Advertisement

لبنان

ما لا تعرفونه عن البطريرك صفير

اندريه قصاص Andre Kassas

|
Lebanon 24
16-05-2019 | 02:30
A-
A+
Doc-P-587942-636935926862430390.jpg
Doc-P-587942-636935926862430390.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لا شك في أن ما قيل عن البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، منذ أن دخل في لحظات الإستعداد لملاقاة وجه ربه، ويوم إنتقاله بالروح إلى بيت أبيه السماوي، لم يُقل في شخصية أخرى فقدها لبنان، لا في تاريخه الحديث ولا في تاريخه القديم، وما قيل، على رغم أهميته وصدقيته، لم يفِ الراحل حقه وبقيت الكلمات عاجزة ومقصرّة.
Advertisement

ولكن، وعلى رغم كثرة الصفات التي تحّلى بها الراحل الكبير، والتي وردت على ألسنة من نعاه ورثاه، فإن ثمة جوانب كثيرة من شخصية البطريرك – الأيقونة، لم تُذكر، لأن من يعرفها هم قلّة قليلة، ومن بينهم مطارنة ورهبان وكهنة وعلمانيون، رافقوه عن قرب، وإن لم يكن يكشف الكثير عمّا يفكرّ به، حتى أن بعض الذين كانوا يعتبرون أنفسهم من بين الأكثر قربًا له كانوا يتفاجأون بما يعلنه، سواء في عظات أيام الأحاد أوالتصريحات الصحافية، التي كانت قليلة ومقتضبة.
 
وفي هذا الإطار، ووفق ما يقوله هؤلاء المقربون، فإن البطريرك صفير كان كتومًا ولا يفصح عن مكنونات قلبه وفكره حتى لأقرب المقربين، ليس من منطلق عدم الثقة بهم بقدر حرصه على الأّ يُفهم أي شيء يقوله على غير حقيقته، ولذلك كان شديد الحرص على إنتقاء كلماته، التي لا تحتمل التأويل، وهو عادة ما كان يردّ على سأئله عن موضوع معين بسؤال آخر، مترافقة مع ضحكة توحي لطارح السؤال بعدم الإسترسال، أو يقول له بلهجته الكسروانية: قولتك هيك؟

وهكذا بين الجد والمزاح كان الراحل يترك لمحدّثه الإستنتاج عمّا قصده، من دون أن ينزلق في موقف لا يريد تظهيره إلاّ في وقته، وغالبًا ما كان يختار الوقت الملائم لإطلاق مواقفه، التي كانت تأتي "حفرًا وتنزيلًا"، إذ كان يكتفي في أحيان كثيرة بتمرير إشارة معينة في نهاية عظات أيام الآحاد، التي كان يحرص على أن تكون مخصّصة لموضوع روحي وكنسي مستوحىّ من نص الإنجيل، الذي يسبق العظات.

وما لا يعرفه كثيرون أن الراحل قضى ساعات وهو يتعلم كيفية طباعة عظاته بنفسه بواسطة الكومبيوتر حتى أصبح متمكّنًا، وهو لم يكن يستعين بأحد، وكان يسهر حتى ساعة متأخرة من ليل كل سبت – أحد لإعداد عظته، بعد تأمل طويل ومراجعات روحية، وكان يرسلها ليلًا بواسطة "الإيميل" إلى المونسنيور جوزف طوق ليتم تعميمها على الإعلام وحصرًا عبر "الوكالة الوطنية للإعلام".
وعلى رغم كثرة الإنشغالات والهموم السياسية والوطنية كان شديد الحرص على إيلاء الشأن الكنسي والروحي أهمية خاصة، مع تكريسه وقتًا طويلًا للتأمل والصلاة والقراءات الروحية، وهو كان مواظبًا على تلاوة مسبحة الوردية يوميًا، سواء في كنيسة الصرح أو في "صومعته" (غرفته) أو خلال ممارسة رياضة المشي في باحة الصرح، صبحًا ومساءً، ومن دون إنقطاع، وكان متعبدًّا للسيدة العذراء مريم، التي كان يؤمن بأن سيدة لبنان هي التي حمت لبنان وردّت عنه الأذى في المحن والأزمات.

كان بسيطًا في حياته، يبتعد عن البهرجات والصخب والضجيج، لم يترك الصرح البطريركي إلاّ نادرًا، وحيث تكون الضرورة ملحة. كان يحرص على أن يكون طعامه متواضعًا، وكان يكتفي بالقليل منه، حتى أن البعض يقولون أنه كان يتناول وجبة واحدة في اليوم، وذلك إقتداءً بقديسي الكنيسة، وهو الذي كان مولعًا بفضائل القديس شربل وسيرة حياته، التي أوصلته إلى القداسة.
ومن بين البطاركة الذين تركوا في حياته بصمة كان يتخذ مثالًا له البطريرك مار أنطون بطرس عريضة، الذي وهب كل ما ورثه من خيرات الأرض لوقف البطريركية، وكان يعيش حياة الفقر. وطالما ردّد أمام محدّثيه كيف كان البطريرك الزاهد يرتي جواربه بنفسه، للتدليل على حياة الفقر التي كان يعيشها.

هذا ندر من كثير من الفضائل التي جعلته أقرب إلى الحياة الرهبانية الصافية، ومن هذا التجرّد إستمدّ قوته وصلابته في إتخاذ المواقف التاريخية، التي طبعت مرحلة دقيقة من عمر الوطن، ولم يكن يتراجع عن موقف مؤمن به لأن لا شيء كان يغريه ولا قوة كانت لتؤثر به.

وعلى رغم هذه الصلابة في موقفه كان شديد التواضع والوداعة، حيث يستمع للجميع، ويصغي للصغير قبل الكبير، وكان سريع البديهة وحاضر الذهن، حتى في أيامه الأخيرة، ولم تفارقه البسمة ومسحة التفاؤل حتى في أحلك الظروف، وكان صاحب طرفة هادفة. والأمثلة على ذلك كثيرة.

اليوم عاد البطريرك البطريرك إلى حيث قضى أكثر من نصف عمره، لينضم إلى قافلة البطاركة القديسين، وسيكون ذكره مؤبدًا.
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك