Advertisement

لبنان

عاملان يفتكان بأكثر من 9000 شخص سنوياً في لبنان: هل ثمة من سُيحاكم؟!

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
12-09-2019 | 04:30
A-
A+
Doc-P-625060-637038825604421341.jpeg
Doc-P-625060-637038825604421341.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

تصدر الأرقام والإحصاءات بالمفرق، فلا نشعر بالرهبة، ولا نتحسس الخطر. وعندما تصبح الفاجعة مجرد تقرير إخباري يمرّ في سياق النشرة، أو جزءاً من خطاب يلقيه مسؤول أمام العدسات، فهذا يعني أنّ القبور ستصبح كثيرة، وأنّ صناعة الأكفان مربحة ومُرضية!

في لبنان، الإحصاءات كثيرة ومن مصادر مختلفة وغير دقيقة إجمالاً. لكنها، على ثغراتها، قادرة على أن تترجم الواقع المرير أو تقاربه، فتكشف عن حاضر مخيف ومستقبل أكثر رعباً. مع نهاية العام 2018، أصدرت غرفة التحكم المروري إحصاءً جاء فيه أنّ عدد حوادث السير بلغ 4551، راح ضحيّتها 496 قتيلا و5948 جريحا.

وبالأمس، وقف وزير الصحة العامة جميل جبق على منبر الجامعة الاميركية في خلال مؤتمر طبي يتناول التشخيص والعلاج من الأمراض السرطانية والمستعصية ليقول إنّ "عدد المصابين بالسرطان في لبنان بات مخيفاً"، كاشفاً أنّ ثمة "ما يزيد على 13 ألف مصاب بالسرطان يتلقون العلاج."

وبحسب تقرير صادر عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية، فقد سُجلّت في لبنان 8976 حالة وفاة بسبب مرض السرطان في عام 2018،  فيما بلغ عدد المصابين بالمرض في خمس سنوات نحو 41 ألفاً و843 شخصاً؛ 22 ألفاً و250 منهم من النساء و19 ألفاً و593 من الرجال.

بعملية حسابية بسيطة، يتبيّن أنّ أكثر من 9000 شخص يموتون سنوياً في لبنان بسبب عاملين اثنين: حوادث السير والسرطان. وعندما يحدث هذا الموت الكثيف في بلد يتآكله الفساد ويتسابق حكامه على إتقان الإهمال والتنصل من المسؤوليات والتلهي بالقشور والهرولة وراء المصلحة الشخصية والطائفة والحزب والزعامة...يصبح من الأجدى القول إن هؤلاء قتلوا، وعلى الأرجح، عن سابق تصوّر وتصميم!

الأسوأ، أنّ العدد قد يكون أكبر. هو حتماً أكبر. ثمة أشخاص لا يُوّثق موتهم ولا يُعرف سببه، أو لا يُبحث عن سببه عمداً إما تقصيراً وإما جهلاً. مثلاً، ثمة من يموت في المستشفى بعدما قضى أياماً فيها أو شهراً، جريحاً نتيجة حادث سير. هذا لا يُضاف إجمالاً إلى "عدّاد" الإحصاءات، بل تكون وفاته "أزمة قلبية" أو "نزيفاً داخلياً" أو ما شابه. وثمة موتى لا يُلحظون أصلاً، فيرحلون في بلدة نائية تماماً كما عاشوا، مثل سراب.

ليس المهم طبعاً حصر عدد الأموات، مع أنّ ذلك يروق للدولة اللبنانية على ما يبدو، وربما هذا ما تجيده فقط. المهم أن نفهم السبب. سبب موت "مجانيّ"، أو بالأحرى، مشبوه، وأقلّه عندما يتعلق بحوادث السير وبالسرطان، في حال تقرر استثناء مسببات أخرى للموت مثل الانتحار أو الجرائم أو العنف!

وفي الحقيقة، جميعنا يعلم بالأسباب. منذ أيام قليلة، وقف وزير الصحة محذراً من أنّ "عدد مرضى السرطان في لبنان يرتفع نتيجة ما يعانيه بلدنا من تلوث بيئي يتطلب دق ناقوس الخطر"، في وقت كانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تنشر خريطة بتقنية نظم المعلومات الجغرافية GIS تظهر انتشار حالات الاصابة بمرض السرطان في برالياس في قضاء زحلة التي تعاني تلوث الموارد المائية وتغمرها مياه الصرف الصحي والصناعي، وقد بلغ عدد الإصابات في البلدة 600 من أصل 16 الفاً هو عدد الأهالي!

وتكفي العودة إلى أرشيف السنوات القليلة الماضية والاطلاع على الدراسات والتقارير والأبحاث التي تتحدث عن العلاقة بين التلوّث المخيف الذي يضرب لبنان، بحراً وبراً وجواً، وبين الإصابة "بالمرض الخبيث". ولم العودة إلى الماضي أصلاً؟ مجرد قضاء بضعة ساعات في إحدى بلدات المتن على سبيل المثال، وتنشق روائح نتنة وقاتلة أوتي لها بخبير دولي ليكشف مصدرها، حتى يتوّعك الفرد ويتحسس السرطان يتسلل إلى جسده المستسلم!

وفي الموازاة أيضاً، ومع أنّ التقارير والإحصاءات تفيد بأن معظم حوادث السير المميتة تحصل بسبب السرعة الزائدة أو القيادة تحت تأثير الكحول أو ما شابه من عوامل يتحمّل مسؤوليتها السائق نفسه في المرتبة الأولى، إلا أنّ أغلبية الخبراء في هذا المجال يعرفون ويقرّون بأن الدولة اللبنانية تتحمّل، بشكل كبير ولافت، مسؤولية الموت المتنقل على الطرقات لأسباب عدّة ومتنوّعة، على رأسها ربما التراخي في تطبيق قانون السير وعدم وضع هذا الملف على سلّم الأولويات، إضافة إلى أوضاع الطرقات المزرية وغياب الصيانة ومعايير السلامة العامة

إذاً، يتضح أنّ الدولة اللبنانية مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر، عن قتل آلاف الأشخاص سنوياً، وهي لا تُحرّك ساكناً، بل تتمادى في جرائمها. لم يعد اللبنانيون يحيون "من قلّة الموت". في الحقيقة، إنهم يعيشون أمواتاً، منتظرين، بالدور، توافر قبور يرشّ عليها الزعماء الورد ويلقون الخطابات. وفيما تبرز حوادث السير والإصابة بالسرطان كإحدى أبرز المشاكل التي تعاني منها معظم البلدان وتسعى إلى محاربتها والحدّ منها، تعجز الدولة اللبنانية، إن قُدرّ ووقفت أمام محفل دولي للمحاسبة، أن تدافع عن نفسها لتنال حكم البراءة، فجرائمها موّثقة محلياً وعالمياً، وتجسدها كثافة موت وأعداد ضحايا أحياء. لكن حقاً، هل من سيحاسب؟

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك