بما يكفي لمقاومة الآثار الليبرالية للعولمة بشكل كامل، أو أنه قادر على مواصلة السعي نحو تحقيق طموحه بفعالية على الساحة العالمية من خلال الشركات المملوكة للدولة.

عززت عضوية منظمة التجارة العالمية عجز الحكومة المركزية عن منع الحكومات المحلية من اتخاذ القرارات التي تخدم مصالحها بشكل خاص.

فعلى سبيل المثال، رغم رغبة بكين في توجيه النمو الاقتصادي نحو زيادة الإنتاجية، وتعزيز التطور التكنولوجي وتدريب قوة عاملة أكثر مهارة، ركّزت الحكومات المحلية على نهج كمي للنمو يعتمد على الاستثمار الرأسمالي ومشاريع التنمية البارزة، مما يقوض الجهود الوطنية.

وبدلاً من بعث استثمارات طويلة الأجل لزيادة إنتاجية الشركات وقدرتها على الابتكار، يسعى المسؤولون المحليون إلى استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر لتوسيع الإنتاج لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل.

وأشارت الكاتبة إلى أن الطموحات الاقتصادية الخارجية للصين واجهت تحديات كبيرة؛ فرغم أن بعض الشركات المملوكة للدولة (خاصة تلك التي تعمل في قطاعات إستراتيجية مثل صناعة السيارات والشحن) قد التزمت بتوجيهات الدولة المتعلقة بالتجارة، فإنها لم تكن جميعها وفية لمبادئ رأسمالية الدولة.

حرب ترامب التجارية وقفت أمام جهود تحقيق مزيد من تحرير السوق في الصين (غيتي)
ما الذي ينبغي تجنبه؟
ترى بعض الجهات الفاعلة الصينية الحكومية وغير الحكومية أن مصالحها تتماشى مع القواعد الاقتصادية الدولية، بينما يسعى البعض الآخر إلى استغلال الثغرات في الحوكمة العالمية.

وتقول الكاتبة إنه في وقت كانت بعض الجهات تتصرف بشكل موثوق كأدوات تنفيذية لبكين، كان البعض الآخر يعمل بشكل معاكس للسياسة الوطنية سعيا وراء المصالح الضيقة.

واستمرت هذه الديناميكيات حتى عندما سعى شي جين بينغ إلى تعزيز نفوذ الحزب الشيوعي الصيني على العديد من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الصين. فرغم جهوده، لا تزال المكانة الاقتصادية العالمية للصين في الغالب نتاج السياسات الداخلية الفوضوية في البلاد وليس نتاج خطة رئيسية منسقة، حسب الكاتبة.

وقالت الكاتبة إن سياسة العداء العلني التي تتغاضى عن تنوع المصالح التي تقود الاقتصاد الصيني الهائل سينتهي بها الأمر بنتائج عكسية.

وأظهرت السياسة الأميركية الأخيرة كيفية عدم تشجيع المزيد من تحرير السوق في الصين، حيث أدت الحرب التجارية الأميركية الصينية التي أطلقتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى خلق ظروف معاكسة لتلك التي حفزت إصلاح السوق عام 2001.

وفرضت واشنطن تعريفات جمركية أحادية الجانب، وأطلقت قضايا نزاع تجاري، وفرضت حظرا على الصادرات، ووضعت قيودا على الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة.

لقد صاغت إدارة ترامب -حسب الكاتبة- العلاقات مع الصين من منظور منافسة محصلتها صفر، بل وذهبت إلى حد التهديد بفصل الاقتصادات العملاقة في البلدين المتشابكة تماما.

وخلصت الكاتبة إلى أن هذا المعطى يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة لواشنطن وبقية الحكومات الأخرى؛ فبالنظر إلى تعدد الجهات الفاعلة والمصالح المتداخلة في الشؤون الاقتصادية الصينية، فإن السياسة الدبلوماسية التقليدية بين الدول -التي تتمحور حول الاتصالات بين العواصم الوطنية- ضرورية ولكنها غير كافية.

وتقول الكاتبة إن الجهات الفاعلة الفرعية في الصين، مثل المقاطعات والمدن، تملك سلطة كبيرة على الشؤون الاقتصادية. ولا تمثل تصرفات الشركات الصينية بالضرورة إرادة بكين؛ لذلك ينبغي على البلدان اتباع نهج متعدد للتعامل مع الصين على مستويات مختلفة.
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك