Advertisement

لبنان

حكومة فرملة الانهيار وليس الانقاذ

جميل رعد Jamil Raad

|
Lebanon 24
24-07-2021 | 05:30
A-
A+
Doc-P-845718-637627195199886980.jpg
Doc-P-845718-637627195199886980.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لبنان بلد الانهيارات والأزمات الدائمة. كأنه كتب عليه أن لا يعرف طعم السلام. ربما لن يتأقلم شعبه ومؤسساته في حال انتقل إلى مرحلة سلام دائمة كبقية الدول. لكن، رغم ذلك كله، لم تبلغ أزماته التاريخية المتعاقبة المبلغ الذي وصلته حاليا منذ عصفت به أحداث تاريخ السابع عشر من تشرين الأول ٢٠١٩ وما بعد .
Advertisement

قيل الكثير في الانهيار، ولم يكن المرء ليصدق ما تسمع أذناه، أو تراه عيناه حيث لم يمر على بلد ما مر على لبنان في هذين العامين. أبلغ مثال على ذلك فقدان المودعين لودائعهم، أو على الأقل حجزها، وثمة من يقول إنها طارت.

ومع فقدان السيولة النقدية، خصوصا انخفاض احتياط مصرف لبنان بالدولار، بدأت تداعيات هائلة تنعكس على مختلف المستويات، بداية بانفلات سعر الدولار، ثم بتحديد عدة أسقف له، وآخرها فلتانه في ما يعرف بالسوق الموازية، وبات للدولار عدة أسعار في آن، ولكل مجال سعر منها، والثابت فيها ما كان مدعوما منذ زمن طويل.

مع تراجع الاحتياط النقدي بالدولار، بدأ التفكير برفع الدعم عن بعض السلع المدعومة، وبدأ الرفع بالتدريج، إما جزئيا، أو كليا، حتى وصل البلد إلى مرحلة شبه فقدان الدولار من السوق، فارتفع سعره بشكل جنوني، وانعكس ذلك على مختلف السلع الحياتية، ومع بدء رفع عمليات الدعم بالتدريج، بدأ البلد يتجه نحو الانهيار، وبدأت الحياة تصبح شبه مستحيلة، والقدرة الشرائية عند غالبية المواطنين ضربت حيث لم يكن بالامكان سد الثغرة بين الانهيار المالي، واسعار مختلف الحاجيات، والرواتب والمداخيل المحدودة لدى الناس.

الانهيار يتدحرج نزولا، ويتفاقم، وكل يوم يشهد المواطن نغمة جديدة عليه التأقلم معها بسرعة، قبل فقدانه توازنه. ارتفاع الأسعار بصورة عامة، فقدان الوقود، فقدان الدواء، وفقدان الكثير من الحاجيات الضرورية للانسان، حتى يكاد البلد أن يشل، قليلا قبل التلاشي والانهيار النهائي، وارتفاع الأصوات المحذرة من الانفجار الكبير، والكارثة الأكبر.

مضت تسعة أشهر وأكثر على هذا الانهيار المتصاعد، ولم يستطع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من تشكيل الحكومة. وفي ظل الأوضاع التي وصلها لبنان، لم يعد من الممكن الاستمرار بالمسار عينه، فجرت اتصالات وضغوط بهدف التوصل إلى تكليف رئيس حكومة جديد، على أن تنطلق بعدها حكومة تحمل كرة النار بين يديها.

الرئيس المرشح للتكليف لا شك أنه سيكون فدائيا، وجريئا وصلبا ليقبل بهذه المهمة، خصوصا أنها حكومة الانتخابات النيابية، وليست حكومة مولجة بالحلول، لا دوليا، ولا إقليميا، ولا محلياً. أول مهمة أمام هذه الحكومة هو كيفية لجم الانهيار، قبل أي شيء آخر، ثم محاولة إيجاد الحلول المستحيلة في ظروف اختناق عام وشامل للبلد، وفي ظل تجاذبات إقليمية ودولية حادة.

قد يكون السؤال المطروح الآن ما هو قدرة الحكومة المزمع الانطلاق لتشكيلها الأسبوع المقبل على الانقاذ، أو الأصح، ما هو دورها في ظل الانهيارات المتسارعة، والأزمات المتتالية، والعقوبات والحصارات. بدون شك أن مهمة الحكومة صعبة للغاية خاصة في ظل استمرار المواجهة الأميركية-الايرانية وتعثر المفاوضات المتعلقة بها في فينيا مما رفع منسوب التوترات في اليمن، والعراق، وسوريا، وزاد التهديدات الأميركية للبنان، وطرح تمديد حالة الطوارئ الأميركية على لبنان لسنة جديدة.

كل هذه العوامل تجعل الانقاذ مؤجلا، ولكن فرملة الانهيار ممكنة، وإن كانت بحاجة لرجل يتمتع بالحكمة، وبعد النظر، والترفع عن الانانيات، مما يتطلب ايضا توافر الإرادة للقوى السياسية اللبنانية، وإيجاد نوع من التعاون سيسهم في تأمين سيولة تلجم التفلت، والاحتكار، وتفتح اعتمادات الفيول، والبنزين، والكهرباء، والدواء، و تضع حداً من الفوضى عبر استعادة مركزية الدولة.

في هكذا ظروف دراماتيكية، وفي ظل تفاقم الصراعات المحلية والدولية، يتطلب وجود حكومة قادرة، ورئيسها متمتع بالفصاحه، والهدوء، وطول البال، وهنا تحضر شخصية الرئيس نجيب ميقاتي في لعب دور كبير، فهو ترأس حكومتين سابقا، كما تخطى العديد من الصعوبات، فالرئيس ميقاتي ترأس حكومتين: الحكومة الأولى سنة ٢٠٠٥، وكان لبنان في مرحلة حرجة جدا، وعلى شفير الهاوية، وفي حالة انقسام حادة، واثبت أنه باستطاعته إدارة الأزمة، وتدوير زواياها، والوصول بالبلد إلى حالة من الاستقرار بعد توترات كانت تنبيء باحتمالات صدام أهلي واسع.

كذلك، استطاع بحكومة الانتخابات تجاوز القطوع الأخطر، فالحكومة الثانية ٢٠١٠ أيضا جاءت في ظروف مضطربة حيث توافقت مع انفجار الأزمة السورية التي أصابت شظاياها لبنان بقوة، ولكن الرئيس ميقاتي نجح في تخطي تداعيات الحرب السورية بأقل الخسائر، وابعد لبنان عن شبح الحرب في المعادلة التي أطلقها "النأي بالنفس".

خلال تلك المرحلتين، أظهر ميقاتي كم أنه رجل دولة، ومؤسسات، ورفض الانخراط في لعبة المحاور.

صحيح قد تكون الظروف اليوم صعبة جدا نتيجة تفاقم الازمات الداخلية، لكن بموازاة الوضع الاقتصادي والمعيشي الضاغط، يستطيع الرئيس ميقاتي، من خلال المرونة، والحكمة، إيجاد قواسم مشتركة بين معظم القوى السياسية للتعاون لما فيه مصلحة لبنان، والبداية بوضعه على سكة الحلول المقبلة.
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك