Advertisement

لبنان

لماذا لا يصدق كثيرون حديث مكافحة الفساد؟

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
04-03-2019 | 04:31
A-
A+
Doc-P-562394-636872960259899036.jpg
Doc-P-562394-636872960259899036.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

في خضم الحديث المتعاظم عن نوايا محاربة الفساد وحروب الملفات الكثيرة، تبدو لافتة تلك القناعة الراسخة إلى حدّ اليقين لدى فئات واسعة من اللبنانيين بأن كل ما يطرح من أحاديث عن الإصلاح ووقف الهدر ومحاسبة المقصرين لا يعدو كونه ترفاً وتقطيع وقت، وتقسيم أدوار، وكيديات سياسية، وشكليات تقتضيها إدارة المرحلة.. تبدو هذه "الغالبية" غير معنية بما يقال، والأخطر أنها غير مهتمة بالتمرد والثورة والمطالبة بالتغيير؟!

في لبنان.. منذ عقود، وتحديداً بعد انتهاء الحرب الأهلية سيئة الذكر، تسمع الأجيال، جيلاً بعد جيل، كلاماً كثيراً، كبيراً، متعاظماً عن بناء الدولة، وتعزيز المواطنة، وتحقيق التقدم وصناعة المستقبل.. لكن المفارقة الصادمة أن ما تحصّل بعد هذه السنين، هو ارتفاع منسوب الخطاب الطائفي وحديث الاستقواء على الدولة، تفشي الفساد وغياب المساواة وضعف الرقابة، انتشار البطالة وانتفاء الفرص، عنفٌ مكبوت وعنصرية مقيتة، تفلت أمني وانتشار السلاح غير الشرعي، تعميم ثقافة اليأس والفساد والمحسوبية بديلاً عن الكفاءة والنزاهة والابداع، نزف اغترابي في المقدرات الشبابية والكفاءات المتخصصة، انتشار ظواهر الإدمان، زيادة معدلات الجريمة وضحايا  الاستهتار والخفّة والعبثية والطيش والتفلت من كل الضوابط والقيم الأخلاقية والإنسانية، وكل ذلك يضعنا، دولة ومجتمعاً، أمام إشكالية معقدة تتصل بقيمة الانسان - المواطن في بلد تكاد تختصر فيه المواطنة بدفع الضرائب وتقديس الزعماء.

هي ظاهرة تستحق التأمل والمبادرة للعلاج على أكثر من مستوى، ذلك أن  إحدى أبرز مسببات هذه الأزمة هي أن لا تربية وطنية علمية ومنهجية وخلاقة في المناهج التعليمية في لبنان، ولا اهتمام رسمياً بالأمن الاجتماعي، وثمة تقصير من الجهات الدينية في تعزيز سلوكيات السكينة وجماليات التعايش بين الناس.. ولا مجتمع مدنياً يعمل لهذه الأهداف بمعزل عن انشغالاته بقضايا يعتبرها أكثر أهمية، مجتمع نازح رديف إلى جانب المجتمع اللبناني بعادات وسلوكيات مختلفة، ضغوطات الحياة المعاصرة ولامبالاة السلطات السياسية الحاكمة بمسألة الأمن الاجتماعي.. كل ذلك يضعنا أمام أزمة ثقافية – اجتماعية مكتملة العناصر والأسباب والتداعيات، وتحتاج تأملاً دقيقاً، ونقاشاً علمياً ونفسياً وصحياً وسياسات تطبيقية للحل.

لا يعني ما ذكر أن لبنان فقد مقومات بقائه أو ميزات تقدمه بسبب الظواهر السلبية المتزايدة، إذ لا يخلو مجتمع من الجرائم والمآسي والتجاوزات، لكن المجتمع اللبناني هو صاحب تجربة تاريخية خاصة وغنية، وهو عاش لسنين عديدة مستقراً متفائلاً ومتماسكاً، رغم التعثرات الاقتصادية والأزمات الحياتية وضيق الأحوال، حتى في فترات الحرب، حافظ على تماسكه وتقاليده وقيمه الروحية، والمؤسف أنه بعد سنوات على الانتهاء النظري للحرب تعود ظواهر الخروج عن الانتظام العام ومنطق الخروج عن مقتضيات المواطنة (حتى من قبل القائمين على الشأن العام) والنظر إلى "اللبناني" وفق اعتبارات  الدين والمذهب والرتبة الاجتماعية والمالية، وليس كقيمة بحدّ ذاته.. وهي أمور ساهمت بتنمية نزعة التمرد على الدولة، وعدم الشعور بالانتماء أو الاحتكام للقانون، بل وعدم التردد في الانزلاق نحو الغرائز وردود الأفعال، وإلا كيف يمكن تفسير ثقافة اليأس واللامبالاة، وعدم الاهتمام الجدّي بالتغيير نحو الأحسن؟

الاضطراب الذي يضرب المجتمع هو في أحد وجوهه كفرٌ بالدولة، واستسلام لمنطق أن الفراغ وغياب السياسات والرؤى هو "الاصل" وهو المتحكم في تفاصيل الحياة العامة. والمطلوب لململة ذلك بسرعة من خلال ورشة وطنية عاجلة وشاملة لبحث أسباب ما يجري، للوصول إلى خلاصات يجري تحويلها إلى برامج وسياسات عامة. وطالما أن الإصلاح السياسي أو التغيير الشامل مستحيل، فلا بدّ من العمل على صون المجتمع وإعادة السكينة إليه كمقدمة ضرورية لإدارة الحاضر وصناعة المستقبل.

Advertisement
المصدر: لبنان 24
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك