Advertisement

لبنان

صورة تُعرّي الجميع على الأوتوستراد!

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
28-08-2018 | 02:34
A-
A+
Doc-P-505832-636710389004444336.jpg
Doc-P-505832-636710389004444336.jpg photos 0
PGB-113274-636710389994198381.jpg
PGB-113274-636710389994198381.jpg Photos
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

قد يكون من في الصورة صبياً وقد تكون فتاة. على الأرجح إنه صبيّ، ولو كان الشعر طويلاً ومربوطاً بإحكام. هذا أصلاً لا يهمّ. هذا لا يهمّ إطلاقاً. المهمّ أنّ ثمة إجراماً يُرتكب بحق الطفولة بخاصة، والإنسان بعامة. والمهمّ، أنّ من يتأبط الطفل أو الطفلة بيد واحدة فيما يقود دراجة نارية على الأوتوستراد، يرتكب جريمة لا تُغتفر.

 
Advertisement

الصورة التي التقطتها عدسة "لبنان24" قبل يومين على الطريق الساحلي باتجاه بيروت يوجد مثلها الكثير الكثير. مثل هذه الأفعال الجرمية تتكرر كل دقيقة على طرقاتنا وشوارعنا، ولعل بعضها أكثر فظاعة ولا سيّما عندما يكون على متن المركبة الصغيرة تلك أكثر من طفل، بل عائلة بأكملها، علماً أنّ القضية ليست قضية عدد!

 

لكن نعم، سنجعل من هذه الصورة قضية. قضية طفل (ة) اقترب (ت) من الموت، بل وضع (ت) عنوة أمام مخالبه من دون رحمة، فكان الموت أرحم من المُرتكب. نأمل ذلك.

سنجعلها قضية كبرى لأن مدلولاتها كبيرة وعظيمة. ولأن ما من شيء يبرر هذا الإجرام، وما من شيء قادر على تخفيف العقوبة بحق الشاب المتهوّر، لو كانت هناك من عقوبة وعدالة!

 

سنجعلها قضية لأنه على أحد ما، الآن وليس بعد قليل، أن يحمي الأطفال في لبنان. أطفالٌ أبرياء... ولا، ليس ذنبهم أنهم ولدوا في هذا الوطن! أطفالٌ يُحملون كأكياس البطاطا إن قُدّر لهم النجاة من كرتونة تُرمى في حاوية النفايات بعد أن يبصروا النور! أطفالٌ يصبحون دمى، لا للتدليل وصوغ الفرح معهم، بل لخلق جراح تتمشّى بين الهياكل العظمية!

 

سنجعلها قضية لأن ثمة من يحاول تخفيف وطأة هذه الأفعال أو رفع المسؤولية عن مرتكبيها من خلال التذرّع بالحالة الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تحول دون تمكن كثيرين من شراء سيارة للتنقل على متنها، أو تزويدها بكرسي الأطفال، والقول تالياً إنّ "الحاجة صعبة ومرّة"، أو "ما باليد حيلة ولا وسيلة إلا الموبيلات للتنقل من مكان إلى آخر"!

 

يا سادة، يا ناس! الأطفال مسؤولية، ومن ليس بمقدوره تحملها كما يُفترض فليقلع عن الإنجاب! ولا، ليس هذا مسّاً بالحقوق والحريات، بل صوناً لها وللإنسانية!

ومع أنّ التذكير بهذه النقطة قد يكون ابتذالاً، لكننا سنفعل ونذكر بأنه في حال حصلت هذه التصرفات في بلد محترم لسُحبت الحضانة من الأهل فوراً وأخذ الطفل ليتربى في كنف عائلة أخرى أو مؤسسة اجتماعية تحميه، ولكانت عقوبة المرتكب عظيمة وقد تُنسب إليه تهمة محاولة القتل، وليس الإهمال وحسب!

 

على هذه الصورة أن تكون قضية لأنها تختصر وتمثل كلّ الإجرام الذي يحصل من دون أي محاسبة أو محاولة لوقفه. سنجعلها قضية لأن مدلولاتها عظيمة: إنها تُعرّي الجميع وتفضحهم. الشعب وهذه الدولة التي تُمعن في عدم تطبيق القانون!

 

ألا يمثل هذا الشاب الذي يحمل الصغير (ة) بيد واحدة على طريق المجهول والموت، وهو يعرف في قرارة نفسه العواقب والمخاطر، الشعب اللبناني الذي لا يأبه لمستقبل أطفاله وأحفاده، فيمضي في طريقه من دون أن يثور على ظلم أو أن يطالب بحقه أو أن يطرق على باب ضمائر المسؤولين بهدف حماية فلذات كبده؟!

 

شعبٌ (التعميم ليس وارداً طبعاً) مستسلم. مصاب بمتلازمة استوكهولم. متهوّر. مشارك في الجرم إن لم يكن مرتكباً. ينشر رائحة الموت من حوله فينقّ ويعترض ثم يتلذذ بتنشقها. يحمل أحلامه وحقوقه بطرف اصبع، بل يضع حياته على طاولة قمار.

 

يُجبر على العيش بين النفايات والسموم والسرطانات فيقبل، فيبدأ بإعداد أطباق منها كي يأكلها أولاده ومن سيأتي من بعده. يُدفع إلى الفقر والعوز، فيوّضب حقيبة الهجرة ويكتب عليها "لأجيال المستقبل".

 

بلى، تفضح هذه الصورة سلوك شعب يتعثّر بوجع أولاده، فلا يُنقذهم بل يُسقطهم أرضاً...بل يُسقطهم تحت عجلات الغدر والجهل واللامسؤولية فتُطحن رؤوسهم مرة واثنتين وعشرة!

 

وتفضح هذه الصورة وجه دولة لا يُطبق فيها القانون، أقلّه للحفاظ على حياة الأطفال والأبرياء. هنا، الحقيقة باتت جليّة وواضحة: إذا كان المسؤولون والحكام لا يأبهون لخطر الموت المحدق بطفل لأنّ ثمة من لا يتحلّى بأي مسؤولية أو وعي أو ربما لا تعنيه النصوص القانونية ولا يهاب شيئاً في ظلّ الفلتان والفوضى والاستقواء بالعضلات والسلاح، فهل حقاً ستهتمّ لأمور أخرى في مختلف القطاعات والمجالات الحياتية؟!

 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك