تتركز الاتصالات واللقاءات السياسية على منع انتقال تداعيات الأحداث السورية الى مناطق ذات حساسية مذهبية معينة في لبنان.
وكتبت" النهار": بدا في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة أن أولوية أمنية طارئة أضيفت إلى الأولويات المطروحة لبنانياً، وتمثّلت في الإجراءات الفورية المطلوبة لمنع تمدّد تداعيات "فتنة" السويداء السورية إلى مناطق لبنانية وتحريك حساسيات طائفية دقيقة. ولم يكن أدلّ على المخاوف التي ساورت الجهات
اللبنانية الرسمية من التقارير التي تبلّغتها هذه الجهات مساء الأربعاء الفائت عن تحرّكات أهلية في بعض المناطق ذات الغالبية الدرزية والسنية، بما استدعى استنفارات أمنية فورية لمنع أي احتكاكات قد تتخذ الطابع الطائفي، علماً أن عمليات قطع طرق حصلت وشهدت تعرضاً لبعض المدنيين والعسكريين، ولكن سرعان ما جرى تطويقها ومعالجتها قبل تفاقم تفاعلاتها. كما لوحظ أن الكثير من البلديات، وكان أبرزها وأكبرها بلدية عاليه، اتخذت إجراءات بمنع تجوّل السوريين بين ساعات المساء والصباح. وأكدت المعلومات أن الإجراءات الأمنية الاحترازية اتخذت طابعاً متشدداً في الساعات الأخيرة للحؤول دون أي تمدّد لتداعيات التطورات الجارية في
سوريا إلى لبنان.
وكتبت" الاخبار": الحدث، هذه المرة، ليسَ في الضاحية ولا في الجنوب ولا في البقاع، بل في الجبل وفي كل منطقة درزية أو قرية يتعايش فيها الدروز مع مواطنين من طوائف أخرى. إذ إنّ مَن يتجوّل في تلك المناطق يشعر بحالة من الغليان قد لا يطول بها الوقت حتى تنفجر، وهي تنطوي على أبعاد كثيرة متشابكة ومعقّدة، تتداخل فيها عوامل سياسية وأمنية واجتماعية، تتجاوز مواقف الزعامات الدرزية.
فما حصل في سوريا يتجاوز كل الخطوط والسقوف، وهو وصل إلى مرحلة اللاعودة، وفق ما انعكس بشكل جليّ على ألسنة الدروز من كل الأحزاب والتيارات، والذين لم يعودوا ينتظرون تقدير الموقف من مرجعياتهم. فلم يَعد يعنيهم ما يقوله الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي، وليد جنبلاط، عن عدم الوقوع في فخّ مشروع قديم جديد، يسعى لفصل الدروز عن محيطهم العربي والإسلامي، وزرعهم في سياق تحالفات أقلية، كما لم يَعد يقنعهم كثيراً كلام رئيس الحزب الديمقراطي، طلال إرسلان، عن أنَ «الحماية لا تأتي من
إسرائيل ولا من (الرئيس السوري الانتقالي، أحمد) الشرع».
صحيح أنّ حالة الغليان تلك، والتي تفاقمت إثر انتشار فيديوهات تُظهر انتهاكات بحق مشايخ الطائفة وأفرادها في السويداء، لم تترجم انفجاراً بعد، إلا أنها ولّدت خوفاً من إمكانية انتقال الهبّة الى لبنان، خصوصاً بعد ردّات الفعل التي ظهرت تجاه عدد من اللاجئين السوريين، وما حصل من قطع للطرقات.
وفي سياق شرح الواقع على الأرض، قال مطّلعون إنّ «جنبلاط يواجه معضلة كبيرة في إقناع حتى قاعدته الشعبية بما يقوله»، فيما تردّدت معلومات حول «وجود حالة اعتراضية في شارع الإشتراكي كانت ستترجم على شكل وقفة أمام المختارة قبل تدارك الوضع». وإزاء ذلك، يحاول جنبلاط تبرير الموقف بـ«خوفه من استفاقة الشياطين، بما يؤدّي إلى توتّر كبير مع السوريين الموجودين في لبنان، أو أن ينسحب ذلك توتّراً درزياً – سنياً، في وقت لا تزال فيه حالة التشنّج بين الدروز والشيعة قائمة».
وبحسب مصادر مطّلعة، فإنّ «الإتصالات قائمة داخل الطائفة بهدف احتواء التوتّر، خصوصاً أنّ الصوت المسموع داخلها اليوم هو الذي يميل إلى فكرة الحماية الذاتية والتسلّح في مواجهة الإرهاب»، وهو ما عبّر عنه الشيخ القاضي نزيه إبراهيم ردّاً على النائب مارك ضو الذي قال إنّ «السلاح ما بيبني دولة»، بقوله إنّ «الكرامة بالسلاح».
وفي السياق نفسه، لفتت مصادر «الإشتراكي» إلى أنّ «جنبلاط يبذل جهداً استثنائياً لضبط الشارع الدرزي، وهناك تعاون كبير مع الأجهزة الأمنية لتحييد المناطق الدرزية عن أي انعكاسات أو تداعيات. ويبدو أنّ تلك الجهود نجحت حتى الآن، إذ لم تسجّل إلا حادثة وحيدة على أوتوستراد صوفر - عاليه، حيث تجّمع عشرات الشبّان وأقفلوا الطريق هاتفين: بالروح بالدم نفديكِ يا سويداء، قبل أن يتدخّل الجيش لفتح الطريق».
وأشار مصدر حكومي لبناني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الرئيس سلام كثّف اتصالات مع كل الأجهزة الأمنية والقيادات السياسية المعنية، وأبرزها وليد جنبلاط لضبط الوضع وتفادي أي احتكاك أو صدام»، مشيراً إلى «تعزيز الجيش والأجهزة الأمنية تدابيرهم في الساعات الـ24 الماضية، واستمرار الاتصالات لإبقاء الوضع مضبوطاً».
من جهته، قال مصدر أمني إن «ردة الفعل السريعة من قبل
الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية والقوى السياسية المعنية أدت للسيطرة على أي محاولة لانسحاب ما يحصل في السويداء إلى لبنان»، لافتاً إلى أن «الجيش منع قطع الطرقات، وتم اتخاذ تدابير استثنائية على الأرض، وتسيير دوريات واستحداث نقاط مراقبة لمنع تفلت الأمور». وأشار إلى أنه ما دام الاتفاق ساري المفعول في السويداء، فالأمور تتجه للتهدئة في لبنان.
وفيما اشارت مصادر حكومية لـ «اللواء» الى ان الوضع قيد المتابعة وهناك ترقب وحرص على ضبط الوضع في سوريا، كتبت" الديار": انقلب المشهد السياسي والامني «راسا على عقب» اثر الارتدادات المقلقة لبنانيا للفتنة المذهبية في سوريا، اثر المواجهات الدموية في السويداء، ما استدعى استنفارا امنيا على اعلى المستويات، واتصالات سياسية كثيفة امتدت لساعات طويلة، نجحت في لملمة الشارع المحتقن مذهبيا، وقد ساعد تراجع التوتر في الجنوب السوري في تهدئة الاوضاع، لكن مع عودة القتال مع ساعات المساء الاولى امس، تجددت المخاوف من انسياق البعض وراء الدعوات الغرائزية ونقل التوتر الى الساحة اللبنانية، وقد اتخذ الجيش ومختلف القوى الامنية اجراءات ميدانية للحؤول دون عودة التوترات مع التركيز على المناطق السنية –الدرزية المختلطة والتجمعات الكبيرة للسوريين. ومواكبة لهذه الاجراءات رفع منسوب التواصل السياسي لتطويق اي انفلات للاوضاع وتطويق اي اشكالات في ظل ارتفاع منسوب القلق لدى النائب السابق وليد جنبلاط من خروج الامورعن السيطرة داخل «الشارع الدرزي»، خصوصا بعد التوتر مع الجيش في بعض المناطق، وفي هذا السياق، جاءت زيارة النائب تيمور جنبلاط على راس وفد من «اللقاء الديموقراطي» الى اليرزة.
وكان رئيس الحكومة نواف سلام أصدر في وقت متقدم مساء الأربعاء "دعوة إلى اللبنانيين لتفادي الفتنة وتقديم المصلحة الوطنية على أي اعتبارات أخرى، في ظل ما شهدته بعض المناطق من توترات ذات طابع مذهبي". وأجرى سلام اتصالاً أمس بالرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وشدّدا على "صيانة وحدة سوريا وتفاهم جميع أبنائها تحت مظلة الدولة السورية، بالإضافة إلى أهمية التحلّي بالتعقل والحكمة في لبنان وتفادي ردود الأفعال التي من الممكن أن تخلق توترات داخلية بين أبناء الوطن الواحد". وأثنى سلام على "الجهود التي قام بها جنبلاط وسائر الفاعليات في مختلف المناطق لتفادي اي إشكالات داخلية تهدّد استقرار وطننا ومسار استعادته لسلطة الدولة التي تبقى المرجعية لجميع اللبنانيين".
وزار رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط على رأس وفد، قائد الجيش العماد رودولف هيكل، وضم الوفد النواب: مروان حماده، أكرم شهيب، هادي أبو الحسن، وائل أبو فاعور، وفيصل الصايغ، وأمين السر العام في التقدمي ظافر ناصر. وحيّا النائب جنبلاط "الجيش قيادة، ضباطاً وأفراداً على التضحيات التي يبذلونها في سبيل المحافظة على الأمن"، مجدداً استنكاره "أي تطاول على عناصر الجيش خلال تأديتها مهامها في حفظ الأمن". وأكد جنبلاط استعداد "التقدمي ومسؤوليه المحليين لمواكبة الجيش في مهامه لتثبيت الأمن والاستقرار في المناطق التي ينتشر فيها".