ستة أيام على الانتفاضة الشعبية في الشارع، والحكومة لا تزال تراوغ لكسب المزيد من الوقت، دون خطوات ملموسة تخفف الاحتقان في الشارع، وتعيد الأمور الى طبيعتها. وها هي اليوم تقف أمام خيارين، التعديل الوزاري أو الاستقالة، حيث سرت شائعات مساء عن استقالة الحكومة في الساعات المقبلة، وهو ما نفته مصادر متابعة لـ"النهار"، خصوصاً في ضوء الدعم الذي تلقاه الرئيس سعد الحريري من سفراء عرب وأوروبيين للمضي في القرارات الانقاذية التي اتخذها مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة. وأفادت المصادر ان جلسة جديدة للمجلس ستعقد الخميس لوضع الخطوات التنفيذية لتلك القرارات.
وفي اتصال بين الرئيس الحريري والرئيس نبيه بري مساء أمس تناولا فيه اخر التطورات، رد الحريري على الشائعات التي راجت عن اتجاهه إلى الاستقالة، وأكد لبري كما علمت "النهار" أنه مستمر في تحمل مسؤولياته.
استقالة الحكومة أم تعديل وزاري
في هذا الوقت، انصرف اهل الحكم الى اجراء مشاورات واتصالات مكثفة محلية وخارجية لعرض واقع الحال الذي وصلت اليه البلاد والتشاور في التدابير التي ستتخذ لوضع ما تقرر من اصلاحات على سكة التنفيذ سريعا لاستيعاب حركة الشارع الغاضب وغير الواثق بقرارات المسؤولين، وشملت الاتصالات واللقاءات القصر الجمهوري وبيت الوسط، فيما ذكرت مصادر الاخير انه تمت الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء غدا الخميس في السرايا الحكومية من اجل البحث في اجراءت البدء بتنفيذ قرارات الورقة الاصلاحية، إلا أنه لم يتم تأكيد هذه المعلومة، مشيرة إلى ان الدعوة وجهت لعقد اجتماع للجنة الإصلاحات الوزارية ظهر اليوم.
وعلى الصعيد الحكومي، تجري مشاورات هادئة بين الرؤساء والقوى السياسية، من اجل تقرير الموقف بعد استقالة وزراء "القوات اللبنانية" الاربعة، وعلمت "اللواء" ان البحث لا زال يدور حول اعتماد خيار من ثلاثة: اما تعديل حكومي بتعيين اربعة وزراء لمل شغور مقاعد "القوات"، واما تبديل عدد من الوزراء بوزراء جدد، واما تشكيل حكومة انقاذ وطني، يسبقها استقالة الحكومة الحالية.
وذكرت معلومات ان خلاصة الخيارات رست على امرين: تعديل وزاري أو استقالة الحكومة، على اعتبار ان التعديل صعب، خاصة إذا كان يهدف إلى اقصاء بعض الوجوه التي تشكّل استفزازاً للبنانيين المحتجين في الشارع، وأخرى أثبتت فشلها في إدارة شؤون وزاراتها، رغم ان هذا الخيار يحظى برضى الشريحة الأوسع من السياسيين، غير انه ما زال يصطدم برفض رئاسي مطلق لا سيما من قصر بعبدا.
وأشارت مصادر سياسية إلى ان نصائح خارجية عدّة اسديت إلى الرئيس سعد الحريري بوجوب السير بهذا الخيار، باعتبار ان لا مخرج آخر متاحا راهنا لوقف ثورة الشارع التي تهدد في حال استمرارها بانهيار شامل على مختلف المستويات يصعب الخروج منه، خصوصا اذا ما اسقط الشارع الحكومة برمتها ودخلت البلاد في الفراغ والمجهول، لافتة الى ضرورة اقتناع الجميع بوجوب الاستماع الى نبض الشارع واحداث التغيير المنشود بالحد الادنى من الخسائر السياسية والا فإن الهيكل سينهار على رؤوس السياسيين قبل اي لبناني آخر.
وكشفت مصادر مقربة من الرئيس الحريري ان رئيس الحكومة يعمل على إحداث نقلة حكومية فاعلة تكون قادرة على مواكبة ومحاكاة الحراك الشعبي وتنفيذ برنامج العمل الذي تم الاتفاق عليه في بعبدا.
وأشارت المصادر إلى أن هذا الأمر يستلزم مشاورات سياسية للتوصل إلى وضع حكومي فعال في ضوء استقالة وزراء القوات اللبنانية، كاشفة عن خيارات مطروحة لم يتم بتها بعد ومن ضمنها تخفيض عدد أعضاء الحكومة.
وقالت المصادر ان تعيين بدلاء من وزراء القوات المستقيلين هو من اختصاص رئيسي الجمهورية والحكومة وما يحكى عن تعديل وزاري او تخفيض عدد الوزراء أمر لم يبحث بعد.
لكن مصادر وزارية مقربة من بعبدا، اعتبرت انه من المبكر الحديث عن تعديل حكومي، فالحديث الآن هو عن عملية تكليف بدلاً من وزراء "القوات" ومن ضمنها موقع نائب رئيس الحكومة.
وشدّدت هذه المصادر على بقاء الحكومة كفريق متضامن، وقالت: "القوات اللبنانية" خرجت، ولكن الحزب التقدمي الاشتراكي يحاول خلق بلبلة وسنتصدى لها بطريقة حضارية، فإن كنت معارضاً فعليك ان تذهب بالمعارضة إلى النهاية كما فعلت "القوات" وان تخرج من الحكومة ولكنهم بدل ذلك يذرفون الدموع على ضفاف نهر الغدير.
المجتمع الدولي يراقب
وفي هذا الإطار أكد مصدر ديبلوماسي غربي لـ"نداء الوطن" أنّ "المجتمع الدولي يراقب عن كثب ما يحصل في لبنان وسيصدر عنه موقف بهذا الصدد قريباً جداً"، وأضاف: "من الواضح أنّ الحكم في لبنان أثبت فشله وما يحصل على الأرض إنما يعبر عن رفض للمنظومة الحاكمة"، في وقت شدّد مصدر ديبلوماسي عربي لـ"نداء الوطن" على أنّ "دول الخليج لا تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي، ولكن ما تعكسه الساحات ميدانياً من المفترض أن يفرض تغييراً فورياً" في سبيل إنقاذ البلد.
الاصلاحات بين الرؤساء الثلاثة
وفي الغضون، تفاوتت المعلومات المتصلة بمواقف الرؤساء الثلاثة حيال مقترحات الحلول، إذ نقلت مصادر مطلعة لـ"نداء الوطن" أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لا يزال متمسكاً بالحكومة الحالية ولن يفرّط بها، وهو قد رفض نصائح سياسية وكنسية بهذا المجال مكتفياً بالانفتاح على إمكانية بحث "التعديل الوزاري" لتنفيس الشارع، في حين أكدت مصادر قيادية في "التيار الوطني الحر" لـ"نداء الوطن" أنّ حتى "فكرة التعديل الوزاري لم تنضج بعد بانتظار جلاء المشهد في الساعات المقبلة كي يُبنى على الشيء مقتضاه".
أما على ضفة "عين التينة"، وفي معرض تماهي رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع المطالب الشعبية بمكافحة الفساد، فقد نقلت مصادر قريبة من بري لـ"نداء الوطن" أنه "على استعداد لرفع السرّية المصرفية عن أمواله وأموال أفراد أسرته والتصريح عن كل ممتلكاته".
وكان الرئيس بري قد رأى أن الورقة الإصلاحية التي قدمتها الحكومة مهمة وان " العبرة في التنفيذ". وأوضح أمام زواره ان "الحراك الحاصل في الشارع ليس طائفياً ولا مناطقياً. الورقة مهمة ، لكن المطلوب هو التنفيذ السريع، خصوصاً ان الحكومة وضعت نفسها أمام مواعيد محددة. وأقول عليها أن تلتزم المواعيد التي حددتها. وقال إن الخطوة الإيجابية التي اقدمت عليها الحكومة في موازة القرارات التي اتخذتها هي إرسال الموازنة إلى مجلس النواب في المهلة الدستورية.
وأضاف ان " البنود الإصلاحية التي تحتاج إلى قوانين عرضها وزير المال علي حسن خليل مع الرئيس الحريري، خصوصاً ان البرلمان على استعداد لإقرارها في وقت سريع، ولا ينقص هذه المشاريع الجاهزة سوى توقيع مرسوم إحالتها مجلس النواب".
ولفت مطلعون في سياق توصيفهم أداء رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى أنه "يوازن بين الاندفاع نحو فرض تنفيذ أجندته للإصلاح الجذري على مختلف الكتل، التي لطالما جابهته بالتسويف والشعبوية مستفيداً من زخم الشارع والناس، وبين عدم الانزلاق نحو أي خطوة غير محسوبة العواقب قد تبدأ باستقالة الحكومة ولا تنتهي بانهيار البلد باقتصاده واستقراره"، علماً أنّ رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط بدا أمس ميالاً أكثر فأكثر نحو استقالة مشتركة مع رئيس الحكومة وهو قال رداً على سؤال لـ"نداء الوطن": "الورقة الإصلاحية لا شيء لأنها تبيع الدولة والناس لن يخرجوا من الشارع".
وفي مجال آخر، علمت "اللواء" ان جمعية المصارف ستزور الرئيس الحريري اليوم للتفاهم معه على موضوع الدولار الذي قفز لدى الصيارفة إلى ما يعادل 1800 ليرة للدولار، من دون أي تدخل من قبل المصرف المركزي، نتيجة استمرار اقفال المصارف منذ الجمعة الماضي.