في ضوء تراجع الاحتجاجات الشعبية وصولا إلى حد الاضمحلال، عادت السلطة "الحليمة إلى عادتها القديمة" على مستوى تحاصص المناصب وتقاسم الدولة فيما تثقل الكوارث كاهل اللبنانيين الذين ينشغلون بتأمين لقمة العيش.
من الواضح أن الطبقة الحاكمة لا تقيم شأنا لمصير شعبها ولكيفية مواجهة "جهنم" التي وصلت إليها الحال في لبنان، دار الزمن دورته نحو سنة فلم يتغير الأداء الحاكم سوى حرص أولياء الأمر على التكتم في تشكيل حكومة على قياس اهل الحكم ومصالحهم، فما يترسب من أجواء يكشف بأن الاتفاق الوحيد الحاصل هو على تكليف الحكومة برئاسة الحريري وعدا ذلك هو عرضة للتجاذب تمهيدا للمساومات.
ثمة عناوين عريضة بين الرئيسين تخفي شياطين يتم استحضارها من الخارج إلى قصر بعبدا، قوامها رفع شعار المداورة في التوزيع لكنها لا تقارب الواقع الكارثي بقدر ما هي قشرة خارجية تطال هواجس وتحديات داخل السلطة وتتصل بمستقبل سعد الحريري كما جبران باسيل، ولكلاهما حسابات ورهانات حول الخارج.
تعرب مصادر متابعة عن مخاوفها من استمرار عثرات تقف عائقا أمام تقديم الحريري تشكيلته إلى رئيس الجمهورية والاتفاق النهائي، ما يفتح المجال أمام مخاطر جسيمة في حال تعثر الولادة خلال مهلة زمنية محدودة، رغم كون التأخير خيارا ضعيفا بضوء الضغط الدولي.
وتشير المصادر المذكورة إلى هفوات في عملية تشكيل الحكومة من الأفضل التغاضي عنها، لعل الهفوة الأولى وأبرزها حالة الاطمئنان عند البعض إلى همود الثورة الشعبية وبالتالي القفز على جوهر المشكلة، وهي علاقة المواطن بمؤسسات الدولة خارج الرعايات السياسية المفروضة. اما الهفوة التالية فتكمن في تمييع المطالب التي ادت إلى هبة شعبية كسرت المحرمات وتعرضت بالشتائم والسباب جراء شعور دفين بالظلم والاستبداد والانصراف إلى توزيع الحقائب بين قوى رفضها الشارع وانتفض عليها.
ولعل الهفوة الابرز في تشكيل الحكومة عدم ايلاء علاقة لبنان مع الخارج الاولوية الأساسية، فالمطلوب دوليا تشكيل حكومة تقوم بإصلاحات جدية ولعل مصير حكومة حسان دياب شاهد على انعدام ثقة الخارج وتركها تتخبط في مستنقع الازمات حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.