Advertisement

لبنان

كبار الصرافين والمضاربين خارج الملاحقة... والسوق الموازية أمر واقع إلى حين

هتاف دهام - Hitaf Daham

|
Lebanon 24
06-02-2023 | 06:00
A-
A+
Doc-P-1035913-638112863410939255.jpg
Doc-P-1035913-638112863410939255.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
ترتفع أسعار الدولار في السوق الموازية من دون قيود، وعندما يتم السؤال عن السبب، تلقى المسؤولية على المضاربين وصرافي السوق الموازبة. ولذلك لا بد من الرجوع إلى أصل المشكلة، خاصة وأن في 22 تشرين الثاني الماضي اعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مقابلة مع "قناة الحرّة"أنّ السوق الموازية تحت سيطرته، مضيفا: "نحنا قادرين نلم كل الليرات ساعة اللي منقرّر، ونحن قادرون على أن نضع مليار دولار ونجفّف السوق كلّه من الليرات".
Advertisement

في العام 2019، فجأة أوقف مصرف لبنان تأمين العملات الأجنبية ليس فقط بالسعر المدعوم أي 1507.50ليرة لبنانية للدولار الواحد، بل بأي سعر، الامر الذي فتح الابواب على مصراعيها امام الصرافين الذي لا يمكن ائتمانهم على العملة الوطنية التي يجرم القانون التلاعب بها، فأصبحوا يحددونها وفقاً لحساباتهم التجارية لا يحدهم في ذلك إلا تأمين الربح الأكبر. قبل ذلك كان الصرافون يستحصلون على العملة الأجنبية من المصارف أو من الجمهور بالسعر الذي يبيعه مصرف لبنان ويحققون ربحاً صغيراً. أما بعد 2019 فأصبح المورد الوحيد للعملات الأجنبية هو الجمهور الذي يذهب لتصريف "دولاراته" لدى الصرافين الذين يحددون قيمتها وفقاً لهرمية خاصة بهم ويحتكرون هذه العملات حيث لا مكان آخر لتصريفها. فالاحتكار اعطى لهؤلاء تحديد العملة الأجنبية وفقاً لسوقهم وجعلهم يحتكرون ويضاربون في ظل انتفاء أي رقابة .

وعليه، لا يجوز بحسب المحامي عيسى نحاس، ترك تحديد قيمة العملة الوطنية لقطاع خاص يقوده صرافون ولا يجوز ترك احتكار العملات الأجنبية للقطاع الخاص خصوصاً وان تحديدها يخضع لجملة من المعايير تبدأ من حركة الميزان التجاري وحركة العملات الأجنبية والتبادلات التجارية وكلها لا يمكن للصرافين اخذها بعين الاعتبار. فهم يحتكرون العملة ويخزنونها ثم يرفعونها لبيعها بسعر أعلى وتحقيق أكبر قدر من الأرباح دون أي رقابة أو تدخل من الدولة ودون تطبيق المعايير الاقتصادية. ولا يخرق هذا الاحتكار، كما يقول نحاس لـ"لبنان24" إلا ضخ مصرف لبنان لكميات قليلة من العملات الأجنبية في قطاعات نادرة وفي منصة صيرفة بكميات محدودة ليس من شأنها كسر هذا الاحتكار.

الأكيد أن القطاع النقدي اللبناني يعاني، بحسب نحاس، من أزمة تعود إلى التردي الاقتصادي وشلل القطاع المصرفي وهبوط كتلة العملات الأجنبية في السوق اللبناني، إلا ان تحديدها في السوق الموازية دون رقابة من الدولة ودون أسس تخضع للقوانين ليس إلا مضاربة بالعملة الوطنية، لأنه لا يعكس القيمة الحقيقية للعملة الوطنية التي أو جب قانون النقد والتسليف ان تحدد بقانون وليس من قبل قطاع خاص قوامه مجموعة دكاكين صرافة.

لقد أعلن المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم ان حملة توقيف الصرّافين في سوق الدولار مستمرّة ، مشيرا حول العقوبة التي ستلحق بالمُضاربين، إلى أنّها قد تصلُ إلى السجن لمدة تصلُ إلى 3 سنواتٍ مع غراماتٍ مالية يتوجب على الموقوفين دفعها، ويأتي ذلك بعدما وجه المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات كتاباً الى النائب العام المالي طلب فيه تسطير استنابات قضائية فورية إلى أفراد الضابطة العدلية كافةً بغية إجراء التعقّبات والتحقيقات الأولية كافةً والعمل على توقيف الصرّافين والمضاربين على العملة الوطنية والتسبّب بإنهيارها، واقتيادهم مخفورين إلى دائرة النيابة العامة المالية لإجراء المقتضى القانوني وإفادته بالنتيجة بالسرعة الممكنة.

وهنا لا بد من العودة، وفق نحاس، إلى تعميم مدعي عام التمييز الذي لم يطلب ملاحقة الصرافين غير الشرعيين بل جميع الصرافين والمضاربين بالعملة الوطنية. إلا ان الأجهزة الأمنية لم تلاحق إلا الصرافين الصغار أو غير المرخصين الذين بالطبع عملهم غير شرعي، لكنهم لا يؤثرون على تحديد قيمة العملات الأجنبية، بل ينافسون الصرافين الشرعيين والكبار منهم ما يخلي الساحة لهؤلاء لتكريس احتكارهم وليس هذا المطلوب. فما يوجب العلم النقدي عمله هو ملاحقة كبار الصرافين والمضاربين والمحتكرين أي حائزي الكتل النقذية الأجنبية الكبرى بالتوازي مع انشاء سوق تحت رقابة الدولة ومنع هؤلاء من تحديد سعر العملات الأجنبية او بيعها وفقاً لمصالحهم وقدراتهم الاحتكارية ويتم ذلك عبر انشاء منصة صيرفة موحدة وسحب جميع الرخص وإعادة منحها على أسس تقنية حديثة توجب تصريف العملات وفقاً لمنصة موحدة تحت اشراف مصرف لبنان أو بعد انشاء مجلس مراقبة تصريف العملات. كما يجب مراقبة وضبط عمليات تبييض الأموال والتهرب الضريبي وغيرها من الأعمال غير المشروعة التي تتم تحت ستار الصرافة ومصادرة الأموال المخزنة خلافاً لقانون تنظيم مهنة الصرافة حيث لا يجوز تخبئة وتخزين العملات الأجنبية بل وضعها في السوق كما وضبط العمليات التي تغطي ربى فاحشاً أو استغلال ضيق المحتاجين أو شراء شيكات دون قيود قانونية وغيرها من العمليات غير المشروعة.

لعل الحمايات التي يتمتع بها المحتكرون والخوف من فقدان العملات الأجنبية في ظل عدم فعالية أجهزة الدولة بتوقيف الصرافين الكبار والمحتكرين والشركات الكبرى هي، بحسب نائب رئيس لجنة حماية المستهلك في نقابة المحامين، التي تقف وراء ملاحقة صغار الصرافين التي لا تقدم ولا تؤخر على مستوى حماية النقد الوطني.

في السياق، يعتبر رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف الدكتور فؤاد زمكحل لـ"لبنان24" أن ازمة ارتفاع الدولار تتكون من شقين:

الشق الأول: مالي تقني نقدي. ومما لا شك فيه أن هناك طلبا اكبر بكثير من العرض الموجود بالعملة الاجنبية (الدولار). وبالارقام، جرى في العام 2022 تحويل نحو 7 مليار دولار من المغتربين ونحو 3 مليار دولار عبر المنصات الرسمية، اي ما يعادل الـ10 مليار دولار من التحويلات النقدية الى لبنان . اما الطلب على الدولار فهو مرتبط مباشرة بالناتج المحلي الذي يقدر بحسب مرصد البنك الدولي بين 20 و25 مليار دولار بعدما كان يبلغ بين 50 و55 مليار دولار ما قبل الازمة الاقتصادية والاجتماعية. وهذا يعني ان الاقتصاد في لبنان يحتاج لكي ينهض الى نحو 20 مليار دولار، فهناك فجوة تبلغ نحو 10 مليار دولار من العجز الذي تتم تغطيته من السوق الموازية وحيتان الصرافة الذين لديهم مصلحة في ارتفاع سعر صرف الدولار لتحقيق المزيد من الاستفادة. وما تقدم يتطلب إما ادخال 20 مليار دولار، أو مضاعفة سرعة الحركة بالعملة النقدية speed of currency من اجل أن تتحول هذه الدولارات الى تغطية الفجوة .

أما الشق الثاني فيتصل، بحسب زمكحل، بالضغوطات السياسية وحيتان الصرافة وغير ذلك من العوامل التي يكتنفها الغموض وتتحكم بعملية الارتفاع. فالسوق الموازية هي منصات الكترونية، وبعد ثلاث سنوات من بروزها، لا يتظهر اسم واحد من منظميها المحليين او الاقليميين او الدوليين، فلا احد يعلم كيف تشتغل وكيف تدار. وهذا يؤشر الى ان هذه المنصات وهمية ولا تتبع اية قواعد تقنية والدليل انه عندما بدأ العمل بمنصة صيرفة وتم ضخ الدولار النقدي في السوق اللبناني، ارتفع سعر الصرف في السوق الموازية 10000 ل.ل بدل أن ينخفض.

ما يجري اليوم في سعر الصرف هو، كما يقول زمكحل، اشبه بكباش بين من سيتحكم بسوق الصرافة. فمن جهة يحاول مصرف لبنان العمل على التحكم بهذه السوق عبر منصة الصيرفة التي يتم رفع سعر صرفها، ومن جهة ثانية يضغط من يدير السوق الموازية وحيتان الصرافة لارتفاع سعر الصرف لخلق فجوة بين سعر صيرفة وسعر السوق الموازية من اجل التحكم بالسوق.

وعليه، يمكن القول إن لا حدود لسعر الصرف، والحل الوحيد ليس بتوقيف الصرافين، لأن أي شخص سواء كان بقالا او يعمل على Mobylette على سبيل المثال لا الحصر يستطيع ان يعمل في مجال الصيرفة، لأن هناك ارباحا كبيرة يمكن ان يجنيها الاشخاص رغم الخسائر التي قد تقع على عاتق هؤلاء في الوقت نفسه. لكن من يتقن فن التحكم بالسوق هم الذين يسحبون الدولارات وفق سعر منخفض من المواطنين تمهيدا لبيعها على سعر مرتفع.

اذن، الحد من هذه المعضلة يتطلب، بحسب زمكحل، الذهاب مرغمين الى اقتصاد مدولر بامتياز . والسوق المدلور لا يقتصر فقط على الانفاق( البنزين والسوبرماركت) انما ايضا يرتبط بالمداخيل ( معاشات القطاع العام والخاص) من اجل لجم السوق الموازية وعمل مافيات السوق. مع الاشارة الى ان الحديث عن توزيع الخسائر بين المصارف والدولة والمودعين لا يقابله اي كلام عن توزيع الارباح التي هي هائلة لكنها مخفية وتجري في سوق الصرف التي تتحكم باللبنانيين ومداخيلهم.

ان ما يجري اليوم من توقيف الصرافين ليس الا لعبة دونكيشوتية، يقول عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف. فالصرافون الكبار ومن يتمسك بالسوق يحظون بحماية وغطاء كبيرين يمنعان اي محاسبة عنهم. ليبقى الاكيد أن من يمد السوق بكتلة النقد الوطني هو مصرف لبنان عبر المصارف والتعاميم، والجمهور الذي يحول أمواله إلى عملات أجنبية وستظل السوق الموازية، كما يقول المحامي نحاس، امراً واقعاً لحين انشاء منصة موحدة لتصريف العملات تحت رقابة الدولة تعكس القيمة الحقيقية للعملة الوطنية وملاحقة المحتكرين مهما علا شأنهم أو تعاظمت حماياتهم. ولعله هنا تكمن أزمة الحاكم في حال لم يسارع إلى اتخاذ الإجراءات الشاملة.
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك