Advertisement

لبنان

مطبخ مريم... صورة عن "لبنان الحلو" من قلب الكارنتينا

جو لحود-Joe Lahoud

|
Lebanon 24
09-04-2021 | 08:00
A-
A+
Doc-P-811248-637535637427119237.jpg
Doc-P-811248-637535637427119237.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

الدمار يعمّ كل المكان، رائحة الموت والخراب التي خلفّها انفجار الرابع من اب، ما زالت ترفرف فوق ارجاء بيروت ومعها كل لبنان، الايام تمضي والشهور تمر سريعة، وصرخة اهالي الضحايا مستمرة في دموع الامهات، صمت الاباء، واوجاع الاخوة والاطفال والنسوة.


Advertisement
على بعد امتار قليلة من المرفأ المدمّر، تقع منطقة  "المدور"، التي يعرف جزء منها باسم "الكارنتينا"، وهي كلمة اجنبية تعني باللغة العربية "المحجر الصحي"، والحقيقة ان هذه المنطقة المتاخمة للمرفأ، استعلمت لسنوات طويلة، لحجر ركاب السفن، التي تحمل الراية الصفراء، في اشارة واضحة الى ان من على متنها يعانون من وباء او مرض معين.

لم تسلم "الكارنتينا" من الحرب الاهلية وتداعياتها، دمرها القتال المستشري  بين ابناء البلد الواحد في تلك الفترة، هجّر سكانها، وغيّر معالمها، ليستمر ملف التهجير والعقارات والعودة غير المكتملة، في استنزاف ما تبقى من قدرة اهلها على الصمود والبقاء.

كما انها لم تسلم من السياسات البيئية العشوائية التي رسمتها الحكومات المتعاقبة على مدى سنوات طويلة، ففيها تتمركز الشركة  المكلّفة جمع نفايات العاصمة، وهنا حدث ولا حرج، عن عشوائية، فوضى  وتلوث،  يضرب عرض الحائط حقوق المواطنين  بنفس نظيف، في بلد نسعى جميعا لتنظيفه من مفسيديه وسارقيه.


والاسوأ، ان "الكارنتينا"، لم تسلم من شظايا انفجار المرفأ، الذي اصابها في الصميم، فرفع اصوات الاهات فيها، وزاد على شهادتها دماء، فحلّق الصمت القاتل في حناياها وزواياها،

ولكن لكل صمت، نغمة قادرة على ايقاظ روح الحياة فيه، وتحويل الامه واوجاعه، الى فرصة حياة، فصمت "الكارنتينا"، اشعل نغمات النار في "مطبخ مريم"، الذي تمركز في وسطها علامة للمحبة والتضامن ورفضا لثقافة الموت والقتل والدمار.

راس غاز وطنجرة... خميرة المشروع

في حديث مع "لبنان 24"، يقول مؤسس مطبخ مريم الخوري هاني طوق "لم يكن سهلا ان تبقى ايدينا مكتوفة بعد انفجار المرفأ، شعور من الغضب والحزن مجبول بالايمان قادني ككثير من اللبنانيين الى قلب بلدنا، الى عاصمته،

مشهد الدمار، المرفق باعين الناس الفارغة من اي تعبير، كان مرعب ومخيف، لا بل كان الابشع بين كل مشاهد الوجع الاخرى التي سطرها الدم بخطوط عريضة جدا".

 ويضيف طوق "بعد الانفجار باسبوع واحد، قررنا انا وعائلتي، زوجتي واولادي ال4، ان نكون مع الناس، وفي وسطهم، محاولين الشعور باوجاعهم والتخفيف عنها، قدر المستطاع،


ووقع الخيار، ان نقوم باعداد الطعام الساخن وتوزيعه على كل من هو بحاجة اليه، فانطلق المشروع  بعفوية  وبتدبيرالهي، دون اي تخطيط  يذكر في حينها، اذ كل ما حصل بدأ كرد فعل عفوي على الظلام الذي فرضه الانفجار،

طنجرة واحدة وغاز واحد، وطبخة يومية، متنقلة بين شوارع بيروت المهدمة، تحاول مسح عرق المتطوعين ودموع المتضريرين.
 في البداية تنقلنا بين المدور، الاشرفية، درج الجمزية، وغيرها من الزوايا، وفي كل الاماكن كانت ايدي الخييرين معنا لتأمين المواد الاولية، اذ واظبنا على تحضير وتوزيع حوالي 120 طبق يوميا".


زاوية مظلمة في "الكارنتينا" كانت كافية

اما عن التمركز في الكارنتينا، يقول طوق،" عرفت المنطقة، تجمعا كبيرا للجمعيات، اذ حطت فيها اكثر من 20 جمعية بشكل ثابت ومستمر بعد الانفجار، واستقرت في احد المباني المهجورة، وكان لكل منها حيز من هذا المبنى،
فانضمينا اليها، حيث كان لنا نصيبنا من المبنى المهجور، فمن احدى زواياه المظلمة، بدأ عملنا بالتوسع والتكاثر، وبدات معه خلية نحل من المتطوعات والمتطوعين بالانضمام الينا، ليشكلوا عصب العمل، روحه ومستقبله،




وهنا لا بد لي من التعبير عن امتناني لكل فرد منهم، ففيهم ارى وجه الانسان الذي يدرك ان العطاء، فرح وحب لا بد له من ان ينتج فرقا في ظل كل السواد الذي نعيشه، واتمنى في المستقبل القريب ان استطيع الحصول على ميزانية بسيطة لتأمين بعض حاجياتهم التي تمكنهم من الاستمرار في العطاء".

وعن التطور الذي شهده العمل خلال هذه المرحلة، يؤكد طوق،" انه وبصورة سريعة، بدأت الحاجة تكبر وتزداد يوما بعد يوم، وبدأنا التفكير بكيفية تلبية هذه الحاجات، فصحيح ان المتطوعين الذين رفعوا انقاض العاصمة غادروا بيروت، لكن اهلها والحمدلله بقوا فيها، وفي المراحل المتقدمة بدأت الحاجة الفعلية تظهر بوضوح أكثر فأكثر،


فتحولنا الى اعداد 250 طبق يومي، ومن ثم الى 350 طبق، وكرت السبحة، وبدأنا التفكير، بكيفية تنظيم العمل".

 للمبنى المهجور... حلة جديدة

وعن قصة المبنى المهجور الذي تحول مطبخا يقدم المحبة لكل من قصده، يقول طوق " مع الوقت وتقدم الايام، بدأت الجمعيات بطريقة متتالية تغادر المبنى المهجور، فمنها من وجد لنفسه مساحة افضل، ومنها من انهى خدمته، ومنها طبعا من انتقل الى مكان اخر ضمن العاصمة،


اما نحن فكان قدرنا ان نعيش الخدمة  من هذا المبنى بالتحديد، الذي عرفنا في وقت لاحق، انه يعود لاحد المصارف، الذي سمح لنا مشكورا ان نتابع عملنا،
تابعنا العمل، وبهمة من وقفوا الى جانبنا، استطعنا ترتيب المكان، وتصليحه لوجستيا، بالاضافة الى اعطائه نوعا من الجمال والجاذبية، حتى يليق برواده وناسه، الذين يمتلكون كرامة لن تستطيع كل ايادي الظلام ان تسلبهم اياها".

وفي هذا الاطار، يتابع طوق ليقول " استطعنا وبقوة الله، ان نوسع اطار العمل، اذ اصبح لدينا حوالي 8 اعين غاز، 8 طناجر، فرن،  رقاقة، عجانة  ومجموعة من الادوات التي ساهمت في تطوير العمل، فتحولنا الى تقديم اكثر من 750 وجبة ساخنة يوميا". 
عرس من قلب الدمار

ويضيف الخوري طوق " ان هذا المكان الذي بدأ كحلم، استطاع ان يجعل حلم البعض حقيقة، فللاسف، امسى بعض اهالي وسكان بيروت، يحلمون بتأمين زادا يوميا يحميهم وعيالهم من العطش والجوع،

ان هذا المطبخ، الذي يقصده الناس من بيروت ومن مختلف المناطق المجاورة، وغير المجاورة، سيبقى علامة أمل وصمود في قلب مدينتنا، الى ان تعود اليها الحياة كما كانت لا بل افضل"،


ويبتسم الخوري طوق، مستذكرا، "ان هذا المطبخ ومن فترة وجيزة تحوّل صالة افراح، فاحتضن عرس الشاب ايلي شاهين وعروسه منار، اللذين كبرت قصة حبهما في ميادين التطوع، وتكللت في مطبخ مريم".

استمراريتنا علامة صمود وفرح

حول الغد وتوقعات الاستمرار يجيب طوق " لا يمكننا الا ان نطمئن ونحن نفكر في القادم من الايام، فالمطبخ الذي يحمل اسم العذراء مريم عن طريق الصدفة، اذ انني اطلقت عليه التسمية، بداية الامر، تيمنا بوالدتي التي اعتادت ان  تقدم ما استطاعت لتشعر الانسان انه محبوبا ومقدرا،


اصبح يحمل رسم السيدة العذراء شعارا له، والامر حصل عندما طلبت من احد الحدادين، تنفيذ شعار للمطبخ، دون ان اشرح له خلفية التسمية، فوضع رسم العذراء، ليشكل بركة ستجعل من خوابينا ممتلئة بشكل دائم ومستمر،

ويؤكد طوق، "انه ومجموعة من 4 متطوعين فرنسيين  و3  متطوعين لبنانيين، يعملون بشكل دائم ومستمر، لتأمين الوجبات المطلوبة دون كلل او ملل،
فالحاجة تكبر يوما بعد يوم، اذ ان مطبخنا لا يسلم الاطباق عن طريق الجداول، او التسجيلات، بل يقصده الناس دون اي حواجز تذكر،

واليوم مثلا، وجدنا انفسنا بحاجة  الى 26 طبق اضافي، وهكذا هي الحال في وطننا الموجوع، الحاجة تكبر، لكن ايماننا دائما اكبر".
ويختم الخوري طوق شاكرا" كل الايادي التي لم ولن تبخل على مطبخ مريم، الذي سيبقى قدر المستطاع  علامة  للاخوة والتضامن والفرح".

 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك