Advertisement

لبنان

الودائع: بين التأميم والتدقيق

غسان أبوعضل

|
Lebanon 24
05-06-2021 | 06:30
A-
A+
Doc-P-830248-637584864636891172.jpg
Doc-P-830248-637584864636891172.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة، لم يعد مصرف لبنان يعلن في ميزانيته عن احتياطاته الصافية من العملات الأجنبية، وقد مرّ تصريح للحاكم بهذا الخصوص، منذ سنوات، مرور الكرام لدى الأكثرية الساحقة من الخبراء الماليين، كما لدى عامة الشعب.
Advertisement

قد يستغرب البعض هذه المقولة، لأن الرأي العام تعوّد على تصريحات وبيانات مصرف لبنان بأرقام "احتياطه" بالدولار الاميركي والذي وصل إلى حوالى 47 مليار دولار في يوم من الأيام. لكن منذ فترة طويلة غيّر مصرف لبنان طريقة نشره لأرقامه بحيث يُظهر الموجودات التي لديه بالعملات الأجنبية كأنّها احتياطات يمكنه استعمالها كما يشاء، بينما هي في الحقيقة وبغالبيتها الكبرى ودائع للمصارف اللبنانية ،أي هي ودائع الناس وأموالها.

تمّ صرف هذه الأموال في عدة أمور، جزء كبير منها استعمله مصرف لبنان، خلال سنوات طويلة، للحفاظ على سعرٍ الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي. وبما أنّه في عالم المال كما في الكيمياء "لا شيء يضيع، لا شيء يُخلق، الكل يتحوّل"، لأن المال هو وسيلة للحصول على سلعة أو خدمة، فالسؤال المطروح: من استفاد من هذه السلع والخدمات؟

على سبيل المثال، بات الجميع يعلم أن العجز المتراكم في شركة كهرباء لبنان بلغ عشرات مليارات الدولارات. والسبب الرئيسي لهذا العجز هو الفرق الكبير بين كلفة الإنتاج وسعر البيع. هذه النتيجة لا تحتاج لتدقيق جنائي لإظهارها، بل ما ينبغي إظهاره هو التالي: لماذا لم يقم المسؤلون في شركة الكهرباء وفي وزارة الطاقة بزيادة، تدريجية وجزئية، على سعر الكهرباء في وقت كان المواطن اللبناني قادراً على تحمًلها لو تمّت على عدة سنوات؟ والسؤال الأهمّ الموجّه لجميع المسؤولين عن ملفّ الكهرباء في وزارة الطاقة وشركة الكهرباء هو: لماذا كانوا يقومون بزيادة الإنتاج مع عِلمهم أنهم بهذه الطريقة يزيدون العجز؟ لا شكّ أن الجواب ليس اقتصاديًا أو ماليًا، الجواب في "السياسة الشعبوية"، وهذا ما أظهرته المعارك والبطولات الوهمية على مدار السنين، حيث استعملت السلطة جزءاً كبيراً من أموال الناس التي أودعتها المصارف في مصرف لبنان من أجل تمويل العجز في فاتورة الكهرباء. وتكون بهذه الطريقة أمّمت السلطة أموال "الأغنياء" ليستفيد منها "الفقراء" على الطريقة الماركسية.

الكهرباء باب كبير من أبواب الهدر استعملته السلطة، كما استعملت أبوابًا غيرها، من أجل شراء الشعبية لدى الناس الذين لم يكن قسماً كبيراً منهم يعلم أنه "يلحس المبرد". كان البلد يعيش على التنفس الاصطناعي منذ سنوات، وكان الأوكسيجن الذي يبقيه على قيد الحياة هو التدفقات النقدية من الاستثمارات العربية والأجنبية ومن السياحة وتحويلات اللبنانيين المغتربين. لكن للأسف توقفت السياحة وانسحبت الاستثمارات وما عاد اللبنانيون يرسلون الأموال كما في السابق. وبوجود النزيف الناتج عن الهدر بأشكاله المتنوعة تسارعت الأزمة نحو الانحدار منذ العام 2015.

في درس الإسعافات الأوليّة، يتعلّم المسعف في حال مواجهته مصاباً أن يعتمد الطريقة التالية: يتأكد أولًا أنّ المصاب يتنفس وقلبه ينبض ويساعده المسعف بالتنفس الإصطناعي إذا لزم الأمر، ثم يحاول المسعف إيقاف النزيف في حال وجوده، بعد ذلك يسعى لنقل المصاب الى المستشفى عن طريق سيارة إسعاف متخصّصة، ثم تبدأ الجهات المختصّة التحقيق في مسؤولية الحادث وأسبابه لإظهار المسؤوليات وتحديد حجم الاضرار والتعويضات.

لبنان في أزمته المالية والاقتصادية يشبه المصاب في حادث، يختنق من انقطاع الاوكسيجن (أي عدم تدفّق الاموال من الخارج عن طريق السياحة أو الاستثمارات)، لا بل يمعن من يجب أن يقوم بدور المسعف بزيادة أسباب انقطاع الأوكسيجن عنه. لبنان ينزف منذ سنوات، ولا يساعده، من يجب أن يكون مسعفه، على وقف النزيف المتمثل بالتهريب والسرقة وما يُسمًى زورًا بالدعم. لا توجد سيارة إسعاف متخصصة تنقله الى المستشفى لتلقّي العناية لأنه بدل طلب المُسعِف طُلِب له محقّق. كل ذلك وغيره جعل وزير خارجية فرنسا "يتّهم" المسؤولين السياسيين اللبنانيين بعدم تقديم المساعدة لشعب في خطر بينما يتلهّون بإلقاء المسؤوليّات على بعضهم البعض عن طريق التدقيق أو التحقيق.

الجميع بات يعلم أين صُرِفت معظم أموال الناس التي استدانتها الدولة ومصرف لبنان من المصارف. لن يزيد التدقيق كثيراً على ما نعرفه. قد يُظهر التدقيق بعض التفاصيل وقد يسلّط الضوء على جزئيات غير ظاهرة للعلن. إنّما، على قاعدة 20/80 ، سيستهلك التدقيق 80% من الوقت لإظهار 20% التي لا تزال مخفية. في هذه الاثناء، أو السنوات التي سيستغرقها التدقيق، يكون انتهى كلّ شيء وتكون "نجحت العملية بس مات المريض".
 
غسان أبوعضل، مستشار مالي ومصرفي
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك