Advertisement

لبنان

ما بين لبنان وفرنسا.. نصف قرن بين ثورتين!

اندريه قصاص Andre Kassas

|
Lebanon 24
07-11-2019 | 04:00
A-
A+
Doc-P-642816-637087140497917745.jpg
Doc-P-642816-637087140497917745.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
من شاهد طلاب لبنان أمس ينزلون إلى الشوارع هاتفين شعارات الكبار لم يسعه إلاّ أن يتذكر إنتفاضة أيار من العام 1968 في فرنسا، التي لم تكن مجرد مرحلة تاريخية عابرة علا فيها صوت الشباب الثوار ضد القيود التي تكبلهم فحطموها، بل كانت محطة مهمة وثورة غيّرت وجه البلد تماما ولا تزال آثارها وتداعياتها ممتدة إلى اليوم، والدليل ما صرح به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في بداية عهده عندما قال إن من أهدافه القضاء على ميراث حركة 1968، لأنه ككل اليمين في فرنسا يعتبر أن تلك الحركة شكلت تهديدا للسلطة وشوهت المعايير السلوكية لدى المواطنين ودفعتهم إلى الاستخفاف بقيمة العمل في الوقت الذي يرى خصومهم أنها النقطة التي سمحت بالتأسيس لفرنسا جديدة عنوانها الحرية والعدالة الاجتماعية.
Advertisement
 وكما في فرنسا قبل نصف قرن كذلك في لبنان، الذي يعيش منذ 17 تشرين الأول وهج ثورة قد تكون الأولى من حيث الشكل والمضمون، وهي جاءت، كما ثورة 1968 كنتيجة لتراكمات فرضتها ظروف محلية ودولية مهمة على المستويين السياسي والاقتصادي.
فأوجه الشبه بين الثورتين قد تكون نفسها. ففي فرنسا وعلى المستوى السياسي، كانت حالة من الحنق الشعبي تسود البلاد، بسبب تقييد الحريات من قِبَل نظام الجنرال ديغول والتضييق على المفكرين وأهل الأدب والسياسة بحجة الأمن وحماية الجمهورية ومبادئها. وفي لبنان فإن تراكمات عمرها سنوات فرضت الحراك في الشارع وتفجّر الغضب دفعة واحدة، حيث طالب المتظاهرون بمحاسبة جميع من كانت لهم أيدٍ خفية في إيصال وضع البلد إقتصاديًا إلى ما وصل إليه من تدهور لا مس حدّ الإفلاس العام. 
في فرنسا كانت المفاجأة أن التمرد لم ينطلق من صفوف العمال بل من قِبَل الطلاب، وبدأ على أساس المطالبة بالحريات، وخاصة شعاري "منع الممنوع" و "إذا لم  تعطني حريتي فسأتولى الأمر بنفسي" ثم رفعت الشعارات الاقتصادية لاحقا.
وكنتيجة أولية اهتز النظام الديغولي وكاد يسقط بعدما غيرّت ثورة ايار حياة المجتمع الفرنسي في العمق من جميع النواحي النفسية، الثقافية، التحررية، السياسية والفلسفية. 
أما في لبنان فقد أدّت الثورة أو الإنتفاضة أو الحراك الشعبي، كما يحلو للبعض تسمية الحركة الشبابية للتقليل من أهميتها، إلى إستقالة الحكومة، وإضطرار الجميع إلى المسارعة في تبني طروحات الشارع وكأنها تعبرّ عما كان البعض يريده ولكنه إصطدم بالواقع السياسي والطائفي، الذي حال دون تحقيق الإنجازات الكبرى، فلجأ إلى حماية الشارع عله يستطيع أن يستلحق نفسه قبل أن تنقلب الطاولة على رؤوس الجميع، فكان الشارع الموحد من عكار إلى طرابلس فبيروت والنبطية وصور يفرض نفسه على السياسيين، الذين لا يزال البعض منهم يتصرّف وكأن 17 تشرين غير موجود في الاساس، وهو لا يعدو كونه حركة ما تلبث أن تنطفىء مع الوقت، وفي ذلك الكثير من المكابرة والإستعلاء.
وإذا كانت ثورة فرنسا، في الأصل، ثورة ضد المجتمع وتقاليده العتيقة الموروثة، وثورة ضد الهيبة الأبوية داخل العائلة، وضد هيبة أرباب العمل في الصانع، أو الأساتذة في المدارس، فإن الثورة في لبنان هي ضد الفساد، وضد سلطة لا تتصرّف إلاّ وفق مصالحها الخاصة، وضد الظلم وسياسة النعامة، وضد الإهمال وعدم الإستماع إلى صوت الشعب، وضد فرض الضرائب، وضد الطائفية والسعي بالتالي إلى تأسيس دولة مدنية تقوم على المواطنة الحقيقية، بعيدًا عن القيد الطائفي.
ما يحصل منذ 17 تشرين الأول ليس مجرد حركة عابرة، بل تصميم على إحداث تغيير جذري في الذهنية التي كانت تدار فيها أمور البلد.
فما بعد 17 تشرين ليس كما قبله مهما حاول المستكبرون تغطية السماوات بالقبوات، ومهما حاولوا ذرّ الرماد في العيون. 
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك