Advertisement

لبنان

لبنان 24 يوّثق رسمياً وجود ثاني قنديل بحر مرقط في لبنان.. وأسرارٌ وحقائق كثيرة تُكشف!

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
07-10-2019 | 04:49
A-
A+
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
في أواخر شهر أيلول الفائت، أمكن رؤية قنديل بحر صغير الحجم قبالة شاطئ عمشيت - جبيل، فتواصل "لبنان 24" فوراً مع أخصائي البيولوجيا البحرية وعلوم البحار البروفسور في الجامعة الأميركية في بيروت د. ميشال باريش الذي أكدّ أنه قنديل البحر المرقط طالباً إخراجه من المياه والاحتفاظ به لإجراء دراسة جينية له. 
Advertisement
 
اللافت أنّ هذا القنديل "الغريب" عن بحر لبنان، هو ثاني قنديل يتمّ توثيقه رسمياً محلياً. ففي حديث لموقعنا، شرح د. باريش أنّ هذا القنديل "الجديد" يسمّى  white-spotted jellyfish وهو موجود طبيعياً في غرب المحيط الهادئ من أستراليا إلى اليابان، لكنه بدأ يغزو مناطق أخرى في العالم منذ قرابة 50 عاما، مثل كاليفورنيا ومكسيكو ومناطق في المحيط الأطلسي.ويضيف الباحث في علوم البحار أنه "عُثر على أول قنديل من نوعه عام 1965 في فلسطين المحتلة، وسرعان ما ظهر وتكاثر في اليونان في العام 2005، وندر ظهوره بعد ذلك، إذ ظهر مرة في تونس في العام 2014 ووّثق باريش بنفسه أول ظهور له في لبنان عام 2015".
ويتابع:"لا يمكننا القول إنه من النوع الغازي الآن. نعم، بتنا ندرك أنه موجود إنما بأعداد ومجموعات صغيرة ولم يصبح، حتى الساعة، قنديلاً غازياً إذ لم يتمدد ويتحرّك بشكل لافت بعد. في هذه الحال، يقال إنه من النوع المستقدم (introduced species).
ويتميّز هذا القنديل بالنقاط الموجودة عليه، وقد يتخطى قطر مظلته 50 سم، وتعدّ لسعته خفيفة مقارنة مع أنواع أخرى من القناديل. 
الضيف الجديد إذاً في ديارنا، ومن المرجح أن يكون توقيت ظهوره في أواخر الصيف بين أيلول وتشرين الأول (القنديل الأول عثر عليه باريش في تشرين الأول والثاني الذي عثر عليه لبنان24 في أيلول). لكن كل ذلك بحاجة إلى دراسة علمية معمقة. 
دراسات جينية وأبحاث علمية
 
 كيف أتى ومن أين؟! ربما ستجيب الدراسة الجينية التي سوف يجريها باريش. في هذا السياق، يشرح أنّ الغاية من إجراء مثل هذه الأبحاث والفحوصات الجينية (وبالأخص على الأسماك كونها اختصاصه) هي معرفة المصدر الذي أتت منه الأسماك الغازية. وفي التفاصيل أنّ الأخصائي يقوم بفحص الحمض النووي العائد لكائن بحري معيّن ومقارنته مع كائن آخر من النوع نفسه يعيش في مناطق مختلفة في العالم، وعندما تتطابق الأحماض النووية، يُعرف المكان الذي أتى منه. فمثلاً، في حال تطابق الحمض النووي لسمكة معينة موجودة في لبنان مع الحمض النووي العائد لأخرى موجودة في البحر الأحمر، يُعرف حينئذ أنها عبرت قناة السويس. وقد يكون سبب وجود نوع غاز معيّن في بحرنا إفراغ البواخر والسفن خزاناتها في المياه (Ballast water)، علماً أنّ تصريف السفن لمياه الصابورة والرواسب يخضع على مستوى العالم إلى اتفاقية دخلت حيّز التنفيذ عام 2017، أو قد يكون بفعل رمي أسماك في الأكواريوم في البحر عندما يراد التخلص منها.
وبحسب باريش، تفيد معرفة مصدر الكائنات البحرية الغازية لتجنب عودتها إذا أمكن أو إيجاد حلول بيئية ملائمة. وعلى الرغم من أنّ الهدف الأساس من إجراء دراسات جينية هو هدف علمي بحت ولا يهمّ العامة، إلا أنها بالتأكيد تساعد أيضاً على فهم التغيّرات الحاصلة في البحر.
بالنسبة إلى العلماء والاختصاصيين، فإن كل كائن بحري "غريب"، أي غازي وليس واطناً (native species)، هو مضرّ، يقول باريش موضحاً:" مضرّ بالدرجة الأولى بالبيئة والثروة البحرية وليس بالضرورة وبالعادة بالإنسان!".
 
إنه تلوّث بيولوجي إذاً. قد يُسعد وجود بعض الأسماك الغازية في بحرنا الصيادين والمواطنين الذين يتلذذون بتناولها، لكنّ هذا "الغزو"، بلغة الطبيعة، ليس محبباً، ولا يمرّ مرور الكرام.
بحر لبنان ورحلات الغزو
يقود الحديث مع البروفيسور باريش إلى الغوص في التفاصيل والتمعن في حقائق و"أسرار" مثيرة للاهتمام والفضول. نتحدث عن بحر لبنان بالتحديد. المواسطة مثلاً، أو العقيص كما تُسمّى أيضاً (لها تسميات عديدة أخرى)، من النوع الغازي، أتت في العشرينيات من البحر الأحمر، بحسب باريش الذي تعمق في دراستها. يقتات هذا النوع من السمك على الحشائش البحرية، لكن حياة سمكة العقيص في البحر الأحمر كانت صعبة في ظلّ وجود أكثر من 30 نوعاً يأكل أيضاً الحشائش وعندما غزت بحر لبنان وجدت الكثير من القوت وشبه غياب للمنافسة إذ كان يوجد نوع من السمك الواطن في لبنان يأكل الحشائش، وهو ما يسمّى "الصلبن". ويشرح باريش أن سمك المواسطة بدأ يتكاثر و"ارتاح على وضعه" حدّ أن أخذ مكان الصلبن الإيكولوجي وبالكاد بات موجوداً في لبنان، بخلاف فرنسا وإيطاليا حيث توجد أعداد هائلة منه لعدم وجود المواسطة الغازية.
إذاً، يُحدث غزو الأسماك بحراً جديداً تغييرات شبه مؤكدة. لكن بحسب باريش، فإنه في ظلّ غياب دراسات علمية مؤكدة تُجرى على نوع من الكائن البحري الغازي، فإن كلّ ما يقال يوضع في خانة التكهنات (بخلاف تأثير العقيص مثلا على الصلبن إذ تمت دراسة الموضوع علمياً). هذه التكهنات مثلاً تصحّ على ما يقال عن "المنفخ" الذي بات موجوداً بكميات هائلة في بحر لبنان، إذ بات مؤكداً أنه يطحن الصخور ويغيّر جيولوجية الأرض ويأكل الفقاريات والأسماك وشباك الصيادين والخطافات (القطع الحديدية التي يثبت عليها الطعم) (حتى أن الأسماك ذات الأحجام الكبيرة يمكنها أن تقطع إصبع يد الإنسان)، بيد أنّ حجم "الدمار" الذي يخلّفه بحاجة إلى دراسة علمية توضحه وتؤكده. ويوضح باريش أن هناك 7 أنواع منافخ غازية في لبنان آتية من البحر الأحمر والأطلسي  و4 أنواع شبيهة لها، (بالإضافة إلى نوع واطن موجود طبيعياً في لبنان)، وهو ما يدحض كلّ الشائعات العديدة التي تتداول عن مصدره بما فيها أنّ ثمة من رمى به في البحر لينظفه من النفط وما شابه، مضيفاً أن كلّ انواع سمك المنفخ فيها سمّ ولا يُحبذ استهلاكه.
وفي لبنان هناك حوالي 400 نوع واطن من السمك، بالإضافة إلى حوالى 100 نوع غازي. 
وتظهر حالياً 4 أنواع من السلطان ابراهيم في لبنان، وهي أسماك غازية، وها هي تنافس السلطان ابراهيم "البلدي" الذي يعيش في الأعماق.  
ومن المعلومات اللافتة أيضاً أن سمك الأبو سنّ هو من النوع الغازي، وأنّ سمك اللقز بات على طريق الانقراض في لبنان بسبب الصيد الجائر وزيادة الطلب عليه، بحسب باريش.
وبالحديث عن سمكة الأسد (lionfish) فقد شرح باريش أنّه تمّ توثيق أول سمكة في البحر الأبيض المتوسط في العام 2012، وكان ذلك في لبنان، وهي آتية من المحيط الهندي والبحر الأحمر. اليوم بات هذا النوع غازياً ويتواجد أيضاً في تونس وجنوب إيطاليا واليونان. ويقول باريش أنه يمكن استهلاك سمكة التنين، علماً أنّ السمّ الموجود في زعانفها يعدّ أقوى من سمّ "المواسطة" ومخاطره على الإنسان متفاوتة وقد تصل إلى الموت. لكن باريش يعقب موضحاً:"السمّ يتفكك على حرارة عالية (أي عند الطهي) بخلاف ما يحدث مثلاً مع سمكة "المنفخ"، ولهذا السبب تصلح للاستهلاك، داعياً الصيادين والغواصين إلى تجنب لمسها لتفادي لسعتها، ومن المفضل التخلص من زعانفها حرقاً وليس الاكتفاء برميها في حاوية النفايات فقط".
أما "التوتيا" التي غابت منذ أعوام، فليس معروفاً بعد سبب شبه انقراضها من بحر لبنان رغم أنّ الكثير من الأقاويل تتداول حول هذا الموضوع بين الناس إذ ثمة من يعوز السبب الى تلوّث البحر بالنفط إبان حرب تموز وآخرون يعتقدون أنه بسبب الصيد الجائر...بالنسبة إلى البروفيسور باريش قد يكون كلّ ذلك: الصيد الجائر، وجود المنفخ، التلوث في البحر...لكن هذا ليس مؤكداً علمياً. أما الدراسة العلمية الوحيدة القابلة بدورها للنقض أو المتابعة فتقول إن اختفاء التوتيا سببه التغيّر المناخي. هل تعود؟ على الأرجح نعم، فعندما يختفي السبب الذي أدى إلى غيابها فإن عودتها محتملة، سيّما وأنها موجودة بكثرة في بحر تركيا المفتوح على "متوسط" لبنان.
لكن هل حقاً سيسمح اللبنانيون لها بالعودة والتكاثر من جديد؟! إنه سؤال بدهيّ ومحق في ظلّ الصيد الجائر وغياب أي أطر واضحة لتنظيم الصيد في لبنان. 
يقول باريش بأسف إنه في حال بقيت الأمور على حالها من الفوضى، "فحتماً سيختفي "الأصلي" ويحلّ مكانه "الغازي" الجبار والمقاوم والشرس الذي استطاع أن يعيش ويحيا وينتقل! فمن المعروف أن الأسماك تضع أعداداً هائلة من البيض لكن فقط 1% هو ما يكمل مسيرة الحياة!
وفي سياق هذا الحديث، كان لا بدّ من طرح سؤال عن سبب انتقال أنواع من الكائنات البحرية من منطقة إلى أخرى وما إذا كان ذلك يدخل ضمن دورة الحياة الطبيعية وبالتالي يجب عدم محاربته ومكافحته، فكانت إجابة باريش أنه "مبدئياً ينتقل السمك الغازي بشكل "طبيعي" ومن تلقاء نفسه، لكن ذلك لا يحدث من عبث وعدم! الإنسان هو المسؤول طبعاً، إذ هو من وصل بحرين (البحر الأحمر والأبيض المتوسط) ببعضهما عبر قناة السويس، وحدث ذلك في خلال سنوات قليلة وهو ما كان سيستغرق ملايين السنوات من الوقت الجيولوجي! وأيضاً، يحدث أن يكون سبب انتقال السمك تغيّر المناخ، وهو ما يتحمّل مسؤوليته الإنسان أولاً وأخيراً!".
ماذا عن تناول السمك في لبنان في ظلّ تلوّث البحر المؤكد؟!
بأسف، ولكن بصراحة يقرّ باريش أن "كلّ الأسماك ملوّثة في لبنان، إنما بنسب متفاوتة!". هذه حقيقية ولو أزعجت أو أحزنت. لكن هو شخصياً لا يتوّقف عن تناول السمك، بل يُطعم أطفاله أيضاً! 
 وفي مفارقة لافتة، يقول باريش إنّ "الغني يتناول سمكاً ملوّثاً أكثر من الفقير"! كيف ذلك؟ الأمر يتعلق بنوع السمك وحجمه، فالمواسطة على سبيل المثال تقتات على الحشائش البحرية وليس على الأسماك، وبالتالي تخفّ كثيراً كمية المعادة الثقيلة فيها، وحتى لو كانت ملوّثة بالبكتيريا (الصرف الصحي) فهذا يتفكك على الحرارة. أما اللقز والتونا والسلمون على سبيل المثال، فهي تأكل السمك وذات أحجام كبيرة، ومن البدهي إذاً أن تتكدس فيها المعادن والملوّثات. 
لكن طبعاً، يتطلب الأمر أن يتناول الفرد كميات كبيرة من السمك بشكل منتظم ولوقت طويل لتبدأ السموم والمعادن الثقيلة بالتكدس في جسمه والتأثير على صحته!
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك