Advertisement

لبنان

تظاهرة بعبدا: اعادة الإعتبار لصهر العهد تضرب العهد

نوال الأشقر Nawal al Achkar

|
Lebanon 24
04-11-2019 | 04:00
A-
A+
Doc-P-641837-637084559983862913.jpg
Doc-P-641837-637084559983862913.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

في قراءة لمشهد جمهور "التيار الوطني الحر" الذي قدِم من عدّة مناطق إلى ساحة بعبدا تأييدًا لرئيس جمهورية لبنان العماد ميشال عون بعنوان "تظاهرة الوفاء"، لا بدّ من التوقف أولًا عند إطلالة الوزير في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل من قصر الشعب، وهي إطلالة شكّلت تحدّيًا للجماهير الأخرى بمكانها وزمانها. فالساحة التي يفترض أنّها ساحة للبنانيين جميعًا تحوّلت إلى مركز حزبي، فبدا وكأنّ المتجمهرين قد أتوا لدعم باسيل وتعويمه في الحكومة المقبلة، بعدما تصدّر لائحة المرفوضين والمكروهين على مدى سبعة عشر يومًا في يافطات جماهير ساحات النور والشهداء ورياض الصلح وجل الديب وصور وصيدا والنبطية، والتي لم تخل من الشتائم والإهانات الشخصية له، بحيث أطلّ باسيل للمرة الأولى منذ الإنتفاضة الشعبية ، ليخطب في جمهور حزبه من ساحة رئاسة جمهورية البلاد، ومن قصر الشعب ردّا على الشعب الذي تمجمهر ضدّه وضدّ كل الطبقة السياسية.

 

استنادًا إلى رأي مراقب أصابت تظاهرة بعبدا موقع رئاسة الجمهورية بشكلها ومضمونها، وأعادت الرئيس ثلاث سنوات إلى الوراء، إلى حقبة ما قبل انتخابه، بحيث نسي المتظاهرون والمنظّمون ونواب ووزراء "التيار الوطني الحر" الذين شاركوا بالتظاهرة أنّ العماد عون لم يعد رئيس حزب أو فئة، بل أضحى رئيسًا للبنانيين جميعًا بكل تلاوينهم الطائفية والحزبية منذ لحظة انتخابه، وبالتالي  توصيف " بي الكل"  الذي أراد مناصرو العهد إطلاقه منذ بداية العهد عادوا وانتزعوه بأنفسهم في ساحة لم تحضن الكل، ولم تستقبل سوى جمهور التيار، وأقفلت مداخلها قبل أيام بوجه الجماهير الأخرى التي جمعت لبنانيين من كلّ الطوائف والمناطق والإنتماءات، للمطالبة بحقوقهم وبمحاسبة الفاسدين. وأكثر من ذلك أظهرت المشهدية بحسب المصدر المراقب أنّ الموقع المسيحي الأول لم يحظ بإلتفاف معظم المسيحيين، الذين غابوا عن ساحة بعبدا وذهبوا إلى الساحات المقابلة، سواء الجماهير المؤيدة للأحزاب المسيحية أو تلك المستقلة.

 

أمّا مضمون خطاب باسيل الذي كان يفترض أن يلقيه في ميرنا الشالوحي أو في أيّ ساحة حزبية، فخلا من أيّ خطّة إنقاذية للوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد، في عهدٍ يستحوذ فيه تيار باسيل على الثلث المعطل وعلى أكبر تكتل نيابي فضلًا عن حجم حلفائه، وبالتالي الخطاب الذي دأب عليه التيار وكررّه باسيل في خطاب بعبدا "عرقلونا وما خلونا نغير" لم يعد يستقيم في ظل الوعي الشعبي. كما لم يحمل خطابه جديّدًا في مسار براءة الذمّة التي يعمل "التيار الوطني الحر" على منحها لنفسه، وآخرها من خلال رفع السرّية المصرفية عن حسابات وزرائه ونوابه، في خطوة اعتبرتها أوساط قانونية بأنّها فلكلورية، كونها لا تشمل الشركات التجارية والعقارية والأسهم وحسابات الأهل والأقارب. ورغم محدودية الخطوة حاول باسيل استثمارها متحدثًا عن وجوب قيام الجميع بخطوة مماثلة، ورفع شعار سريّة ومحاسبة وفساد، مميزًا نفسه عمن أطلق عليهم تسمية "رموز الفساد"، علمًا أنّ التظاهرات المليونية في الساحات وضعته في رأس القائمة، ورفعت لافتات عن صفقات البواخر وبذخ السفرات والجولات. وما بدا فاقعًا في خطاب باسيل قوله " الفاسدين هنّي يلي عمروا قصورهم من مال الدولة والناس"، من دون أن يعرف الشعب اللبناني من أموال من شيّد قصوره .

 

وفيما لم يجد باسيل معذورًا إنجازًا واحدًا يفاخر به، وهو نفسه الذي وعد اللبنانيين منذ سنوات بالتيار الكهربائي 24 / 24 علمًا أن ذلك لا يعتبر إنجازًا بل من صلب واجبات أيّ وزير، راح يتحدث عن فخره ونجاحه بتحويل لبنان إلى بلد نفطي، وفي ذلك استخفاف بعقول اللبنانيين، في بلد يتقاسم حكّامه النفط الموعود وهو واحد منهم، ويسبقهم العدو الإسرائيلي باستثمار وسرقة نفطنا منذ سنوات، فيما نحن لم نستخرج نقطة نفطية واحدة بعد، وقد يستغرق استخراج المخزون النفطي عشر سنوات بحسب ما يؤكّد الخبراء في هذا المجال. أمّا الخونة الذين أشار إليهم باسيل في يوم الوفا فقد يكون أوّلهم الصهر الثاني المنشق عن التكتل إلى جانب آخرين.

 

هي إشارة جديدة واحدة تضمّنها خطاب باسيل، قد يكون قصد من خلالها تبرير عدم توزيره في الحكومة المقبلة بقوله "الموقع يكبّل أحيانًا كما حصل معنا ..أمّا الدور فيحرر دائمًا .. وبكل الأحوال الكرامة أهم من الإثنين وأمام الكرامة ما بتهم المناصب". وفي الشق المتعلق بالتحذير من الوضع بقوله " نحن كنا حذّرنا شركاءنا أنو واصلين لهون وما فيا نكفي هيك، وأعطينا مهلة حتى 31 تشرين والناس سبقتنا"،  فيبدو أنّ باسيل نسي أو تناسى الشرارة التي أشعلت الثورة، والتي تكمن في الضرائب التي أرهقت كاهل المواطن، والذي وافق هو وكل وزرائه ونوابه على فرضها داخل الحكومة والمجلس النيابي، لا بل استبق باسيل كلّ مبتكري الضرائب عندما قال قبل أشهر "إذا ما ضحّيتوا من رواتبكن ما راح يبقى راتب لحدن".

 

المضحك المبكي في الكلمة أنّ المسؤول الذي لم يخل خطاب له من النعرات الطائفية ونبش الأحقاد تحدّث عن مطلبه بدولة مدنية، أمام حشد من لون طائفي واحد، فيما لو فرضنا أنّ "حزب الله" لم يساند باسيل في الحشد والتجمهر. أمّا المظلومية التي غالبًا ما تستخدم لكسب تعاطف الجماهير فلها حيّز في الخطاب "ليس من العدل أن نظلم مرتين، مرة من رموز الفساد ومرة من ضحايا الفساد.. وشعار كلن يعني كلن يجب أن يكون للمساءلة وليس للظلم ... نتعرض لحملات موجّهة ضدنا بلشوها الناس الطيبين بكلن وانهوها المحرّكين الأساسيين فينا وحدنا لأن الهدف هو إسقاط العهد.. ".

 

الأبعد من ذلك كّله أنّ "التيار الوطني الحر" يلجأ إلى أسلوب قديم في مواجهة واقع مستجد بعد 17 تشرين الأول، لن تنفع معه الأساليب البالية في المعالجات عبر شدّ العصب الطائفي، لا سيّما وأنّ تظاهرة "أهل الوفا" في بعبدا ساهمت بتزخيم "أحد الوحدة" في ساحات الإنتفاضة، وبالتالي سياسة الهروب إلى الأمام لن تقودنا سوى إلى مزيد من الخسائر الوطنية على مذبح الولاءات الطائفية، ولأنّ الأزمة بحجم وطن فلتكن معالجاتكم بحجم شعب لمرّة واحدة .

 

 

 

Advertisement
المصدر: لبنان 24
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك