بعد أيام من نعي الكاتب الشهير روبرت فيسك لجبال لبنان واتهام مسؤولين بالتواطؤ وإلحاق الضرر بالبيئة مقابل الشره بالمال، نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية مقالاً جديدًا للكاتب، أشار فيه إلى أنّ لبنان يشهد دمارًا في أرضه وآثاره.
وقال الكاتب إنّ يجري نهب الصخور والرمال المُستخرجة من الجبال لـتُستخدَم في بناء الشقق والمباني والفيلات الخاصّة، ورأى أنّ الإنتهاك الحاصل سببه جشع اللبنانيين.
ولفت الى أنّه من السهل جدًا إلقاء اللوم على الأجانب، فلبنان لطالما اتهمهم بمآسيه، لا سيّما مع القول إنّ التجمعات الراعية للنفط هي المسؤولة عن دمار الأراضي في غرب أفريقيا، والحديث عن سعي ومطالب لدى صندوق النقد الدولي لإفقار الدول العربيّة، وتحضير قوى غربية لاجتياح الشرق الأوسط. وأوضح الكاتب أنّ اللبنانيين يتهمون دائمًا الإسرائيليين أو السوريين أو الأميركيين أو حتّى الأمم المتحدة بأنّهم سبب المأساة، ولا يخفي الكاتب أنّ جزءًا من اللوم صحيح، إلا أنّ بعض اللبنانيين لا يزالون يعتبرون الحرب الأهلية التي فتكت بالبلاد هي "حرب الآخرين".
واعتبر الكاتب أنّ لبنان هو البلد الوحيد بين الدول العربية وفي الشرق الأوسط المسؤول عن دمار آثاره وأرضه وجباله، مشيرًا الى أنّ هناك أمرًا مثيرًا في لبنان، فهو لديه تاريخ وقلاع وأطعمة تقليديّة، وأنهر وغير ذلك، ما يضعه تحت مجهر المراقبة.
وتحدّث الكاتب عن مقاله السابق الذي تطرّق فيه عن واقع الجبال في لبنان والذي استدعى انتباهًا دوليًا لحجم الدمار اللاحق بالجبال والوديان، وقال إنّ بعد نشر ذلك المقال، جرى الكشف فجأة عن جبال لم تُفسَد بعد، بمحيط منطقة العاقورة، فيها صخور قديمة وغابات من أشجار العرعر، والتي يمكن أن تتعرّض للتمزيق من قبل أصحاب الجرافات والمرامل.
وتطرّق الكاتب إلى ما قاله رئيس بلدية العاقورة منصور وهبي عن أنّه ينوي تحويل أجزاء من الجبل الى منطقة لممارسة الرياضة وإنشاء بحيرة سياحيّة، إلا أنّ الأهالي احتجوا على ذلك المشروع. وسئل وهبي إن كان هناك أي خطّة لبيع الصخور الى شركة خاصّة، فقال إنّه لديه الحق ببيع الحجارة لمن يريد، وفقًا لما نقله فيسك.
وأشار الكاتب الى ردّ رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط على مقاله السابق عن سحق الجبال اللبنانية في منطقة "ميروبا" بفعل إنتشار الكسارات والمرامل. حيثُ كتب جنبلاط: "عزيزي روبرت، ليست الجبال فقط في حالة خطر، بل الشواطئ الطبيعية يتم تخصيصها، والأبنية التراثية القديمة يتم تدميرها واستبدالها بناطحات سحاب، وأنهر من النفايات تُرمى في البحر.. من حسن الحظ أن جبل حرمون بأمان بسبب الحرب!".
وأوضح فيسك أنّ جبل حرمون يمتدّ الى مرتفعات الجولان السوريّة المحتلّة، وصحيح أنّ خطوط الجبهات القديمة تحمي الطيور والحياة البريّة والغابات.
وقال فيسك: "منذ سنوات وخلال الحرب الأهليّة، قصدت مكتب بريد في صور، حيثُ كنت أحاول أن أرسل تقريرًا الى لندن بمساعدة رجل، فسألني: هل تعلم ما هي المشكلة في لبنان؟ فأجبته: لا، فردّ قائلاً: "مستر دولار.. MR DOLLAR"، ونعم أعتقد أنّه كان على حق".
واعتبر فيسك أنّ لبنان يدمّر نفسه بنفسه، والتاريخ يكرّر الأحداث عينها، وما يجري استمرار للنزاع الذي دارَ بين 1975 و1990، مشيرًا إلى فساد العقل والأخلاق وحبّ المال في هذا البلد الصغير.
وختم مقاله قائلاً: "الحرب الأهليّة كانت صراعًا طائفيًا، تسبّب به إحباط سياسي وطمع بأرض وممتلكات المواطنين، إنّه "التطهير العرقي"، لذلك فهذا الشره القديم مستمرّ الآن، ومن دون تدخّل أجنبي". وأكّد فيسك أنّ لبنان الذي دمّر نفسه هو الوحيد القادر على إعادة الأمور إلى نصابها.
وتوازيًا، فقد نشر جنبلاط المتواجد في النروج، صورةً لجبال خضراء عبر حسابه على "تويتر" اليوم، وعلّق بالقول: "كم الطبيعة خلابة وكم يشعر المرء بالهدوء والاطمئنان بعيدًا عن ضجيج الشرق وحروبه، بعيدًا عن لبنان الذي كان جميلاً فدمّرناه بادعائنا وطبيعة ازهقناها بالعمران او المقالع وبحر خصصناه للاغنياء ومكبات النفايات. لا عجب.. وجهان لعملة واحدة".