تتدرج مواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي صعودا منذ أن كان طرحه الأول بضرورة حياد لبنان وصولا إلى إطلاق مذكرة "لبنان والحياد الناشط" بالأمس، و التي تعتبرها مصادر سياسية حدثا مفصليا في ذروة الازمة العاصفة التي تضع مصير الكيان كما النظام اللبناني على المحك.
حدة الاستقطاب الداخلي تجعل من طروحات البطريرك في مواجهة امام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وردا حليف "حزب الله" الذي يمنحه الغطاء الشرعي والسياسي عبر "التيار الوطني الحر"، خصوصا وان تلاوة البطريرك الراعي مذكرة مكتملة عقب مغادرة ديفيد هيل بيروت أعادت الإشكالية الأساس في علة النظام حول تجاوز دور و نفوذ "حزب الله" الجغرافيا اللبنانية.
الجهد الكثيف الذي بذله جبران باسيل إعلاميا لناحية رفض تدخل "حزب الله" في الخارج لم يؤد الغرض المطلوب بل جعل عهد عون كما مستقبل "التيار"في مهب الريح، وسط الاتهامات بأن نهج عون و باسيل وضع لبنان في عزلة تامة عربيا و دوليا، و يصعب الخروج من المأزق الحالي من دون وضع خارطة طريق تنطلق بحكومة حيادية من دون "حزب الله" و باسيل و تنتهي برؤية واضحة للبنان خارج الفلك الايراني.
من البديهي في رأي أوساط سياسية متابعة، ان تشكل مذكرة "لبنان و الحياد الناشط" مادة تجاذب سياسية جديدة و تزيد من الضغط السياسي و الشعبي على حلف "حزب الله" - عون وتقطع الطريق على كل الطروحات المشتركة لناحية تشكيل الحكومة العتيدة، وإن اختلف التوصيف فقط بين حكومة اقطاب او حكومة وحدة وطنية.
اما ما استوقف الأوسط المذكورة، فهي المراجعة التاريخية التي قدمها البطريرك الراعي بما فيها الأسباب المعللة وراء الازمات الحادة في العام ١٩٥٨ و إتفاق القاهرة ١٩٧٠ وصولا إلى الواقع السياسي الراهن، وبالتالي وبغض النظر عن الانقسام العمودي في النظرة إلى مجريات أحداث و تاريخ لبنان الحديث، فإنه من الواضح أن دور البطريرك الماروني سيؤدي حكما إلى فرز سياسي واضح.
وفقا لذلك، تسري تساؤلات كثيرة اذا كانت بكركي تنحو بإتجاه تأسيس جبهة سياسية معارضة لـ"حزب الله" و حلفائه ، بما يعيد للذاكرة حكما تجربة "الجبهة اللبنانية" و طروحات الأباتي شربل قسيس، خصوصا في ظل الانطباع السائد بأن لبنان على أعتاب مرحلة تأسيسة جديدة لا تقل أهمية عن تأسيس لبنان الكبير منذ مئة عام على يد البطريرك الماروني الراحل الياس بطرس الحويك.