Advertisement

إقتصاد

كيف ستتعامل الصين مع أزمة الطاقة المستمرة؟

Lebanon 24
28-10-2021 | 10:00
A-
A+
Doc-P-880024-637710145311388318.jpg
Doc-P-880024-637710145311388318.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
تشهد الصين منذ أيلول الماضي انقطاعات متكررة في الكهرباء وأزمة طاقة غير مسبوقة، وقد وصلت التوترات إلى جميع القطاعات ومختلف المناطق، في وقت اغتنم فيه البعض هذه الفرصة من أجل التشكيك في سياسة خفض الانبعاثات الكربونية التي تعهد بها الرئيس شي جين بينغ.
Advertisement

وتقول الكاتبة مارتين أورنج -في تقرير نشرته صحيفة "ميديابارت" (mediapart) الفرنسية- إن مثل هذه الأخبار عادة لا تصل إلى وسائل الإعلام الدولية، ولكنها في 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري تصدرت عناوين أخبار وكالة "بلومبيرغ" (Bloomberg) الأميركية، حيث إن موجة برد مبكرة وغير منتظرة كانت تتجه نحو مناطق الشمال الصيني، مع تهاطل الثلوج في منغوليا.

ومن أجل حلحلة المشكلة قررت الحكومة والسلطات المحلية إصدار أوامر للمؤسسات بخفض نشاطها أو الغلق التام في أكثر من 20 محافظة، خاصة في الشمال الشرقي الذي يمثل الشريان الاقتصادي للبلاد، ولكن رغم هذه القيود، فإن شبكة الكهرباء تبدو دائما على وشك الانقطاع.

وفي هذا الوقت الذي تستبشر فيه الحكومة بعودة عجلة الاقتصاد مع انقشاع وباء كورونا، فاجأت هذه الأزمة الجميع، بما في ذلك الحكومة المركزية التي اكتشفت مواطن ضعف لم تكن تخطر ببالها.

تباطؤ النمو
والجدير بالذكر أن الاقتصاد الصيني حقق نموا بنسبة 4.9% مقارنة بعام 2020، ومع أن هذا التباطؤ كان متوقعا، إلا أنه يعكس الصعوبات المرتبطة بأزمة نقل البضائع وركود سوق العقارات، من بين أمور أخرى.

وذكر تقرير نشرته صحيفة "لوموند" (lemonde) الفرنسية أن تكرر انقطاع التيار الكهربائي تسبب في انقطاع نشاط الشركات في جميع أنحاء البلاد، وإفلاس أحد المطورين العقاريين الرئيسيين في الصين لعدم قدرته على سداد ديون بقيمة 260 مليار يورو.

وإن النمو الذي حققه الاقتصاد الصيني في الربع الثالث من العام الجاري 2021 ليس جيدا، وإن كان يتوافق تقريبا مع توقعات المحللين، وفي الربع الأول من العام سجل الاقتصاد الصيني نموا قياسي بلغ 18.3% مقارنة بالربع الأول من عام 2020 وأزمة كوفيد-19، وكان النمو في الربع الثاني جيدا للغاية بنسبة 7.9%، حيث عادت الصادرات الصينية للعمل بأقصى سرعة مرة أخرى، لكن في الربع الثالث من العام تباطأ هذا النمو.

عوامل تفاقم الأزمة
تشير الكاتبة إلى أن هناك عوامل عديدة أخرى ساهمت في تفاقم هذه الأزمة، منها سرعة عودة النشاط الاقتصادي بشكل فاق كل التصورات، وهو ما أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على الطاقة الكهربائية.

هنالك أيضا مشكلة مناجم الفحم الحجري التي خفضت من نسق إنتاجها، وكلفة الطاقة التي تولد بالبترول والغاز والفحم الحجري التي ترتفع بشكل متواصل، وهو ما دفع شركات تسويق الكهرباء إلى التوقف عن إنتاجها وتخزينها، يضاف إلى ذلك الظروف المناخية الكارثية منذ فصل الصيف.

وبالنسبة للمعلقين الصينيين، فإن أصابع الاتهام تتجه إلى شيء واحد، وهو سياسة خفض الانبعاثات الكربونية التي ترغب الحكومة في تنفيذها، والتي تتعرض لنقد لاذع ورفض تام، وباتت كبش الفداء المناسب لتفسير الانقطاعات الحالية.

فقد كان شي جين بينغ قد أعلن في 2017 الحرب ضد الاحتباس الحراري، متعهدا بخفض الانبعاثات الملوثة للبيئة، وجعل هذا الهدف من أعمدة سياسته في الصين، وذلك بهدف بلوغ مرحلة الحياد الكربوني بحلول 2060.

وقد تم اتخاذ إجراءات جذرية في إطار هذه السياسة، منها فرض قيود على استهلاك الفحم الحجري، والمزيد من مراقبة وتنظيم هذا القطاع في مختلف المحافظات الصينية.

وترى الكاتبة أن الصين بذلت جهودا كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية من أجل تنويع مصادر الطاقة، كما أنها طورت قطاع الطاقة الكهرومائية، في عدة مناطق وحتى في البلدان المجاورة، وهو ما بات يهدد بنضوب الموارد المائية.

وتعد الصين أكبر قاعدة للطاقة الشمسية في العالم، وهي تهدف إلى أن تمثل الطاقة المتجددة 20% من إنتاج الكهرباء بحلول العام 2025. كما تمثل الطاقة النووية 15% من إنتاجها، ولكن بحسب الكاتبة تبقى مشكلة التبعية للفحم الحجري قائمة، رغم أن الاعتماد عليه انخفض من 80% إلى 50%.

وقد أغلقت الصين العديد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وقاطعت فعليا الفحم الأسترالي مما تسبب بنقص الوقود، وذلك رغم زيادة واردات الطاقة القادم معظمها من إندونيسيا وروسيا.

وتجنبا لهذه الكارثة، كان على بكين في بداية أكتوبر/تشرين الأول الجاري تغيير موقفها وتشجيع شركات التعدين الصينية على العودة إلى الإنتاج مرة أخرى من خلال تحرير أسعار الكهرباء المنتجة جزئيا بشكل يسمح للمنتجين ببيعها بسعر أعلى بنسبة 20% من السعر الذي تفرضه الجهات التنظيمية، ونتيجة لذلك ارتفعت قيمة فواتير الكهرباء ما أدى إلى زيادة التضخم.

وخلال الصيف الحالي قررت بعض الشركات التي تعتمد على الفحم الحجري إيقاف إنتاج الكهرباء، معتبرة أن هذا الأمر يسبب لها خسارة مالية، حيث إن سعر الفحم يواصل الارتفاع مع تزايد الطلب وعودة النشاط الاقتصادي، في المقابل لا تستطيع هذه المؤسسات زيادة أسعار الكهرباء التي ضبطتها الحكومة، والتي بقيت عند مستويات منخفضة منذ سنوات عديدة، بحسب تقارير اقتصادية دولية.

ومنذ الوهلة الأولى لاندلاع هذه المشكلة، سارعت الحكومة لوضع أهدافها البيئية جانبا، وإصدار تعليمات لشركات الكهرباء العمومية للإقبال على شراء الفحم الحجري بأي ثمن، من أجل ضمان التزود المنتظم بالطاقة خلال الشتاء.

وفي نفس الوقت سمحت الحكومة لشركات الكهرباء برفع سعر البيع، ومنذ الأسبوع الماضي شهد هذا السعر زيادة بأكثر من 20% في بعض المحافظات، وهو ما مثل صدمة لبعض القطاعات الصناعية المتعودة على العمل بكلفة طاقية منخفضة.

اقتصاد مستهلك للطاقة
يؤكد المسؤولون الصينيون أن أزمة الطاقة الحالية مؤقتة ومحدودة النطاق، وأن بلادهم قادرة على التعامل معها.

إلا أن الاقتصاد الصيني يعاني من صدمات متتالية، بعد تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي، ثم انهيار شركة "إيفرغراند" (Evergrande) العقارية، ليأتي ارتفاع سعر طن الفحم الحجري الذي تضاعف 3 مرات منذ بداية السنة ويبلغ حوالي 300 دولار، كما أن سعر الغاز الطبيعي المسال تجاوز عتبة الـ50 دولارا للمليون وحدة حرارية بريطانية (وحدة قياس)، فيما ارتفع سعر البترول إلى أكثر من 85 دولارا للبرميل.

وفيما لجأت بعض الشركات لشراء مولدات كهرباء، اضطرت أخرى في قطاعات صناعة الصلب والإسمنت ومعالجة المعادن إلى إيقاف نشاطها، وهكذا يبدو أن الاختناقات التي خيمت في وقت سابق على إنتاج المعالجات الدقيقة والمكونات الإلكترونية ومادة البلاستيك وعجين الورق، مرشحة لمزيد من التوسع.

ويعبر أغلب الخبراء الاقتصاديين عن تشاؤمهم بشأن مستقبل هذه الأزمة الطاقية التي يخشون أنها ستتواصل لأشهر وتؤدي إلى تضخم أسعار المنتجات الصناعية التي بدأت في الارتفاع منذ أيلول الماضي.

وبما أن الصين هي أكبر مزود بالسلع للاقتصاد العالمي، فإن هذه الاضطرابات سوف تؤثر على كل العالم، بما في ذلك قطاعات غير متوقعة، وحتى إنتاج المواد الأولية.

وترى الكاتبة أنه بعد أزمة فيروس كورونا، تأتي هذه الأزمة الطاقية في الصين لتكشف مجددا عن مواطن الضعف والهشاشة في اقتصادها، وكل المخاطر المتعلقة بالعولمة غير المتوازنة للاقتصاد، في عدة جوانب من بينها الحفاظ البيئة.
 
(الجزيرة)
المصدر: أ.ف.ب - الجزيرة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك