Advertisement

لبنان

مآتم اليوم: ملتقى للأصدقاء.. ضحك و"تفشيخ"

نانسي رزوق

|
Lebanon 24
25-01-2019 | 03:59
A-
A+
Doc-P-549892-636840109219870052.jpeg
Doc-P-549892-636840109219870052.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
يصلك الخبر المحزن. "لقد توفيت والدة صديقتك". تشعرين لوهلة وأنت في خضمّ استعادة ذكرى الفقيدة، وما تختزنه ذاكرتك من مشاهد لها أو من كلامها أو طرائفها إلخ ... تشعرين أنك لا بدّ وأن تتهيأي للمناسبة الأليمة. هكذا، وبينما تومض مشاهد الأسود في مخيلتك، تقفين وقتاً طويلاً أمام خزانة الملابس باحثة عن ثياب تليق بالعزاء. وهذا يستوجب أيضاً إزالة طلاء الأظافر والماكياج. تحضّرين نفسك للذهاب وأنت متشحة بالسواد لتقفي الى جانب صديقتك المحزونة، علّ المواساة تخفّف من وطأة شعورها باليتم والأسى. 
Advertisement

تصلين الى المكان المخصص للعزاء. لكن بدلاً من أن سماع أصوات البكاء وغصات الحزن، يتناهى إلى مسمعك صوت ضحكات تصدر من قاعة الجلوس. ماذا؟ "لا بد أنّي في هذه اللحظة قد أخطأت في المكان"، تقول في نفسك، لكن لن يمرّ الوقت طويلاً حتى تدركين أنك قد أتيت إلى العنوان الصحيح، حيث يظهر أحد أفراد عائلة الفقيدة. 

تغضين النظر عما حدث، وتقرري أن تدخلي الصالة للقيام بواجب العزاء، وهناك تصطدمين بما يحرك فيك الدهشة الكبرى! تبرج وزينة وملابس قصيرة؟ في عزاء؟ بعض النساء، يخيل إليك أنهن في دعوة فرح أو مناسبة سعيدة أو أي مناسبة أخرى ما عدا أنهن في حضرة جسد مسجى ينتظر الدفن. 

بعد أن كانت حرمة الميت تمثل شيئاً مقدساً لا يجوز المساس به، بات المأتم اليوم بالنسبة إلى الكثيرين وكأنه حفلة او مشروع للقاء الاصدقاء والمزايدة. وهنا طبعا لا نتحدث عن الجميع، ولا نطلب من أحد إعلان الحداد مدة سنة، لكن أقله اظهار بعض الحزن والاحترام من أقرباء الميت. 

لا يمكن اعتبار هكذا مظاهر، والتي باتت منتشرة بكثرة، سوى أنها استخفاف بالموت والميت. فبدلاً من أن يكون العزاء لمواساة أهل الميت، بات المأتم أشبه بإحتفالية تطغى عليها المظاهر والمباهاة، بما فيها إبراز القدرات المادية للمعزين، و/أو تبذيراً من عائلة الميت يتضح بما يسعون لتقديمه من طعام "للضيوف".
في ما مضى، في عزاء المسلمين كان التركيز على ختم القرآن عن روح الميت والدعاء له بالرحمة، كانت العائلات تتضافر لتقف الى جانب الميت. السير في الجنائز سنة، و عيادة المريض سنة، و العزاء من السنة.

وكان إحياء ذكرى الـ 40 للمتوفى يقام قداساً عن راحة نفس الميت عند الطوائف المسيحية على سبيل المثال، يليه ما يعرف بـــ "لقمة رحمة" عن نفسه، لكن أين أصبحت هذه "اللقمة" اليوم؟ لقد تحوّلت إلى "كوكتيل حلو ومالح". 

هذا ما في يخص التبذير والمباهاة اللبنانية ولو في غير مناسبتها قطعاً، لكن هناك أمر آخر لا يقل سوءاً. إذ عندما تجلس وسط المعزين رجالاً ونساء، ستجد نفسك مجبراً على الاستماع إلى الأحاديث الجانبية "التافهة" التي يثيرها البعض، وهم في حضرة الموت، من دون أن ننسى أولئك الذين يتعمدون إظهار مشاعر حزن زائفة ومبالغ بها.

صحيح أن العادات والتقاليد في طقوس الموت من دفن وجنازة وعزاء قد تختلف من مكان إلى آخر، ومن طائفة الى أخرى، إلا أنها تجتمع كلها حول مسألة واحدة جوهرية، هي الشخص المتوفى، وحرمة الموت والميت، وما يستوجبه ذلك من إظهار مشاعر الحزن والمواساة والتضامن مع عائلة الفقيد. لكننا اليوم، أصبحنا أمام مظاهر فاجرة تدوس على عاداتنا وتقاليدنا، تلك كانت تخلق الألفة بين الناس وتجعلهم يتقاسمون وطأة أحزانهم ومصائبهم. تلك العادات والتقاليد التي تحفظ للإنسان كرامته حتى وهو يتهيأ ليوارى الثرى إلى الأبد. 

ما نراه اليوم، قد يجعل الميت يتمنى لو يعود إلى الحياة دقائق فيزور مأتمه ويصرخ بالمعزين: اذهبوا إلى بيوتكم ومظاهركم الفارغة، واتركوني أرقد بسلام !
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك