Advertisement

لبنان

لا يملك ترف المناورة.. الضغوط ستتزايد على لبنان ومرحلة قاسية تنتظره

Lebanon 24
16-07-2020 | 00:21
A-
A+
Doc-P-724619-637304810178280025.jpg
Doc-P-724619-637304810178280025.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

كتب جوني منير في صحيفة "الجمهورية": الجميع يتذكر القصة التي تعلّمناها في المدرسة للكاتب الفرنسي La Fontaine وعنوانها La Cigale et la fourmie، هي قصة النملة التي جهدت في فصل الصيف لتخزين مؤونتها لفصل الشتاء، فيما الصرصور الذي امضى فصل الصيف باللهو والمرح عانى الجوع عندما حلّ الشتاء.

 

قصتنا في لبنان فيها شيء من روحية هذا الدرس. فالطبقة السياسية بوجوهها القديمة والجديدة عاثت فساداً من خلال الذهنية التي ادارت بها الدولة ولا تزال. وعندما سقط لبنان في هاوية الانهيار، كان الشتاء قد حلّ في المنطقة، وباتت ظروف الإنقاذ صعبة وكلفتها كبيرة وكبيرة جداً. فالكباش الاميركي - الايراني يزداد صعوبة، فيما لبنان، والذي يشكّل ساحة من ساحات عضّ الاصابع، لا يبدو قادراً على تحمّل وِزَر المواجهة، في ظلّ الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يعانيه، بعدما بدّد قرشه الابيض والاسود. والمشكلة انّ لبنان غير قادر على تحمّل كلفة الانتظار الى حين فتح ابواب التفاوض، خصوصا وأنّ مختلف الاطراف تعيش أزمات داخلية خانقة، وكل طرف يراهن على تعب الفريق الآخر قبله.

 

 

في الولايات المتحدة الاميركية نزاع داخلي عنيف على ابواب الانتخابات الرئاسية، والتي ستكون على ما يبدو الأكثر اثارة في تاريخ البلاد. ويبدو دونالد ترامب محاصراً بأزمات لا تنتهي. أضف الى ذلك، تجدّد الانتشار السريع لفيروس كوفيد -19. وفي الواقع تبدو خيارات ترامب المتاحة ضيّقة ومحدودة، ما يجعله اكثر شراسة، فيما الحزب الديموقراطي يعمل على تحضير أوراقه وبرنامجه جيداً لرحلة العودة الى البيت الابيض.

 

 

احدى الدراسات تحدثت عن تدهور سريع لزعامة الولايات المتحدة الاميركية للعالم، بدءاً من اعتداءات 11 ايلول 2001، وصولاً الى السنوات الاخيرة، والتي سجّلت تراجعات كبيرة. وربطت هذه الدراسة السبب بمزيج قاتل من المبالغة في طموح القوة والعظمة، اضافة الى عوامل اخرى، مثل الانسحاب من بعض النقاط الساخنة، والتحوّلات التي طرأت على كثير من الدول والساحات. الّا انّ اللافت في خلاصات الدراسة، الدعوة الى زيادة الطموحات مع اوروبا، وتعزيز العلاقات مع الهند، في اطار النزاع مع الصين مع وقف التدهور في ميزان القوى معها، والاستثمار في المؤسسات الدولية، والأهم تقليل المشاركة في الشرق الاوسط. وهو ما يعني الاعتماد اكثر على الوكلاء، ما يعطي اهمية حول اعادة ترتيب خريطة النفوذ في الشرق الاوسط. ومن هنا ستبرز المفاوضات الاميركية ـ الايرانية المنتظرة في حال عودة الديموقراطيين.

 

 

وفيما يُسجّل تصعيد في لهجة التخاطب بين واشنطن وبكين، سُجّل عرض عضلات بين البلدين. فواشنطن عزّزت حضورها العسكري في بحر جنوب الصين، من خلال ارسال حاملتي طائرات، فيما اندفعت الصين الى تطوير تقنية عسكرية تؤدي الى ولادة جيل جديد من الغواصات النووية التي لا تحدث ضوضاء، ما يجعلها عصية على التعقّب. ما يعني قدرتها على إنهاء هيمنة الاسطول العسكري الاميركي.

 

 

في هذا الوقت، وفيما واشنطن تعمل على تضييق الخناق على طهران لدفعها الى طاولة الحوار، عقدت الصين شراكة اقتصادية وامنية شاملة مع ايران، ستسمح بضخ مليارات الدولارات في شرايين الاقتصاد الايراني في مجالات الطاقة والقطاع المصرفي والاتصالات والموانئ وسكك الحديد الخ... في مقابل إمداد ايران للصين بالنفط في شكل ثابت ومنتظم وعلى مدى 25 سنة. وهذا الامر سيؤدي الى عرقلة جهود البيت الابيض لعزل النظام الايراني والتضييق عليه لدفعه الى تفاهم شامل وكامل معه.

 

 

من هنا خلفية الدعوة التي وجّهها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى التوجّه شرقاً والحساسية المفرطة التي قوبلت بها.

 

لكنّ المشكلة انّ الحماية الاقتصادية الذاتية للبنان باتت ضعيفة جداً بسبب عقود من الفساد، والاهتراء الذي ينخر مؤسسات الدولة وما زال. وهذا ما يعني انّ لبنان لا يملك ترف المناورة، بدليل انّ الدولة اللبنانية كانت على قاب قوسين او ادنى من السقوط الكامل والتفكّك، مع خطر الانقطاع الكامل للكهرباء، بسبب عدم القدرة على تأمين الفيول، وتراجع هيبتها الى الحضيض، وارتفاع معدلات الجرائم والسرقات والقتل والانتحار. لذلك، كان لا بدّ من اوكسيجين يسمح لرئة الدولة اللبنانية بالاستمرار في التنفس، ولكن وفق نسبة محدودة وضيّقة.

 

وقريباً سيستقبل لبنان وزير الخارجية القطرية وسيليه وزير الخارجية الفرنسية. ولن تخرج هاتان الزيارتان عن الشروط المرسومة للبنان في هذه المرحلة: "اوكسيجين" محدود يسمح للدولة اللبنانية بالبقاء على قيد الحياة، ولكنه لا يؤثر كثيراً في مشروع استمرار الضغوط على حزب الله في لبنان، من ضمن اطار الصورة العريضة للنزاع في المنطقة. فقريباً ايضاً سيصدر قرار المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي يتردّد أنّه سيشير الى اتهام مسؤولين في حزب الله ولكن من دون اتهام الحزب في حدّ ذاته. ولهذا الأمر تفسيره الواضح، وهو برمي المسؤولية المعنوية على حزب الله ولكن من دون اتهامه، بهدف ترك الباب مفتوحاً أمام مفاوضات وتفاهمات مستقبلية.

 

وكذلك قريباً يحين موعد التمديد لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان، بالتزامن مع فتح ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية الجنوبية، وفتح ملف الحدود اللبنانية - السورية من خلال "قانون قيصر".

 

 

كل ذلك والسلطات اللبنانية لم تُقدم بعد على خطوة اصلاحية واحدة، تساعد فرنسا على الأقل في توسيع دائرة الاوكسيجين التي تحتاجها الدولة اللبنانية لكي تستطيع الصمود امام الضغوط التي ستتزايد من دون ادنى شك، لا بل ان هنالك من يقترف مزيداً من الاخطاء.

 

 

فمثلاً، جاء القرار بإجراء التدقيق المالي المركّز، من دون التنبّه الى الجوانب الواجب حمايتها. ومعه، فإنّ المسؤولين لم ينتبهوا الى انّ القرار كما جاء سيضرب مبدأ استقلالية مصرف لبنان عن الحكومة اللبنانية. وهو ما يعني، انّه وبالصيغة التي طُرح فيها، سيعرّض اصول مصرف لبنان للملاحقة من قبل دائني الدولة اللبنانية وخصوصاً الأجانب منهم، وهو ما يعني امكانية وضع اليد قانوناً على شركة طيران الشرق الاوسط وكازينو لبنان وشركة "انترا" وحتى مخزون الذهب الموجود.

 

كان من المفروض ايجاد طريقة اخرى تؤدي المطلوب ولكن وفق صيغة لا تؤدي الى ازالة الاستقلالية التي يتمتع بها قانوناً مصرف لبنان.

 

وخلال الايام المقبلة ايضاً، سيغادر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى الفاتيكان، في زيارة تبدو الاهم منذ تولّيه مهمات بطريرك الموارنة. ذلك انّ الفاتيكان دخل مباشرة على خط الاحداث في لبنان، الى جانب فرنسا. والواضح انّ بكركي تستعد لدور اكبر للمرحلة المقبلة من خلال دعوتها الى حياد لبنان.

 

وفي مقارنة مع نداء الاساقفة الموارنة عام 2000 ايام البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، بدا أنّ موقف بكركي اليوم لم يجد من يعارضه من الزعامات المسيحية على إختلاف مشاربها، وبخلاف ما حصل في العام 2000. وقد تتراوح الاسباب ما بين الاستحقاق الرئاسي المقبل او حجم الخصومة الواسعة للعهد، وخصوصاً للنائب جبران باسيل مع القوى المسيحية الاخرى تحديداً.

 

والأهم ما ورد في عظة البطريرك الراعي الأخيرة، والتي استذكر فيها البطريرك الحويك راعي "لبنان الكبير" والبطريرك عريضة الذي بارك استقلال لبنان. وتعمّد الراعي استذكار المحطات الجامعة للبنانيين وصولاً الى طرح الحياد، وكأنّه يضع المرحلة الحالية بالاهمية التاريخية للمحطات السابقة.

 

الأكيد انّ ثمة مرحلة ضاغطة وقاسية تنتظر لبنان، فيما المنطقة ترقص على وقع عضّ الاصابع الاميركي - الايراني وتحت سماء النزاع الاميركي - الصيني.

 

Advertisement
المصدر: الجمهورية
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك